الأحد 24 تشرين الثاني 2024

دولار مشبوه".. هذا ما يحصل في السوق الموازية

دولار مشبوه".. هذا ما يحصل في السوق الموازية
النهار الاخباريه  بيروت
مع نيل حكومة "معاً للانقاذ" ثقة المجلس النيابي، تتجه الأنظار إلى خطة التعافي الاقتصادي التي انطلق البحث الجدي فيها لتطبيقها، خصوصاً أن اجتماعات عديدة قد انطلقت لهذا الشأن.

وواقعياً، فإنّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي يغادر إلى فرنسا، اليوم الخميس، مصرّ على المضي بالاصلاحات المطلوبة خصوصاً إن المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لمساعدة لبنان تتطلب ذلك بشكل محسوم.
وهنا، تعوّل المصادر السياسية المتابعة للحراك الحكومي على المحادثات التي سيجريها ميقاتي مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الجمعة، باعتبار أنها ستفتحُ الباب أمام خارطة طريق واضحة للمساعدات والقروض التي سيتلقاها لبنان، لا سيما أن هناك سلسلة من الضغوط الدولية لإتمام ذلك وإن كانَ الأمر مرهوناً بشروط عديدة.
وفي زحمةِ الحراك الحكومي، تتجه أنظار المواطنين إلى "بورصة الدولار"، إذ أن الترقب بهذا الشأن هو سيد الموقف. واليوم، فإنّ العملة الخضراء تشهدُ استقراراً نسبياً عند سعر يتراوح بين 14500 و15500 ليرة، ومصير هذا الرقم صعوداً أو هبوطاً مرتبط بالاجراءات المالية والاقتصادية التي سيجري اتخاذها في وقتٍ لاحق.

دولار مختوم" مشبوه

وحالياً، فإن دولار السوق الموازية (السوق السوداء) هو الذي يتحكّم بالمشهد المالي في لبنان، حتى أن منصة المصرف المركزي الخاصة بالدولار باتت محكومة بسعر تلك السوق، كما أن آلية رفع الدعم باتت مرتبطة به. وعملياً، يرى المراقبون أنّ انخفاض سعر الدولار في السوق الموازية جاء لتمرير إزالة الدعم تماماً عن المحروقات، إذ سيكون سعر صفيحة البنزين موازياً بشكل أو بآخر لسعر السوق، علماً أن التسعيرة قد تشهد ارتفاعاً مع أي صعود للدولار.

وفي ظل هذه المشهدية، برز حديثٌ عن إمكانية دخول "الدولار المختوم" إلى السوق اللبنانية لأداء دور معين. وفي هذا الاطار، يقول الخبير الاقتصادي محمد الشامي لـ"لبنان24" أنّ "مصدر هذا الدولار ينحصر في الأطر التالية: إما عن طريق تجار العملات أو عبر الشركات المرخصة لاستيراد الأموال أو عن طريق المصارف التجارية التي تملك فروعاً في الخارج، أو عن طريق المصارف المركزية".

ويوضح الشامي أنه "التوقعات تقول أنه تم استخدام هذا الدولار، وأغلب المعطيات الحالية تشير إلى أنه جرى تمريره للتلاعب بسعر الصرف تدريجياً ودفعه إلى الهبوط، والهدف من وراء ذلك هو لتمرير رفع عن المحروقات".

وأضاف: "إذاً من خلال الدولار المختوم، جرى الضغط من أجل رفع الدعم، ومن الممكن أن يكون قد توفر في السوق عبر تجار الأموال أو المصارف التي يلبي معظمها إرادة الكارتيلات السياسية".

