النهار الاخباريه - بيروت
بعد جدل استمر لأشهر عدة، باشرت السلطات اللبنانية تطبيق التسعيرة الجديدة لأسعار المحروقات بزيادة ما يقارب 40 في المئة على السعر السابق، وتم التوصل مع مصرف لبنان إلى معالجة مرحلية لمدة ثلاثة أشهر تقضي بالسماح للشركات المستوردة للنفط فتح اعتمادات الاستيراد على سعر مدعوم وفق منصة المصرف المحدد حالياً بـ3900 ليرة بدلاً من السعر الرسمي المحدد بـ1520 ليرة للدولار. ووفق الجدول الجديد للأسعار، بات سعر صفيحة البنزين 62 ألف ليرة، وصفيحة المازوت 46 ألف ليرة، على أن تُعدّل الأسعار أسبوعياً بما يلائم تغيرات الأسعار العالمية للنفط.
وبالرغم من أن الارتفاع يبقى رقماً مقبولاً لعدد كبير من الأسر، مقارنة بالزيادة الكبيرة في سعر صرف الليرة مقابل الدولار بالسوق الموازية، فإن ما سيترافق مع هذا الصعود من إضافات على أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية، ستكون وطأته كارثية على الشريحة الأكبر من اللبنانيين.
"الطابور" باقٍ
وتشير المعلومات إلى أنه وبالرغم من المعالجة المرحلية للشح الكبير الحاصل في تأمين مادتي البنزين والمازوت للسوق اللبنانية، إلا أن مشهد "الطابور" الذي عرفه المواطنون منذ أسابيع عدة مرشح للاستمرار بوتيرة متفاوتة خلال المرحلة المقبلة، كون المصرف المركزي لن يسمح بفتح اعتمادات عشوائية للشركات كما كان يحصل سابقاً، الأمر الذي استغله بعض التجار من أجل التهريب إلى سوريا.
ووفق المعلومات، فإن مصرف لبنان درس حاجة السوق المحلية لمادتي المازوت والبنزين وتبيّن أنها تتراوح بين ثمانية إلى تسعة ملايين ليتر لكل من المادتين، بالتالي عملية تنظيم فتح الاعتمادات ستكون بمعدل ثلاث بواخر أسبوعياً، على أن تكون بالتناوب بين 13 شركة تعمل على الأراضي اللبنانية، باستثناء تلك التي يشملها قرار العقوبات الأميركية.
وتؤكد المعلومات أنه لو ضبطت السلطات الأمنية الحدود اللبنانية السورية واستطاعت منع التهريب، فإن حاجة السوق ستكون مؤمنة بشكل كامل سواء على مستوى تأمين البنزين، بالتالي اختفاء ظاهرة "الطابور"، أو تزويد أصحاب مولدات الكهرباء لتغطية العجز الحاصل من مؤسسة كهرباء لبنان، بالتالي اختفاء ظاهرة "تقنين" ساعات عمل المولدات التي استجدت أخيراً. إلا أن عدداً من التقارير الأمنية يؤكد استمرار التهريب وإن تراجعت وتيرته بالمقارنة مع السابق، الأمر الذي يرجح استمرار أزمتي "الطوابير" على الطرقات و"تقنين" المولدات الكهربائية.
ثلاثة أشهر
وتؤكد مصادر في وزارة الطاقة أن المعالجة الحالية تنتهي أواخر سبتمبر (أيلول) المقبل، وأن هناك نقاشاً حول الحلول الجذرية التي يجب أن تُعتمد سابقاً، بحيث إن التسوية التي حصلت مرتبطة بسلفة من المصرف المركزي، ومن الصعب تمديدها لأشهر إضافية، لافتة إلى أن اتجاه سعر النفط العالمي إلى ارتفاع، الأمر الذي يعجّل من تآكل السلفة المدعومة على سعر المنصة.
وتشير المصادر إلى أن أحد الاقتراحات الجدية المطروحة هو الاتجاه نحو تثبيت سعر صفيحة البنزين على سعر 12 دولاراً، أو ما يعادله على سعر المنصة المستحدثة من قبل مصرف لبنان التي تحدد سعر صرف الدولار حالياً بـ12200 ليرة. أما في ما يتعلق بسعر المازوت، فثمة اقتراحات عدة بينها اقتراح رفع سعر دعمه من 3900 إلى حدود 6 آلاف ليرة للدولار.
تهريب بـ11 مليار دولار
ويعتبر المحلل الاقتصادي جاسم عجاقة أن ما أوصل الأمور إلى هذا الحد من التقنين على استيراد النفط ورفع الدعم تدريجاً عنه هو عدم جدية السلطة بوقف التهريب على الحدود، الأمر الذي استنزف قدرات المصرف المركزي إلى حد وصوله للاحتياطي الإلزامي أي أموال المودعين.
وكشف عن أن حجم التهريب في الأعوام العشرة الماضية وصل إلى 11 مليار دولار، قائلاً إن "المعلومات المتوافرة على موقع الجمارك اللبنانية، التي تمتد من عام 2011 إلى عام 2020، تُشير إلى أن كمية استيراد البنزين تراوحت بين 1.615.220 طن عام 2011 و2.102.817 طن عام 2019. وهذه الكمية انخفضت إلى 1.664.810 طن عام 2020 بسبب الإقفال الناتج من جائحة كورونا".
