"أشارك في اجتماعات أوبك منذ 34 عاما ولم أشهد طوال هذه المدة طلبا كطلب الإمارات"..
هكذا جاء تصريح وزير الطاقة السعودي، الأمير "عبدالعزيز بن سلمان"، معبرا عن حجم الهوة التي ضربت العلاقة بين الرياض وأبوظبي على خلفية الخلاف حول مستوى إنتاج النفط بتجمع منظمة الدول المصدرة للبترول وحلفائها "أوبك+".
وتأجل الاجتماع الوزاري لدول التجمع الـ23، الإثنين الماضي، دون تحديد موعد، بسبب عدم التوصل إلى اتفاق حول تمديد خفض الإنتاج، على خلفية استمرار الخلاف بين السعودية والإمارات بشأنه.
وتواجه دول التجمع معادلة صعبة بين انتعاش فعلي للطلب، لكنه هش، وسط عودة مرتقبة للصادرات الإيرانية، وبين الأسعار المرتفعة الحالية، التي تثير استياء بعض كبار المستهلكين مثل الهند.
وتعهد "أوبك+" في أبريل/نيسان 2020، بسحب 9.7 مليون برميل في اليوم من السوق، عندما تراجعت أسعار الخام بحدّة على وقع الموجة الأولى من وباء كورونا، على أن تعاود ضخّها تدريجيا خلال الفترة الممتدة حتى نهاية أبريل/نيسان 2022، غير أن هذه المهلة تبدو الآن قصيرة جدا على ضوء الوتيرة الحالية لزيادة الإنتاج، حيث إن دول التحالف لا تزال تقتطع 5.8 مليون برميل في اليوم من إنتاجها، ما دفع إلى طرح تمديد الاتفاق المطبق حاليا حتى ديسمبر/كانون الأول 2022.
الإمارات توافقت، يوم الجمعة الماضي، مع السعودية وباقي أعضاء "أوبك+" على زيادة الإنتاج بنحو مليوني برميل يوميا اعتبارا من أغسطس/آب إلى ديسمبر/كانون الأول المقبلين، لكنها رفضت تمديد التخفيضات المتبقية حتى نهاية عام 2022 بدلا من نهاية أبريل/نيسان من العام نفسه.
وبينما تؤيّد السعودية وروسيا تمديد الاتفاق كما هو حتى ديسمبر/كانون الأول 2022، ترغب الإمارات في مناقشة زيادة في مستويات الإنتاج قبل الموافقة على التمديد إلى ما بعد أبريل/نيسان من العام ذاته.
وتصر الإمارات على رفع خط الإنتاج الأساسي بمقدار 0.6 مليون برميل يوميًا إلى 3.8 مليون برميل، باعتبار أن النسبة الحالية المحددة في أكتوبر/تشرين الأول 2018 لا تعكس طاقتها الإنتاجية الكاملة.
وإزاء هذا الواقع، جاءت حدة تصريحات وزير الطاقة السعودي معبرة عن سخونة في الكواليس، إذ قال إن "المطلوب من الإمارات هو تقديم القليل من العقلانية والتنازلات"، متسائلاً عن السبب في سكوت أبوظبي وعدم التعبير عن اعتراضاتها بشأن اتفاق تمديد إنتاج النفط خلال الفترة السابقة التي أعقبت اتفاق أوبك+ عام 2018.
حرب أسعار
وسبق أن شهد "أوبك+" تباينات عديدة بين أعضائه، أبرزها الخلاف الروسي – السعودي في اجتماع مارس/آذار 2020 على وقع تفاقم انتشار جائحة كورونا وما تركته من آثار سلبية غير مسبوقة على أسواق النفط والأسهم العالمية، ما اقتضى تدخل الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" لإيجاد تسوية بين موسكو والرياض.
وبالمثل، فإن "الذهاب إلى زيادة في إنتاج النفط داخل أوبك+ دون تنسيق مسبق قد يمهد لحرب أسعار واختلالات سوقية خطيرة"، حسبما يؤكد الكاتب الأردني "حازم عياد"، وفقا لما أوردته صحيفة "السبيل".
ومن شأن هكذا حرب أن تخل بخطط السعودية لتعويض خسائرها من تراجع أسعار النفط في الأعوام الماضية، إضافة إلى أزمة الطلب في ظل جائجة كورونا، ومواجهة الضغوط الاقتصادية التي باتت تواجهها، واضطرت إزاءها إلى الاستدانة عبر طرح سندات لسد عجز الموازنة.
ولما كانت المنافسة حامية بين المنتجين على السوق الصينية، التي تعافت بشكل كبير لدرجة تشير إلى إمكانية أن يبلغ النمو الصيني خلال الاشهر المقبلة 8% معوضا خسائره ليستقر نهاية العام عند 6% تقريبا، فإن تقديم العروض الجاذبة للصين لا يكون إلا من خلال خفض الأسعار؛ وهو ما لا يمكن حدوثه حال خرجت الإمارات عن اتفاق مستوى الإنتاج النفطي.
وإزاء ذلك، يمكن قراءة موقف الإمارات من اتفاق "أوبك+" في إطار الدفاع باتجاه زيادة إنتاجها على نحو "يخلق الفوضى" ويكسر التزام التكتل النفطي بسحب 9.7 مليون برميل يومياً من أسواق أصابتها جائحة كورونا بالركود.
وفي هذا الإطار، قالت "كارين يونج"، من معهد الشرق الأوسط، إن "عمالقة إنتاج الطاقة يستعدون للسنوات العشر القادمة معتمدين على عائدات التصدير"، وفقا لما أوردته صحيفة "فايننشال تايمز".
