النهارالاخباريه- وكالات
تدرس الحكومة الجزائرية مراجعة التذبذب الحاصل في منظومة القوانين الضابطة لمناخ الاستثمارات في البلاد، في ظل المشاكل التي تعرقل قدوم أصحاب رؤوس الأموال من الخارج نحو الجزائر، وهو ما ضيع عدة فرص لإطلاق مشاريع جدية ومربحة تسهم في رفع نسبة نمو الاقتصاد الوطني والتخفيف من حدّة البطالة المتفشية أوساط الشباب.
وأطلع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، صحافيين في لقاء إعلامي بث مؤخراً على التلفزيون الحكومي، عن توجيهه تعليمات إلى الكوادر المعنية بقانون الاستثمار تقضي بضرورة استقرار التشريعات الخاصة بالاستثمار لمدّة لا تقل عن 10 سنوات، مضيفاً "لن أقبل أي تغيير، بخاصة إذا لم يكن في صالح المستثمر".
وتشمل التعليمات، تبسيط الإجراءات والتدابير الإدارية في مختلف النشاطات الاقتصادية، وجعلها أكثر مرونة، مع الذهاب نحو عصرنة الآليات وتحديثها وتطوير قدرات العنصر البشري.
وفي هذا الباب، أقر تبون أن قوانين الاستثمار في الجزائر لطالما كانت "سريعة التغير"، وهو ما خلق تخوفاً لدى المستثمرين. إذ على مدار السنوات الأخيرة، تعرضت الجزائر لعدة انتقادات من قبل مستثمرين محليين وأجانب يعتقدون أن الإصلاحات الاقتصادية المعلن عنها من طرف الحكومة لتحسين مناخ الأعمال، مجرد وعود لواقع معاكس تماماً تميزه ثلاثية عدم استقرار القوانين وغياب الشفافية وتفشي البيروقراطية.
خطوة مهمة لكنها غير كافية
ويقول مستثمرون إنّهم باتوا عاجزين عن التنبؤ بالقرارات الاقتصادية للحكومة نظراً لتغيرها أكثر من مرة في السنة، ما أدى إلى شُح تدفّق الاستثمارات في الجزائر الراجع أساساً إلى إجراءات تنظيمية وقانونية تمنع إقامة استثمارات، وهو ما حصل طيلة العقدين الماضيين اللذين حكم فيهما الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة (1999-2019).
في السياق، يذكر المحلل في الشؤون الاقتصادية، الدكتور ناصر سليمان، أنّ المستثمر الأجنبي لا يمكنه المغامرة بإقامة مشاريع في ظل مناخ يتسم بعدم استقرار القوانين والتنظيمات التي تتغير كل أربع أشهر، ومع كل تعديل حكومي يقوم الوزراء بطي كل الملفات التي تركها من سبقوهم إلى المنصب، والبدء من جديد.
ويصف ناصر سليمان في حديث مع "اندبندنت عربية"، التوجيه الرئاسي بـ "الخطوة المهمة غير الكافية"، موضحاً أن "الاستثمار هو منظومة متكاملة، وبالتالي فإنّ هذا القرار يجب أن يُتبع بإصلاحات مُرافقة تشمل القضاء على البيروقراطية القاتلة والاقتصاد الموازي (السوق غير النظامية) والتي تشكل أكثر من 40 في المئة من الاقتصاد الوطني، وفق ما تشير إليه تقارير غير رسمية".
ويضيف "المستثمر الأجنبي يبحث عن المنافسة الشريفة والشفافية في التعاملات والمشاريع، وبالتالي فإن الاقتصاد الموازي معرقل للاستثمار الجدي بحكم أنّ المشتغلين فيه لا يعملون في إطار قانوني ولا يدفعون الضرائب، وهو ما يجعل أرباحهم صافية". كما يشير المحلل الاقتصادي إلى ضرورة القضاء على السوق السوداء للعملة الصعبة التي يعتبر هامش الربح فيها عالياً مُقارنة بالبنك أثناء عمليات التحويل.
مناخ الاستثمار
من جانبه، يرى بن عزوز محمد، أستاذ باحث في المدرسة الوطنية العليا للإحصاء والاقتصاد التطبيقي في الجزائر، أن "المسألة ليست في القوانين بقدر ما هي في جوانب متعلقة بالتسيير ومناخ الاستثمار في بلدنا الذي لا يمنح فرصاً للمستثمرين محليين كانوا أم أجانب".
ويُعاتب سياسيون وخبراء في الاقتصاد، الحكومة الجزائرية على انغلاقها، وعدم توجهها المدروس نحو استراتيجية للتحرر من الريع البترولي، بالرغم من إعلانها في مناسبات عدة عزمها تنويع الاقتصادي الوطني منذ بداية الأزمة النفطية منتصف 2014.
وتحوز الجزائر على ثروات باطنية هائلة وإمكانيات بشرية، يُقول متابعون، إنه بالإمكان أن تضعها ضمن قائمة أكبر اقتصادات العالم، غيّر أن الواقع يشير إلى أن قطاع المحروقات لا يزال الضامن الأول لاستمرارية الدولة، إذ يُشكل عَصب الاقتصاد الوطني والمسيطر على 95 في المئة من الموارد المالية للبلاد.
واعترف الرئيس الجزائري، في إحدى المقابلات التلفزيونية، أن "إصلاح الاقتصاد المنهك، مهمة شاقة"، وأن التركة الاقتصادية التي ورثها عن سلفه ثقيلة.
وبرأي مراقبين، فإنّ سبب توجس الحكومة من الانفتاح على الاستثمارات الأجنبية يعُود بالأساس إلى الاعتقاد أن ذلك سيفقدها الحرية في اتخاذ القرار الاقتصادي، على اعتبار أن الدول الأجنبية تسعى دائماً للحصول على المزيد وبإمكانها التدخل في رسم القرارات السياسية واستخدام مشاريعها الاستثمارية كورقة ضغط كما هو حاصل في عدد من الدول.
وفي تقرير لجريدة "الشروق" اليومية، نقلاً عن مصادر في قطاع الصناعة الجزائرية، فإنّ الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار استقبلت 50 ملفاً لأجانب يرغبون في الاستثمار في البلاد، منها ثلاثة ملفات عامة، تفوق قيمة الاستثمار المقترح فيها 40 مليون دولار، والباقي استثمارات صغيرة، تمت دراستها في انتظار الرد عليها إما عقب صدور قانون الاستثمار الجديد المنظم لنشاط الاستثمار الأجنبي، أو من خلال عقد دورة أو اجتماع طارئ واستثنائي للمجلس الوطني للاستثمار الذي تم حله قبل أكثر من سنة.
ووفقاً للمصادر نفسها، فإن جنسيات هذه الاستثمارات تختلف، ومنها الفرنسية والإيطالية والإسبانية والبريطانية ونسبة كبيرة عربية، من سوريا والأردن ومصر، إضافة إلى الصين، وهي تضاف إلى طلبات استثمار رفقة شريك جزائري للحصول على تسهيلات في استيراد المعدات وغيرها.
وينتظر عرض قانون الاستثمار الجديد على الحكومة من قبل وزير الصناعة لرفع الفرامل عن الاستثمارات المجمّدة منذ أكثر من ثلاث سنوات، بالرغم من جاهزية النصوص التنظيمية منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2020، وفق جريدة "الشروق"