قد يشير الانسحاب الأمريكي من أفغانستان الى تزايد نشاط المنظمات الإرهابية هناك الى جانب حركة طالبان
مع مضي الانسحاب العسكري الأمريكي من أفغانستان قدمًا، يُحتمل أن تستولي حركة "طالبان" على جزء كبير من أفغانستان. وسيؤدي نقص الدعم الجوي الأمريكي للجيش الأفغاني، وغياب المتعهدين الأمريكيين لصيانة طائرات "سلاح الجو الأفغاني"، إلى عواقب وخيمة.
بالإضافة إلى المخاطر الواضحة التي تهدد الشعب الأفغاني، لا يتمثل خطر حُكم "طالبان" في أنها ستشارك بنفسها في الإرهاب خارجًا. غير أن قيادة هذه الحركة قد لا تبالي أبدًا بمؤامرات تنظيمَيْ "القاعدة" و"الدولة الإسلامية" في أفغانستان ضد الأهداف الدولية – بخلاف ما تبذله الحكومة الأفغانية الحالية من جهود. ومع أخذ ذلك في الحسبان، من الجدير البحث في مدى التهديد الذي يشكله هذان التنظيمان – في كلٍ من أفغانستان ومنطقة الشرق الأوسط الأوسع نطاقًا.
تنظيم "القاعدة" في أفغانستان وباكستان
ليس تنظيم "القاعدة" في أفغانستان وباكستان هو الذي كان قائمًا تحت حُكم أسامة بن لادن. فقَتلت الولايات المتحدة الكثير من عملائه، ويُشاع أن زعيمه الحالي أيمن الظواهري توفي، ويبقى الكثيرون من قادته الآخرين هاربين. كما أدى موت بن لادن إلى تراجع التمويل المخصص لنشاط هذا التنظيم، الذي نجح بن لادن في تأمينه. وكنتيجة لذلك، لم تعُد معسكرات التدريب الواسعة النطاق موجودة في أفغانستان كما كان الوضع قبل 9/11.
مع ذلك، يقدّر أحد تقارير "الأمم المتحدة" أن تنظيم "القاعدة" ما زال يضم حوالي 400 إلى 600 عضو في البلاد، وهم يقاتلون إلى جانب حركة "طالبان" بشكل دوري، ويشاركون في جمع الأموال وصنع القنابل. كما تكثر الروابط الاجتماعية التي تجمع التنظيمين عبر الزيجات بين المجموعتين.
في محاولة لمعالجة هذه المسألة، حثّ المفاوضون الأمريكيون حركة "طالبان" لسنوات على منع تنظيم "القاعدة" من استخدام أفغانستان كملاذ للهجمات الدولية. وتزعم حركة "طالبان" أنها قبلت هذا الطلب، كما قال عناصر "القاعدة" علنًا إنهم سيمتنعون عن هكذا هجمات. إلا أن التشجيع على شن الهجمات الدولية استمر رغم الوعود التي قطعها كلٌ من "طالبان" و"القاعدة".
تُسلّط إحدى الحوادث الأخيرة المزيد من الضوء على طموحات "القاعدة". ففي تشرين الأول/أكتوبر 2020، قتلت قوات العمليات الخاصة الأفغانية أبو محسن المصري، وهو على الأرجح العنصر الثاني الأهم في تنظيم "القاعدة" في أفغانستان، وأُدرج اسمه منذ عدة سنوات على قائمة أكثر الإرهابيين مطلوبية لـ"مكتب التحقيقات الفيدرالي" الأمريكي. ووفقًا لبعض المسؤولين في الاستخبارات الأفغانية، اكتشفت قوات العمليات الخاصة في خلال المداهمة رسائل من المصري يخبر فيها نظراءه من "القاعدة" في سوريا أن أفغانستان قد تعود قريبًا إلى موقعها ما قبل 9/11 كمركز محوري للجماعة الإرهابية. وعلاوةً على ذلك، سرعان ما تلت هذه المداهمة غارتان جويتان أمريكيتان ضد أهداف لتنظيم "القاعدة" في محافظة إدلب السورية، ما أدى إلى تخمين أن رسائل المصري أشارت أيضًا إلى تورّط عناصر "القاعدة" في سوريا بالتآمر ضد أهداف أمريكية.
