الثلاثاء 17 حزيران 2025

"أونروا" في مهبّ الريح: من أزمة التمويل إلى تصفية القضية الفلسطينية


بقلم:عصام الحلبي
في السنوات الأخيرة، تعيش وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) واحدة من أخطر أزماتها منذ تأسيسها عام 1949، ليس فقط على المستوى المالي، بل على المستوى السياسي والوجودي. فهل ما تتعرض له الوكالة ناتج عن نقص تمويل؟ أم أنه فصل جديد من محاولات تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين؟

الأونروا... شاهد على النكبة وتأكيد لحق العودة

تأسست الأونروا بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة (القرار 302 عام 1949)، لتقديم الإغاثة والتشغيل للاجئين الفلسطينيين إلى حين التوصل إلى حل عادل لقضيتهم، في سياق الاعتراف الأممي بالنكبة الفلسطينية." الحل العادل هو العودة الى وطنهم  وحقهم في تقرير مصيرهم"

لكن الأونروا، منذ نشأتها، لم تكن مجرد هيئة إغاثية. بل هي الشاهد السياسي والقانوني والأخلاقي على جريمة التهجير، وعلى حق العودة. استمرار وجودها هو استمرار لاعتراف دولي بالقضية، وتصفية هذا الوجود تعني سحب هذا الاعتراف تدريجيًا.

سياسة التجفيف المالي... خطة ممنهجة لا أزمة عابرة

ما تواجهه الأونروا اليوم ليس أزمة مالية طارئة. بل سياسة تجفيف ممنهجة للموارد المالية بدأت مع وقف التمويل الأمريكي في 2018، واستمرت مع تقاعس دول مانحة أخرى عن تسديد التزاماتها.
الولايات المتحدة كانت تاريخيًا أكبر ممول للوكالة، وحين قررت التوقف عن دفع مساهمتها، تم ذلك في سياق "صفقة القرن" ومحاولات تصفية ملفات الحل النهائي، وفي مقدمتها قضية اللاجئين.

واللافت أن هذا التراجع في التمويل يأتي متزامنًا مع محاولات دولية لإعادة تعريف اللاجئ الفلسطيني، وترويج مقترحات لإحالة ملفه إلى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR)، بما يعني تحويل قضيته من سياسية إلى إنسانية، ومن حق العودة إلى "حق التوطين حيث هو".

تقليصات متتالية... خطوات محسوبة نحو الإنهاء

في هذا السياق، جاء تقليص الخدمات:
من مساعدات نقدية بقيمة 50 دولارًا للفرد كل شهرين،

إلى 30 دولارًا،

ثم إلى سلة غذائية لا تتجاوز قيمتها 10 دولارات تُقدَّم فقط لحالات "العسر الشديد".

كما شملت التقليصات قطاعات التعليم، والصحة، والإغاثة، وتجميد التوظيف. إنه مسلسل إضعاف تدريجي لوظائف الوكالة، دون إعلان رسمي لإنهائها، ما يعزز فرضية "الموت البطيء".

اللاجئون: بين الاحتجاج والاضطرار
في المخيمات، تعمّق هذا الواقع في مشاعر اليأس والغضب. اللاجئون الفلسطينيون يرفضون التقليصات، لكنهم في الوقت ذاته مضطرون للقبول بما يُقدَّم، ولو كان رمزياً. وقد ظهرت خلال العامين الماضيين تحركات احتجاجية في عدد من المناطق، لكنّ غياب التنسيق السياسي وتشتت الانشطة المطلبية أضعف فاعليتها.

منظمة التحرير: توازن وطني في مواجهة الأزمة

في خضمّ هذا المشهد المأزوم، تتحرك منظمة التحرير الفلسطينية بمسارين متوازيين:

الأول، هو التمسك السياسي ببقاء الأونروا واستمرارها، كمرجعية أممية لقضية اللاجئين،

والثاني، الضغط على الوكالة للقيام بواجباتها كاملة تجاه اللاجئين، دون تهاون أو تراجع، في إطار التفويض الأممي.
بهذا التوازن، تمارس المنظمة دورها الطبيعي كحامٍ سياسي ووطني للقضية، في حين أن بعض الفصائل الفلسطينية – للأسف – تتصرف بعشوائية في أنشطتها الاحتجاجية، من خلال إغلاق المدارس والمراكز الصحية والعيادات، في خطوات تُفهم أحيانًا على أنها ضغوط كيدية لا تستهدف الأونروا فقط، بل تظهر وكأنها موجهة ضد منظمة التحرير ذاتها، ما يضعف الموقف الفلسطيني الموحد ويمنح خصوم القضية ذرائع إضافية لتبرير الهجوم على الوكالة.

الرهان على الدبلوماسية والضغط المنظم

المعركة اليوم لم تعد إنسانية، بل سياسية بامتياز. وعلى الدول العربية المضيفة، والفصائل الفلسطينية، ومنظمات المجتمع المدني، أن تتحرك دبلوماسيًا باتجاه الدول المانحة، وتضغط باتجاه الالتزام بالتمويل، وتحذر من مغبّة تحويل الأونروا إلى مجرد هيكل فارغ.

 الدفاع عن الأونروا هو الدفاع عن حق العودة

ما يحدث ليس مجرد تقليص ميزانية، بل محاولة لتصفية وكالة تمثل الشاهد السياسي الوحيد على نكبة شعب بأكمله.
الدفاع عن الأونروا اليوم هو دفاع عن الحق الفلسطيني في العودة، وهو مسؤولية وطنية لا تحتمل الحسابات الفصائلية الضيقة، ولا الخطابات الشعبوية. إن بقاء الأونروا، مع إصلاحها وتعزيز دورها، هو جزء لا يتجزأ من معركة الصمود والهوية، والردّ السياسي الوحيد على مشاريع التوطين والنسيان.