وهنا يلفت الخبير الاقتصادي "مصطفى عبدالسلام" إلى أن السعودية وروسيا كانتا في موقف واحد مقابل الموقف الإماراتي رغم الحرب النفطية الشرسة التي خاضها البلدان في شهر أبريل/نيسان 2020، وهو ما أدى وقتها إلى انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية وتهاوي سعر البراميل لنحو 20 دولاراً، وفقا لما أورده موقع "العربي الجديد".
ويشير "عبدالسلام"، في هذا الصدد، إلى جذور اقتصادية أخرى للخلاف السعودي الإماراتي، ظهرت قبل شهور، إذ أعلن وزير المالية السعودي "محمد الجدعان" إنه اعتباراً من العام 2024، ستتوقف الحكومة عن منح عقود حكومية لأي شركة أو مؤسسة تجارية أجنبية لها مقر إقليمي بمنطقة الشرق الأوسط في أي دولة أخرى غير المملكة، وهو ما أغضب الإماراتيين الذين اعتبروه محاولة من جانب الرياض لانتزاع الريادة المالية من الإمارات، خاصة من إمارة دبي.
وإضافة إلى ذلك، فإن القرار السعودي باستبعاد أي بضاعة إسرائيلية أو ذات مكون إسرائيلي تصنع بالمناطق الحرة في دول الخليج من الامتيازات الجمركية التفضيلية، لا يصب في صالح الإمارات، التي تعد المناطق الحرة من محركات اقتصادها الرئيسة، إذ تعمل بها شركات أجنبية بقواعد تنظيمية خفيفة تسمح للمستثمرين الأجانب بتملك الشركات بالكامل.
كما أن ولي العهد السعودي، الأمير "محمد بن سلمان"، أعلن خططا لتحويل السعودية إلى مركز عالمي للنقل والخدمات اللوجستية يربط بين القارات، ما يمثل منافسة مباشرة للإمارات، التي، تعد، بدعم من شركة "طيران الإمارات" و"موانئ دبي العالمية"، المركز الرئيسي للنقل والخدمات اللوجستية في المنطقة.
ويأتي توسع الأمير "محمد" في المنافسة على النقل والخدمات اللوجستية في أعقاب تحركات سابقة تشمل تحدي مكانة الإمارات كمقر إقليمي للأعمال الدولية، والإعلان عن خطط لتشغيل الموانئ الإقليمية ومحطات الحاويات، والتركيز على الرياضة كأداة للقوة الناعمة، من بين أمور أخرى عن طريق المزايدة على حقوق استضافة كأس العالم 2030، حسبما نقلت "أوراسيا ريفيو" عن الباحث في شؤون الشرق الأوسط "جيمس دورسي".
وفى هذا الصدد، قال "مروان البلوشي"، وهو باحث إماراتي مرشح لنيل الدكتورة من جامعة إدنبره: إنه "في حين شهد العقد الماضي توافقا استراتيجيا بين الإمارات والسعودية، فإن المنافسة الاقتصادية آخذة في التصاعد بين دول الخليج"، وفقا لما أوردته "فايننشال تايمز".
الانسحاب من "أوبك"
ويعني عدم التوصل لاتفاق بشأن زيادة محتملة في إنتاج النفط بعد نهاية يوليو/تموز الجاري، ترك أسواق الخام في حالة من عدم اليقين، وهو ما يجعل استمرار بقاء الإمارات ضمن تكتل "أوبك+" على المحك، بل ويجعل بقاء التكتل ذاته على المحك.
وترى "حليمة كروفت"، رئيسة استراتيجية السلع الأساسية العالمية في "آر.بي.سي كابيتال ماركت"، في مذكرة بحثية، أن "الصراع الإماراتي السعودي الحالي يبدو أنه أكبر من مجرد خلاف حول سياسية نفطية، حيث إن أبوظبي تبدو عازمة على الخروج من تحت ظل السعودية ورسم مسارها بنفسها في الشؤون العالمية".
هذا ما ألمح له الأكاديمي الإماراتي "عبدالخالق عبدالله"، المستشار السابق لولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد"، عبر تويتر، مغردا: "الإمارات عطلت ثلث إنتاجها النفطي خلال سنتين، من أجل وحدة أوبك، والتزمت باتفاق 2018، الذي لم يكن منصفا بحقها (..) اليوم تتحدث الإمارات مع أوبك من موقع القوة، وتطالب برفع إنتاجها بأكثر من 500 ألف برميل، ليتوافق مع قدراتها الإنتاجية (..) إذا لم يتحقق لها ذلك، لا تلوموها إذا قررت الانسحاب من أوبك".
وجاء تلميح "عبدالله" مواكبا لتسريب نقلته "فايننشال تايمز" عن من وصفتهم بأنهم "مطلعون على الأمر"، مفاده أن "الجدل يدور الآن في أبوظبي على أعلى مستوى في مؤسسة الطاقة الوطنية الإماراتية إذا ما كانت سيتم مغادرة أوبك".
ولذا علق "جون كيلدوف"، الشريك المؤسس في "أجين كابيتال"، على نبأ تأجيل اجتماع تحالف "أوبك+"، بأن "تماسك أوبك انتهى"، مضيفا: "تبدأ الإثارة الآن فيما يتعلق بمن سينفصل عن أوبك، والإمارات قد تكون أول قطعة دومينو تسقط".
ويشير محللون في مجال الطاقة إلى أن خروج الإمارات من أوبك قد يؤدي إلى "إنتاج مجاني للجميع" في التكتل النفطي، وهو ما من شأنه أن يقوض هدف وجوده. فهل تتحقق توقعاتهم؟ مصير اجتماع "أوبك+" المقبل يحسم الإجابة، وسط مؤشرات على أن تنازلا إماراتيا ليس باديا في الأفق، وإن تحقق فسيكون "جزئيا" على الأرجح.