وأوضح أن تحويل هذه الأرقام إلى صفائح بنزين وقسمتها بعدد السيارات تُوصل إلى نتيجة صادمة، بحيث إن حجم البنزين المُهرّب خلال عشرة أعوام يتراوح بين 10 و11 مليار دولار ممولة من الدولارات الموجودة في مصرف لبنان، لافتاً إلى أن هذه الأرباح ذهبت لجيوب التجار والمهرّبين وأصحاب النفوذ الذين غطّوا عمليات التهريب.
وشرح عجاقة أن الاتفاق الذي حصل بين السلطة السياسية وحاكم مصرف لبنان يقضي بأن تقترض الدولة حوالى 600 مليون دولار من أموال المودعين لتغطية كلفة الاستيراد، متوقعة أن تُعيدها من عائدات الموسم السياحي الذي قدّرته الحكومة ما بين 1 و2 مليار دولار.
أما عن سبب احتساب الدولار على الـ3900 ليرة لبنانية بدل السعر الرسمي 1515 ليرة لبنانية، فرأى أنها "تُخفّض الكلفة على الليرة من ناحية أنها ستسمح بتفادي طبع 1.3 تريليون ليرة وهو ما يدعم العملة الوطنية التي تنهار يوماً بعد يوم أمام جشع التجار والحسابات السياسية".
ارتفاع أسعار السلع
من ناحيته، أكد نقيب أصحاب السوبرماركت في لبنان نبيل فهد أن تمويل استيراد المحروقات على أساس سعر المنصة بدلاً من السعر الرسمي وارتفاع أسعار الوقود، سيؤديان إلى ارتفاع حتمي للسلع الغذائية بحوالى 25 إلى 30 في المئة، نظراً إلى ارتباط جدول أسعار السلع بكلفة المازوت الذي يتجاوز قضية النقل، موضحاً أن ارتفاع أسعار المازوت ينعكس على كلفة التبريد والتصنيع وتوليد الكهرباء.
من جهته، انتقد رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو، سياسة الدعم التي اعتبرها عملية تمويل لـ"كارتيلات" الاستيراد والتجار المحسوبين على أحزاب السلطة، تحت شعار دعم الفقير والمحتاج، إذ تجاوزت كلفتها الثمانية مليارات دولار من مصرف لبنان جرى تقسيمها وفق المحاصصة والمحسوبيات القائمة في لبنان. وحمّل هذه السياسة مسؤولية نفاد الأموال في المصرف، الأمر الذي أدى إلى رفع أسعار المحروقات، بالتالي انعكاسها على القدرة الشرائية للمواطن.
وكشف برو عن أن "نسبة 50 في المئة من المستهلكين قلّصت استهلاكها من مواد متعددة، وقللت من أعداد السلع المختارة، لا سيما من اللحوم والألبان والأجبان والخضار"، مضيفاً أن أقل من خمسة في المئة من اللبنانيين فقط ما زالوا يأكلون بشكل طبيعي كما كانوا يفعلون قبل الأزمة".
سيارات الأجرة أيضاً
وفي السياق، أكد الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين أن خفض الدعم على استيراد المحروقات إلى 3900 ليرة سينعكس ارتفاعاً في أسعار السلع والخدمات على السواء، لأن هذه الخطوة ستزيد من تكاليف النقل.
ولفت إلى أنه في حال لم يُدعم قطاع النقل العمومي، فإن تسعيرة سيارات الأجرة سترتفع إلى ستة آلاف ليرة متأثرة بارتفاع أسعار المحروقات، كما أن صعود كلفة النقل، سيزيد أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية بحدود الـ5 في المئة بحسب نوع الصناعة ومنطقة التصنيع. أضف إلى ذلك أن انقطاع الكهرباء يضطر الصناعيين إلى تشغيل المولدات لساعات أكثر، بالتالي باتوا يحتاجون إلى كمية محروقات أكثر.
رحيل السلطة
يأتي ذلك فيما تستمر عمليات الكر والفر بين القوى الأمنية ومتظاهرين يعمدون إلى قطع عدد من الطرقات في العاصمة بيروت، وفي شمال البلاد وجنوبها وشرقها، احتجاجاً على تردّي الأوضاع المعيشية، منددين بالطبقة السياسية الحاكمة ومطالبين برحيلها ومعبّرين عن استيائهم من عدم قدرة المواطن على شراء حاجاته اليومية من الدواء والحليب ومعاناة الإذلال أمام محطات الوقود.
في المقابل، لا يزال أصحاب المولدات الكهربائية يشتكون من عدم القدرة على تلبية حاجة مشتركيهم بسبب زيادة ساعات التقنين وشح مادة المازوت. وقال نقيب أصحاب المولدات الخاصة عبدو سعادة، إنه ابتداء من الشهر المقبل، سيُرفع سعر اشتراك "خمسة أمبير" للمواطن إلى 500 ألف ليرة"، بسبب زيادة أسعار الوقود، محذراً من فشل المواطن في السداد، الأمر الذي ربما يوقف العمل في هذا القطاع.