الجمعة 22 تشرين الثاني 2024

رفع قيمة الأجور في سوريا لامتصاص الغضب إزاء لهيب الأسعار


النهار الاخباريه – دمشق 
الفريق الحكومي يبحث عن ملاذ آمن يؤمن عبره حاجات خزانته المنهكة جراء عوامل الحصار والحرب
للمرة الثانية خلال عام، انتهك "غول" الأسعار الخط الأحمر لـ "رغيف الخبز" بزيادة وصلت إلى مئة في المئة، مصحوباً بقرار رفع سعر مادة المازوت ليتجاوز حدود الـ170 في المئة، أعقبه تخبّط لا يزال يعيشه السوريون منذ مساء يوم السبت 10 يوليو (تموز) الحالي.
القرار المسائي للحكومة أتى تحت جنح الليل، كما درجت العادة، بإصدارها قرارات شبيهة تخص رفع الأسعار، لكن ما خفف من وطأته إلى حد ما، قرار مناقض صبيحة اليوم التالي يقضي برفع قيمة الأجور والرواتب للعاملين في القطاع العام بنسبة 50 في المئة.
خارج الدعم
ولطالما حدّت دمشق عبر عقود، المساس برغيف الفقراء وقوتهم بعد ثورة الثامن من مارس (آذار) عام 1963، وبات مدعاة للتفاخر كونه مادة مدرجة ضمن قائمة تطول لمواد غذائية مدعومة من الحكومة، إلا أن تداعيات النزاع الدامي عام 2011 خلال عقد من الزمن، أخرج بعض المواد من القائمة التي أخذت تتقلص إلى أدنى مستوياتها.
ولا غضاضة لدى الفريق الحكومي من جدوى البحث عن ملاذٍ آمن يؤمن عبره حاجات خزانته المنهكة جراء عوامل الحصار والحرب، مبرّراً رفعه الجزئي لدعم مادة الخبز، وهي الوجبة الأساسية الأرخص سعراً في البلاد.
وكان ارتفع سعر الخبز، الذي دخل حيز التقنين أساساً، من 100 إلى 200 ليرة للربطة الواحدة (7 أرغفة)، وكذلك مادة المازوت من 180 إلى 500 ليرة أي بين (20 ـ 25 سنتاً) بحسب سعر الصرف غير الرسمي، وسبقه قبل أيام ارتفاع في سعر بنزين الأوكتان ثلاثة آلاف ليرة (أي ما يعادل دولاراً واحداً).
سباق الأسعار نحو الجحيم
ومن المعروف أن دخل الفرد في الداخل السوري لا يتجاوز بأحسن أحواله 150 ألف ليرة، ما يعادل 50 دولاراً فقط، شهرياً، في القطاع الحكومي، بينما تكاليف المعيشة ترتفع يوماً بعد يوم إلى نسب لا طاقة للسوريين على مجاراتها.
ويعتقد الأكاديمي والباحث الاقتصادي في شؤون إدارة الأعمال علي الشيخ أن أكثر ما خيّب أمل الناس والشارع عموماً ليس رفع سعر المواد المدعومة الأخيرة فحسب، التي سبقها رفع سعر مادتي الرز والسكر الداخلتين ضمن المواد المُقننة، بل هي نسبة زيادة الرواتب والأجور، بعد تفاؤل أن تكون النسبة المتوقعة أكبر بكثير مما هي (50 في المئة)، باعتبار أنها لا تجاري بحسب رأيه، هذا الارتفاع الكبير في أسعار السلع والمنتجات.
الأسعار المضاعفة انعكست سلباً على كل شيء حتى المواصلات والنقل، "الواقع يحتاج إلى زيادة تقترب من 300 ألف ليرة أي 100 دولار كأجور للعاملين في أقل التقديرات، ليعيش الفرد الواحد بمستوى مقبول بالحد الأدنى
مقابل ذلك، رأت الدراسات الاقتصادية أن الارتفاع الكبير في أسعار المنتجات الذي شهده الربع الأخير من عام 2020، ما زالت الأسواق تعيش تداعياته إلى اليوم.
الانهيار غير المسبوق لعملة البلاد (تخطت الليرة حاجز الأربعة آلاف مقابل الدولار الواحد)، عاد ليشهد تحسناً طفيفاً نحو 3200 اليوم بحسب الصرف غير الرسمي، المتداول، لذا من الضروري حصول العائلة على ما يتراوح بين 700 إلى 800 ألف ليرة لأسرة مكونة من خمسة أشخاص في حدها الوسطي، أي ما يعادل 300 دولار شهرياً.