تنظيم "الدولة الإسلامية" في أفغانستان
على عكس التعاون مع تنظيم "القاعدة" في أفغانستان وباكستان، يؤدي تنظيم "الدولة الإسلامية"-ولاية خراسان دورًا معاديًا لحركة "طالبان". فيسعى كلا التنظيمان إلى الإطاحة بالحكومة الأفغانية، لكنهما تقاتلا بشكل دوري في شرق أفغانستان حيث يقع مقر تنظيم "الدولة الإسلامية" في أفغانستان رغم هذا الطموح المشترك.
وفقًا لتقرير "الأمم المتحدة" المذكور أعلاه، يضم تنظيم "الدولة الإسلامية"-ولاية خراسان حوالي 2,200 مقاتل مسلح تتركز أعدادهم في محافظة كونار الجبلية قرب حدود باكستان. ومعظم أعضائه هم مَن تبقوا من المقاتلين البشتون الباكستانيين الذين هربوا من قوات الأمن الباكستانية إلى أفغانستان. وتتألف القوة أيضًا من منشقين عن الجيش الأفغاني ومن مقاتلين أوزبكيين.
انضم هؤلاء المقاتلون المختلفون إلى فريق "الدولة الإسلامية في العراق والشام" ابتداءً من عام 2014، ولجأت لاحقًا أعداد صغيرة من المقاتلين العرب التابعين لهذا التنظيم في العراق وسوريا إلى أفغانستان. كما وهبت المجموعة العراقية التابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" فرعه الأفغاني مبالغ متواضعة من المال. إلا أن التواصل الحالي المتبقي بين مختلف فروع "الدولة الإسلامية" محدود، وهو يقتصر على الرسائل الهاتفية بين الفرع الأفغاني والفروع الأخرى في المنطقة.
التهديد الإرهابي في أفغانستان بعد الانسحاب الأمريكي
مع الانسحاب الوشيك للولايات المتحدة والقوات الدولية التابعة للتحالف، سيصبح الجزءان الجنوبي والشرقي من أفغانستان – اللذان يشكلان حوالي 40 إلى 50 في المئة من مساحة البلاد ويشملان مدينة قندهار - خاضعَيْن على الأرجح لحُكم حركة "طالبان". ويضم هذا القسم من البلاد عددًا كبيرًا من البشتون، أي القاعدة الإثنية التي ينحدر منها معظم الجنود في حركة "طالبان". ويمثّل البشتون أيضًا حوالي 45 في المئة من إجمالي سكان أفغانستان، والمناطق التي يمثّلون فيها الأغلبية هي التي سيستخدمها على الأرجح تنظيما "القاعدة" و"الدولة الإسلامية"-ولاية خراسان من أجل إنشاء قواعد تدريب جديدة بعد انسحاب الولايات المتحدة.
يُحتمل أن يتدهور الوضع في القسمين الشمالي والغربي من أفغانستان ليشهد اشتباكات مسلحة بين حركة "طالبان" والميليشيات من غير البشتون. فالطاجيك، الذين يمثّلون حوالي 25 في المئة من إجمالي سكان أفغانستان، هم المجموعة الإثنية التي تشكل الأغلبية في المدينتين الكبيرتين مزار شريف الشمالية وهرات الغربية. والهزارة، الذين يشكلون المجموعة الإثنية الشيعية الوحيدة في البلاد، يمثّلون حوالي 10 في المئة من سكان أفغانستان، وهم الأغلبية في منطقة وسط أفغانستان الريفية. والأوزبك والتركمان، وكلاهما شعبان تركيان، يمثّلون حوالي 10 إلى 15 في المئة من سكان أفغانستان ويعيشون بشكل أساسي في الشمال. وفي حين أن البشتون يقطنون بكثافة أكبر في جنوب أفغانستان وشرقها، يمكن أن تصبح تجمعاتهم في باقي أنحاء البلاد مراكز لنشاط تنظيمَيْ "القاعدة" و"الدولة الإسلامية"-ولاية خراسان.
أكثر ما يدعو للشك ربما هو مستقبل كابول وضواحيها. فمن دون أي دعم مباشر من قوات الولايات المتحدة، سيعتمد مصير منطقة كابول الواسعة النطاق على أداء الجيش الأفغاني. وفي حين أن أغلبية الجيش الأفغاني هي قوة قتال عادية، فقوات "العمليات الخاصة" التابعة له – التي تشكل حوالي 10 في المئة من الجيش ككل – ممتازة. وتوفّر الولايات المتحدة أيضًا حاليًا حوالي 5 مليارات دولار سنويًا كمساعدة عسكرية وإنسانية. وسيتطلب بقاء الحكومة الأفغانية والجيش الأفغاني استمرار الدعم المالي الدولي لهذه القوات بشكل خاص؛ وحتى في هذه الحالة، لا شيء يضمن النجاح.
