لماذا تشهد أسعار السلع العالمية خطوات تصحيحية متواضعة؟
يواصل قطاع السلع العالمية التأرجح في نطاق محدد، ولم تشهد تداولات مؤشر "بلومبيرغ للسلع" أي تغيير يذكر للأسبوع الثالث على التوالي، وبعد ارتفاعه في أواخر فبراير (شباط) إلى أعلى مستوياته في ثلاث سنوات.
وفي أعقاب ارتفاع بنسبة 50 في المئة بناء على التفاؤل في شأن النمو والتوصل إلى لقاح مضاد لفيروس "كورونا"، شهد قطاع السلع خطوات تصحيح متواضعة عززت قوة الدولار وعائدات الخزانة الأميركية، فيما حد تمديد عمليات الإغلاق من تحقيق مزيد من الانتعاش، بحسب تقرير "ساكسو بنك" الدنماركي، البنك المتخصص في التداول والاستثمار في الأصول المتعددة عبر الإنترنت.
إلى ذلك، قال رئيس استراتيجية السلع لدى "ساكسو بنك"، أولي هانسن، إن قطاع الطاقة يشهد حالياً تأرجح أسعار خام برنت في نطاق محدد يتراوح بين 60 و65 دولاراً أميركياً، بعد رفض أي أسعار تتخطى 70 دولاراً للبرميل في شهر مارس (آذار) الماضي.
وأشار إلى أن صندوق النقد الدولي رفع الآمال بتحقق نمو اقتصادي عالمي أكثر قوة إلى ستة في المئة، مما يساعد حالياً في تعويض تأثيرات فيروس كورونا المستجد، فيما تستعد "أوبك+" لتعزيز الإمدادات خلال الأشهر المقبلة.
وأفاد هانسن بأن التدفقات المالية إلى السلع تباطأت مع توجه صناديق التحوط إلى البيع خلال الأسابيع الخمسة الماضية. وخلال هذه الفترة، تم خفض الصافي القياسي لعقود الشراء المجمعة في 24 عقداً رئيساً آجلاً للسلع الأساسية بنسبة 18 في المئة، لتتأثر جميع القطاعات، ويضرب القسم الأكبر من الخفض قطاع المعادن، لا سيما النحاس عالي الجودة.
قيود الإمدادات
وشهدت أسعار المعادن الصناعية خلال العام الماضي، وفي مقدمها النحاس، ارتفاعاً بنسبة تخطت 40 في المئة، ووصلت إلى نطاق محدد في ما يخص الحد من قيود الإمدادات، إذ ارتفعت مخزونات النحاس الخاضعة لمراقبة البورصة في شنغهاي ولندن، فضلاً عن المخاوف من تأثير ارتفاع الأسعار في المصانع الصينية على توقف ثاني أكبر الاقتصادات في العالم، وتشديد شروطها للسياسة النقدية.
وأظهر تقرير "ساكسو بنك"، أن مؤشر أسعار المنتجين في الصين، والذي يقيس كُلف السلع عند بوابة المصنع، تخطى توقعات المحللين وارتفع بنسبة 4.4 في المئة في مارس، وهي أسرع وتيرة سنوية منذ يوليو (تموز) 2018.
المسبب الرئيس
وتابع، "يعتبر ارتفاع أسعار السلع الأساسية المسبب الرئيس لمعظم حالات الارتفاع القوي، وسنختبر مزيداً من هذا التوجه خلال الأشهر المقبلة، فيما سيواصل النفط الخام فرض ضغوطات نحو الارتفاع، من دون أن يقتصر ذلك على مؤشر أسعار المنتجين في الصين، وإنما التضخم العالمي عموماً، وسيظهر التأثير السنوي لارتفاع الأسعار خلال العام الماضي حتى يناير (كانون الثاني) المقبل على أقل تقدير.
وأورد التقرير أنه على الرغم من الزخم الاقتصادي المتزايد، أثارت هذه التطورات مخاوف من توجه البنك المركزي في الصين نحو تشديد سياسته النقدية، مما سيحد تدفق الأموال إلى الأسواق المالية.
ضربة قوية
وأوضح التقرير أن ثقة المستثمرين في المعادن الثمينة تلقت ضربة قوية خلال الربع الأول من العام، وكان أداء الذهب والفضة الأسوأ بين السلع الأساسية، وبلغت خسائر الذهب نحو عشرة في المئة، بينما حققت الفضة أداء أفضل نسبياً لارتباطها بالمعادن الصناعية الأفضل من حيث الأداء. ومع ذلك، اتضح عجز المعادن عن الدفاع أمام ارتفاع عائدات السندات وقوة الدولار الأميركي.
ويرى التقرير أنه نظراً لحساسية الذهب الشديدة من بين جميع السلع الأساسية لأسعار الفائدة وقوة الدولار، لم يكن ضعف المعدن الأصفر مفاجئاً بسبب ارتفاع الدولار وعائدات السندات، وسط الانتعاش الأقوى من التوقعات للنمو العالمي، لا سيما في الولايات المتحدة.