في غضون ذلك، يتسع التضخم في البلاد وبلغت نسبته بين 300  و400 في المئة، ويلفت الباحث الشيخ النظر إلى انخفاض قيمة الليرة خلال هذا العام، وعوامل ساعدت على ذلك منها كورونا، وضعف الإنتاج  والصعوبات الجمة من الاستيراد بسبب العقوبات، ما "دفع الكثير من التجار والصناعيين إلى رفع أسعارهم لنسبة عالية، يتكبدها المستهلكون بالنهاية".
تحسن الإنتاج
ويعزو مدير عام المخابز في سوريا زياد هزاع، الزيادة السابقة إلى قيمة مضافة تتجه نحو تحسين الإنتاج، ولعله لمّح في هذه الزيادة الثانية إلى وجود هدر، ملوحاً بضرورة ملاحقة المخالفين، وقال "هناك من يعمل على شراء كميات كبيرة من الخبز لتحويله إلى علف للحيوانات، والتخفيف من هدر المازوت لصالح تحسين الإنتاج".
وكانت أسعار الأعلاف ارتفعت إلى نسب مضاعفة، واستغل كثيرون هذه الحالة لشراء الخبز قبل أن يوضع ضمن المواد المقننة، 3 أرغفة للفرد الواحد يومياً، ما دفع وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك طلال برازي، إلى إقرار آلية ستطبق في الأشهر المقبلة لضبط عملية التوزيع بهدف إيصاله إلى مستحقيه.
مكافحة الغلاء
في المقابل، يعتبر مراقبون أن زيادة سعر البنزين والمازوت من أكثر الأمور المقلقة، وإن لم تتابع السلطات المختصة برقابة الأسواق دورها في مكافحة الغلاء، لن يستطيع المواطن العيش بيسر، وقال أحدهم "الراتب لا يكفي لأيام ولولا التحويلات التي يرسلها ولدي من خارج البلاد لكانت الأمور في أسوأ أحوالها".
كل هذا الارتفاع في أسعار المحروقات يأتي كمن يصبُّ الزيت على النار، وفق ما يراه الشارع السوري المرهق، الذي ما إن خرج في الآونة الأخيرة من حرب أهلية قاسية ليلتقط أنفاسه، حتى أطلّ عليه الحصار من نافذة العقوبات الأوروبية والأميركية والتقنين والغلاء الفاحش.
والطامة الكبرى سدّ طريق النجاة الوحيد، لبنان، الذي مثّل المتنفس الاقتصادي الوحيد، إضافة إلى الإغلاق التام الذي دام أكثر من عام بسبب الجائحة العالمية.
النفط في مهب الريح
واقع الحال اليوم يمثل للسوريين صورة سوداء تلفح حياتهم، مع ما يعتريهم من ضنك العيش، لا سيما أولئك العائدين إلى إعادة إعمار بيوتهم المدمرة، علاوة عن نفاد الوقود، وجفاف أتى على موسم القمح بعد ما عوّلوا عليه كثيراً، وهم بحاجة لمليون طن، وعد الحليف الروسي بإمدادهم به.
وكذلك خروج آبار النفط شمال شرقي البلاد عن السيطرة لصالح قوات سوريا الديمقراطية (قسد) من دون مشاركة النظام بالبترول المستخرج. في المقابل، تلوح بارقة أمل باكتشاف روسي لبئرين في محافظة حمص وسط البلاد، كشف عنه مصدر روسي على هامش معرض للبترول في دمشق.
وحتى استخراج الذهب الأسود من جوف الأرض، يعيش سوريو الداخل أيامهم مع أسواق تلتهب بنيران الأسعار الكاوية لجيوبهم، ومعها كشفت منظمات دولية عن وصول سوريا إلى مستويات خطيرة من الجوع احتلت فيها المرتبة الأولى بنسبة 60 في المئة عام 2020، بحسب منظمة "أوكسفام".
مع ذلك، يذهب فريق من الاقتصاديين إلى رؤية أكثر إيجاباً لإخراج الدعم الحكومي لأبرز المواد الغذائية، وتوزيعها على الشعب المحتاج، وبذلك يمكن التقليل من نسبة الفساد والهدر، ومن جانب ثانٍ يصل هذا الدعم إلى مستحقيه في نهاية المطاف.