يتمثل أحد الخيارات الأخرى لدعم الطاقم العسكري في أفغانستان في توفير فرص التدريب الخارجية؛ والأردن هو أحد الخيارات المذكورة. إلا أن النتائج المحتملة لفقدان التمويل والدعم التدريبي يجسّدها انهيار الحكومة الأفغانية الشيوعية تحت حُكم نجيب الله. فصمد نظامه بعد انسحاب القوات السوفيتية بين عامَيْ 1988 و1989، لكنه انهار بعد أن أنهت موسكو دعمها المالي في عام 1991.
صحيحٌ أنه إذا استولت حركة "طالبان" على معظم أفغانستان، ستحتفظ الولايات المتحدة بامتداد عسكري داخل أفغانستان مهما كان محدودًا. وسيسمح لها هذا الامتداد بالاستمرار في محاربة تنظيمَيْ "القاعدة" و"الدولة الإسلامية" والقوات العدائية الأخرى في حال شن هجمات ضد الأمريكيين أو حلفائهم. وستضطر الطائرات الأمريكية إلى استخدام قاعدتها العسكرية في قطر وحاملاتها خارج باكستان للقيام بالرحلات إلى أفغانستان بعد الانسحاب.
غير أن المسافات ملحوظة، ولن تتمكن الطائرات الأمريكية من قضاء وقت طويل في البحث عن الأهداف. وإلى ذلك، يُحتمل أن تقنع روسيا حكومات آسيا الوسطى بعدم السماح للولايات المتحدة باستخدام قواعدها العسكرية من أجل شن غارات مكافحة الإرهاب، وهو أمرٌ يختلف إلى حدٍ كبير عن التعاون الذي كان قائمًا بين الولايات المتحدة وروسيا لمكافحة الإرهاب في أوائل القرن الحادي والعشرين. ولا يبدو أن باكستان متحمسة بشأن توفير استخدام الولايات المتحدة للقواعد العسكرية هناك.
إلى جانب العمليات العسكرية بقيادة الولايات المتحدة التي تنطلق من أراضي الحلفاء الآخرين، يمكن أن تردّ الولايات المتحدة والبلدان الأخرى على الهجمات الإرهابية من خلال تفويض الجيش الأفغاني في تعقب أولئك المسؤولين عنها. غير أن هذا الخيار لا يصلح إلا إذا استمر الجهاز العسكري الأفغاني في العمل. وإذا لم يحدث ذلك، سيتعين على الولايات المتحدة اللجوء إلى تهديد حكومة "طالبان" بالرد، إلا في حال اتخذت هذه الأخيرة تدابير قاسية ضد الإرهابيين الدوليين على أرضها، أو استخدمت المرتزقة الأفغان للبحث عن الجناة.
إلى ذلك، ستتقلص قدرات الاستخبارات الأمريكية إلى حد كبير ما إن تنسحب قوات الولايات المتحدة من البلاد. ففيما ستتوافر قدرة استخباراتية ضئيلة على الصعيدَيْن البشري والتقني في السفارة الأمريكية في كابول – على افتراض وجود سفارة أمريكية هناك – يختلف الأمر عن تواجد الأصول الاستخباراتية في أنحاء البلاد. وسيُضعِف تدهور الاستخبارات الأمريكية إلى حد كبير الفعالية العسكرية لمهما تبقى من الخيارات العسكرية الأمريكية، فضلًا عن إضعاف القدرة على مساعدة "الجيش الوطني الأفغاني". وستصبح أفغانستان مجددًا بلدًا نائيًا وغامضًا.
في أي حال، يجب أن تكون الحكومة الأمريكية مستعدة لاحتمال أن يتسبب انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان بزيادة جرأة الجماعات الإرهابية الدولية. وسيكون علم "طالبان" المرفرف فوق كابول بمثابة إلهام للمقاتلين في أنحاء العالم الإسلامي – فيما سيزرع الخوف وأحيانًا الذعر في نفوس الكثيرين من الأفغان.