خاص/ وكالة النهار الاخبارية - الخليل
تقرير – تحرير جابر
في الوقت الذي كانت فيه عيون أهالي الخليل في الضفة الغربية شاخصة باتجاه حرب الابادة والتجويع التي تنفذها آلة الحرب الصهيونية، كانت القوات الحربية الاسرائيلية تتوغل داخل مدن وقرى الضفة الغربية، وتصعد من اقتحاماتها للمسجد الأقصى، وترتكب عمليات القتل والتدمير بصورة لا تقل خطورة عما شهده قطاع غزة، لكن قلوب أهالي الخليل كانت تنبض حزنا وألما لما يجري في غزة.
تؤكد التقارير من قطاع غزة إلى مدينة الخليل أن عنف الحرب قد تراجع بشكل واضح، لكن وبسبب العقلية الاسرائيلية في العدوان والقتل والمصادرة، يحاول جيش الاحتلال الاسرائيلي مواصلة عدوانه على الشعب الفلسطيني، وحاول مواصلة عدوانه على جنين وغيرها من مناطق الضفة الغربية، ما دفع أهالي المنطقة إلى الاشتباك مع القوات الاسرائيلية المتقدمة.
كان لابد من الاشارة إلى تلك التطورات في وقت مازالت عيون أهالي الخليل تراقب باهتمام كبير ما جرى ويجري في غزة بين آثار الحرب وآمال السلام.
ففي شوارع الخليل المزدحمة، وبين أزقة البلدة القديمة وحجارة أسواقها العتيقة، يتردّد سؤال واحد على ألسنة الناس: هل ستتوقف الحرب بشكل نهائي وشامل فعلًا بعد قمة شرم الشيخ؟
سؤال بسيط في ظاهره، لكنه محمّل بوجع كبير، يعكس حالة عامة من الإرهاق النفسي والمعيشي التي يعيشها الفلسطينيون وهم يتابعون أخبار الدمار والمجازر في قطاع غزة منذ أشهر طويلة بعد أن عاد المواطنون إلى منازلهم المدمرة.
الكل في المدينة يتابع أنباء نتائج قمة شرم الشيخ وقرار وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى من سجون الاحتلال بشغف، لكن في الوقت نفسه، لا أحد يثق أن الهدوء سيستمر.
من أمام الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل في الضفة الغربية، يجلس الحاج أبو ناصر على كرسيه الخشبي، يراقب المارة بنظرات متعبة ويقول لـ"وكالة النهار الإخبارية":
"كل يوم بنسمع عن وقف إطلاق نار، بس ما بنشوف على الأرض إلا دم ودمار، تعبنا نصدق الأخبار او لا"
وعلى بعد أمتار قليلة، يقف الشاب شوكت الفاخوري (28 عامًا) أمام محله الصغير، يتابع الأخبار عبر هاتفه، ويعلّق بابتسامة محملة بالحزن"حتى لو كانت هدنة قصيرة، المهم الناس في غزة تتنفس شوي، والأطفال ياكلو و يناموا بدون خوف".
أما الحاجة ام ربيع من امام احدى بسطات الخضار على أحد الأرصفة في سوق الخليل، فتعكس خوف الأمهات جميعًا حين تقول:
"المهم ما تكون هدنة مؤقتة، بدنا الحرب توقف على طول، بدنا نعيش ونشوف غزة بخير، بس الصراحة ما في ثقة لا بالاحتلال ولا بالعالم، كله وعود فاضية".
وخلال الجولة الميدانية في مدينة الخليل واستطلاع آراء المواطنين الفلسطينين، بدا واضحًا أن المزاج العام يميل إلى التعب من الحرب أكثر من الإيمان بأي حلول قريبة.
النسبة الاكبر من المستطلعين قالوا إنهم يتمنّون وقفًا دائمًا للحرب، والكثير يعتقدون أن الهدنة التي اقترحها الرئيس الأمريكي وتم التوقيع عليها في شرم الشيخ لن تدوم طويلًا، وهناك من عبّر عن تشاؤم كامل من إمكانية تحقيق سلام حقيقي دون وحدة الصف الفلسطيني أولًا.
ورغم تباين المواقف، يؤكد المواطنين على أن استمرار الحرب لم يعد يحتمل، وأن الناس في غزة والخليل وسائر المدن الفلسطينية يعيشون "تعبًا مشتركًا” من الانتظار والخسارة والخوف.
حيث لاحظت أن موقف الشارع في الخليل يعكس تحوّلًا في الوعي الشعبي، فالمواطنون لم يعودوا ينظرون إلى وقف الحرب كغاية بحد ذاتها، بل كخطوة أولى نحو حلّ سياسي شامل يُنهي الانقسام الداخلي ويعيد الثقة بالمؤسسات الوطنية.
في الوقت الذي تتناقل فيه وسائل الإعلام أخبار "المفاوضات والضغوط الدولية”، يعيش المواطنون في الخليل واقعًا آخر تمامًا:
ارتفاع في الأسعار، تراجع في الحركة التجارية، وقلق متواصل من توسّع دائرة التوتر.
بصوت واحد من الخليل إلى غزة ، من قلب الخليل، المدينة التي اعتادت الصبر والصمود، يمتد صوت الناس نحو غزة: كفى حربًا.
فبين أمل بوقف النار وواقع لا يهدأ، يبقى الفلسطيني متمسكًا بإيمانه أن الحرية والكرامة لا تُنتزع بالقوة، بل تُصنع بالإرادة والوحدة والإنسانية.