الدعم مرتين
وذكر "ساكسو بنك" أنه بعد انخفاض الذهب بنسبة 20 في المئة عن ذروته في أغسطس (آب)، عثر على الدعم مرتين في الشهر الماضي في منطقة مهمة جداً أقل من 1680 دولاراً أميركياً للأونصة.
وخلال الأسبوع الماضي، تمكن المعدن الأصفر مدعوماً بميل الاحتياط الفيدرالي الأميركي إلى التهدئة من الانتعاش نحو أعلى مستوياته في خمسة أسابيع، ليتحدى منطقة مقاومة مهمة أخرى عند 1765 دولاراً للأونصة.
وفي تعليقاته، قلل رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، جيروم باول، من خطورة انفلات التضخم عن السيطرة، إذ سيتعرض الذهب لمزيد من الخسائر إذا وافقت السوق على رؤيته، واستأنفت عائدات الخزانة ارتفاعها مع زيادة النمو، بدلاً من التوقعات بارتفاع التضخم.
الأموال الساخنة
وأفاد التقرير بأنه عند مراعاة انتهاء دور معظم ما يعرف بالأموال الساخنة أو قصيرة الأجل، نرى حالياً خطورة انحراف رئيس للحركة نحو الاتجاه الصعودي. وتوضح البيانات مدى التراجع الحالي لمستويات الملكية في السوق. كما انخفض الاهتمام المفتوح بعقود الذهب الآجلة في "كومكس" بنسبة 25 في المئة من أعلى مستوياتها في يوليو (تموز) 2020، فيما تقلصت المضاربة التي يحتفظ بها مديرو الأموال منذ فترة طويلة بنسبة 82 في المئة عن ذروتها قبل عام.
وقال إن إجمالي الحيازات في الصناديق المتداولة في البورصة شهدت انخفاضاً مستمراً منذ يناير الماضي، إذ تراجع الإجمالي بنسبة عشرة في المئة عن الرقم القياسي البالغ 3459 طناً في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
الرابح الأكبر
وتوقع التقرير أنه إذا تمكن الذهب من الارتفاع فستكون الفضة هي الرابح الأكبر، إذ يتم تداولها حالياً بسعر رخيص نسبياً أمام الذهب، فيما ارتفعت نسبة أسعار أونصة الذهب مقابل الفضة إلى أعلى مستوياتها في شهرين ونصف الشهر.
أسعار الأغذية
ورصد التقرير الارتفاع المستمر لتضخم أسعار المواد الغذائية، بعد أن نشرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة تقريرها في مارس حول مؤشر أسعار الغذاء العالمية، الذي يتكون من 95 عرض أسعار من خمس مجموعات سلعية مختلفة، وقد ارتفع للشهر العاشر على التوالي نحو أعلى مستوياته منذ يونيو (حزيران) 2014، وبارتفاع سنوي 25 في المئة تقريباً.
وباستثناء اللحوم، تُظهر جميع القطاعات زيادات سنوية قوية في الأسعار، وفي مقدمها الزيوت النباتية مثل النخيل وفول الصويا وبذور اللفت بنسبة 86 في المئة، يليها السكر (30 في المئة) والحبوب (26.5 في المئة). وتتكون المجموعة الأخيرة من القمح والرز، وشهدت لحسن الحظ زيادات طفيفة نسبياً مما قلص أخطار انعدام الأمن الغذائي.
وتشهد العقود الآجلة للذرة وفول الصويا في الولايات المتحدة الأميركية تداولات قريبة من أعلى مستوياتها منذ سنوات عدة، بعد صدور تقرير الزراعة المستقبلية الذي شكل صدمة من حيث المساحة المخصصة للمحصولين، والتي كانت أقل من المستويات المتوقعة.
وفي سياق متصل، يحاول القمح النهوض من ركوده الأخير بنسبة 14 في المئة، مدعوماً بالطقس الجاف في عدد من مناطق زراعة القمح الربيعي. ومع ذلك، يرجح أن تستقطب الذرة القدر الأكبر من الاهتمام على المدى القريب، إذ تواصل قوة الطلب على الصادرات دورها في خفض حجم المخزونات المحلية، ورفع الأسعار نحو أعلى مستوياتها في ثماني سنوات.
وبينما شهدت الأسابيع الأخيرة تصفية للعمليات الشرائية لكل من فول الصويا والقمح، وصلت عقود شراء الذرة إلى أعلى مستوياتها منذ عشر سنوات عند 396 ألف لوت. وبشكل عام، وفي الآونة الأخيرة، شهد صافي عقود الشراء المجمعة لفول الصويا والحبوب، والذي يبلغ حالياً 684 ألف لوت، أكبر انخفاض في أسبوع واحد منذ مايو (أيار) الماضي، وتمثل الذرة الآن نسبة 58 في المئة من الصافي الإجمالي لعقود الشراء.