وقال: "ما يراه المراقبون هو أنه من الممكن أن يكون جرى ضخ هذا الدولار في السوق الموازية عندما كان سعر الصرف 16 ألف ليرة، ما ساهم بالانخفاض التدريجي لسعر العملة الخضراء حتى وصلنا إلى مستوى دولار الـ12 ألف ليرة. ولاحقاً، ما يتبين هو أنه بدأت عملية سحب هذا الدولار على سعر رخيص، وقد تبع ذلك تسجيل ارتفاع تدريجي للعملة الصعبة. ولهذا، يمكن الاعتبار أن صعود الدولار بشكل متتابع قد يكون اقترن تماماً بعملية جمع الدولار المختوم من السوق والذي لعب دوراً لفترة وجيزة فقط".

وقال: "قد يكون ذلك وسيلة من الوسائل لتنفيس سعر الصرف من أجل تمرير قرار معين مثل قرار رفع الدعم؛ ويعد هذا الأمر واحداً من الوسائل ومن خلاله يمكن دفع الناس لبيع دولاراتها وشراء الليرة عندما ترى أن الدولار ينخفض".

التحكم بسعر صرف الدولار .. هل يمكن أن يتحقق؟

وبشكل مباشر، فإنّ ما يتحكم بسعر صرف الدولار في السوق الموازية هو كمية العملة النقدية الوطنية المتداولة، أي حجم الليرة اللبنانية الموضوعة في التداول. وهنا، يقول الخبير الاقتصادي باتريك مارديني لـ
إن "كمية الليرة في لبنان يرتبط بعوامل عديدة أبرزها عجز الموازنة والثقة"، ويضيف: "كما هو معروف فإن نفقات الدولة أكبر من إيراداتها، وهي تضطر للطلب من المصارف طباعة الليرة لتمويل الفرق، الأمر الذي يزيد من حجم الليرة في التداول، ما يعني أنه أصبح لدى الناس السيولة لشراء الدولار".

ويعتبر مارديني أن "معالجة العجز يمكن أن يضبط سعر الصرف في السوق الموازية"، مشيراً إلى أنّ "القطاع العام بشقيه مصرف لبنان والحكومة، عمد إلى استدانة الأموال من المصارف ويقوم بتسديدها بالليرة وليس بالدولار، وذلك عن طريق طباعة العملة الوطنية. ولهذا، فإنّ تسديد الدين العام أو دين القطاع العام من خلال طباعة الليرة سيساهم في الضغط على سعر الصرف بشكل كبير".

وإضافة إلى ذلك، فقد اعتبر مارديني أنّ "الثقة عامل أساسي في التحكم بسعر الصرف في السوق"، موضحاً أن "هذا العامل تحسن كثيراً مع تشكيل الحكومة، بمعنى أن الناس لا تتجه لتحويل الليرة إلى دولار خصوصاً مع انخفاض سعر الأخير".
بدوره، يرى الشامي أن "لجم السوق الموازية يحتاج إلى تحركات اجرائية للحكومة، وذلك من خلال اتخاذ إجراءات أمنية مثل تسطير محاضر ضبط للصيارفة المخالفين"، ويقول: "يجب حصر عمليات التداول بسوق الصيرفة المرخص خصوصاً أننا نشهد على بروز سوق علني وواضح لأشخاص يبيعون ويشترون الدولار من دون أي رخص".

وأضاف: "من أجل ضبط سعر الصرف في السوق الموازية، يجب تعديل المعاملات بين المصارف والصرافين، ويجب أن تصبحَ هناك قوننة لأطر التعامل بين الطرفين، وهذا الأمر يساهم في ضبط التلاعب".

كمية الليرة.. هل هي مضبوطة؟

وخلال الفترة الماضية، قال حاكم مصرف لبنان إن كمية الليرة الموجودة في السوق مدروسة، وهذا الكلام يتوافق عليه مجمل الخبراء.

وهنا، يقول مارديني إن "قيام مصرف لبنان بضبط كمية الليرة الموضوعة في التداول من خلال وضع سقوف للسحوبات بالليرة من المصارف، يساهم على المدى القصير في لجم السوق الموازية، إلا أن هذا الأمر له أبعاد سيئة فيما بعد".

بدوره، يقول الشامي إن "الليرة التي يضخها المصرف المركزي مضبوطة إلى حد ما، خصوصاً أنه لم يصدر خلال الفترة الأخيرة أي طلب من مصرف لبنان لطباعة الليرة، وهذا مؤشر إيجابي".

هل يمكن للمصرف المركزي الاستفادة من لعبة الدولار؟

بدوره، يقول مارديني: "إذا كان الدولار ينخفض في السوق، يمكن للمصرف المركزي أن يستفيد من شرائه لتزويد السوق بالليرة وذلك من أجل تكوين الاحتياطي لديه".
من جهته، يقول الشامي إنه "في النظام المصرفي اللبناني، ليس لدى مصرف لبنان أي سلطة إجرائية للتدخل في السوق الموازية، إذ أنه لا يمكنه التدخل مباشر لشراء وضخ العملات إلا عن طريق الصيارفة المرخصين"، وأضاف: "لقد شهدنا على جزء من هذه التعاملات التي أثرت إيجاباً بشكل مرحلي من خلال ضبط عملية بيع الصرافين للدولار".

ومع هذا، يرى الشامي أن التدخل يحتاج إلى مؤونة كاملة من الدولارات لدى المصرف المركزي، وهذا الأمر الذي لا يكون متوفراً في الوقت الحالي.

وفعلياً، فإن انخراط الصرافين المرخصين في لعبة السوق الموازية قد يكون مؤشراً على قدرة مصرف لبنان في شراء الدولارات منهم وبيعهم الليرة، وهذا الأمر قد يساهم إلى حد كبير في التحكم باللعبة القائمة. كذلك، فإن بروز شبكات صرافين مرتبطة ببعضها البعض يمكن أن يؤدي إلى عملية تنسيق هدفها سحب الدولار من السوق والتلاعب بسعره بأي وقت.

هل سيُوحّد سعر الصرف؟

من وجهة نظر مارديني، فإنّ سعر الصرف توحد بين منصة المصرف المركزي والسوق الموازية، إذ أن السعر حالياً يقارب الـ15 ألف ليرة.
ومع هذا، يرى مارديني أن هناك مشكلة بالدولار المقيد في المصارف، مشيراً إلى أن "سعره لا يمكن أن يقارب سعر السّوق إلا بعد إعادة هيكلة أو إصلاح في القطاع المصرفي"، وقال: "كلما كانت الأزمة مستمرة، كلما سيبقى الدولار مقيداً. ولهذا، فإن سعر السوق لن يتوحد إلا بعد معالجة الأزمات المصرفية بشكل كامل".

بدوره، يقول الشامي أن "عملية توحيد سعر الصرف ستكون المسار الأكثر صعوبة"، موضحاً أنه "يصعب الوصول إلى سعر صرف موحد خلال فترة وجيزة"، وأضاف: "قبل توحيد سعر الصرف يجب تحديد الخسائر والأموال المطلوبة للنهوض، ومن الممكن أن نصل إلى سعرين للصرف: الأول للدولة والثاني لعامة الناس".

وأردف: "إن عملية تحرير سعر العملة صعب جداً في حالة لبنان لأنه بلد مستورد، وترك المجال لهذا الأمر سيؤدي إلى زيادة التلاعب بشكل كبير، وهنا سيدخل الدولار السياسي على خط اللعبة".

وفي ظل كل ذلك، فإنّ عملية توحيد سعر الصرف يجب أن ترتبط برزمة الاصلاحات الكاملة مثل اطلاق خطة التعافي واعادة هيكلة المصارف ومعالجة القطاعات الأخرى التي تحتاج إلى مليارات مثل قطاع الكهرباء. ومع هذا، فإن توحيد سعر الصرف يتعلق أساساً بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي، ولكن الأكيد هو تعدّد الأسعار هو دليل على التشوهات في النظام المالي وهو الأمر الذي يحتاج إلى إلى معالجة سريعة من الحكومة من أجل النهوض.