النهار الاخباريه وكالات
شهدت الليرة التركية حالة من الهبوط غير المسبوق، حيث وصلت إلى 9.85 أمام الدولار الواحد، وهو أدنى مستوى على الإطلاق في التعاملات المبكرة الإثنين 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، قبل أن تتحسن نسبياً عند 9.57 ليرة مقابل الدولار.
ويعد هذا الانخفاض ليس وليد أمس، بل جاء تباعاً بعد أن ظلت الليرة التركية محافظة على سعر الصرف عند مستوى مابين 8.1 ليرة و8.74 ليرة في الفترة من نهاية مارس/آذار 2021 إلى 19 سبتمبر/أيلول 2021.
لتبدأ الليرة فيما بعد فصلاً جديداً من التراجع، حيث ظلت تشهد تقهقراً نسبياً بشكل تدريجي دفعها لتجاوز حاجز الـ9 ليرات أمام الدولار، ومن ثم الصعود أكثر فأكثر لتختتم عند 9.59 ليرة بنهاية الأسبوع الماضي قبل أن تصل إلى التراجع الأكبر عند 9.85 صباح أمس.
لماذا تراجع سعر صرف الليرة التركية أمام الدولار؟
ترجع أسباب تقهقر الليرة التركية منذ سبتمبر/أيلول الماضي إلى العديد من الأسباب، ولكن يمكن القول إن بداية القصة جاءت عند حديث محافظ البنك المركزي في 8 سبتمبر/أيلول الماضي، عن أنه من المتوقع أن تنخفض أسعار السلع الاستهلاكية في الأشهر المقبلة وأن يعتمد البنك معدل تضخم رئيسياً، والذي هو دون 17%.
الأمر الذي أثار حفيظة بعض المستثمرين وسط مخاوف من تراجع سعر الفائدة لتنخفض قيمة الليرة حينها، ومن ثم تعاود الارتفاع بشكل طفيف، لتعاود تراجعها نسبياً مع تجدد المخاوف حول خفض سعر الفائدة والحديث عن طرح العملة التركية الرقمية خاصة أنه في حال تطبيقها فستؤثر على حجم السيولة في الأسواق.
الليرة التركية تتعافى
أحد أماكن الصرافة في اسطنبول/ رويترز
وكان رئيس المصرف المركزي التركي شهاب قاوجي أوغلو، قد أنشأ في 15 سبتمبر/أيلول 2021، بالتعاون مع شركات تكنولوجية، "منصة تعاون الليرة التركية الرقمية" بهدف توسيع البحث في الفوائد المحتملة لإدخال نسخة رقمية من العملة التركية.
لتتحقق مخاوف المستثمرين مع إعلان البنك المركزي التركي في 23 سبتمبر 2021، خفض سعر الفائدة 100 نقطة أساس على عمليات إعادة الشراء "الريبو" لتصبح 18%، وتنخفض الليرة إلى مستويات طفيفة نسبيا.
أعقب هذا الإجراء مجموعة من المؤشرات الإيجابية، في منتصف شهر أكتوبر/تشرين الأول 2021، حول الاقتصاد التركي، حيث أعلن محافظ البنك المركزي التركي شهاب قاوجي أوغلو ارتفاع احتياطات البنك إلى 123.5 مليار دولار، مع تأكيدات لـ "مواصلة تراكم الاحتياطي لتعزيز السياسة النقدية".
كما رفع صندوق النقد الدولي، 12 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، من توقعاته لنمو الاقتصاد التركي خلال العام الجاري، من 5.8% إلى 9%، وأبقاها عند 3.3% لعام 2022.
يضاف إلى ذلك ارتفاع صادرات تركيا خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري، لتتجاوز وفق بيانات هيئة الإحصاء التركية، 121 مليار دولار.
فضلاً عن عودة السياحة، بعد تعطيل عام كورونا الماضي، والتعويل على استقطاب 25 مليون سائح لهذا العام، لتجني البلاد، بحسب وزارة السياحة، عائدات بقيمة 20 مليار دولار عام 2021.
ولكن كان من المفترض في هذه الأثناء أن ترتفع الليرة خاصة وسط هذه الحالة من المؤشرات الإيجابية حول الاقتصاد التركي التي على الرغم من كونها ذات تأثير إيجابي على المدى المتوسط والبعيد لكن كان من المفترض أن تؤثر بشكل إيجابي على سلوك المستثمرين في زحينها.
زإلا أن قرار الرئيس التركي بعزل نائبي رئيس البنك المركزي، وهما سميح تومان، وأوغور نامق زكوتشك، وكذا عضو مجلس السياسات النقدية عبد الله يافاش، في مقابل تعيين طه تشاناق نائباً لرئيس البنك المركزي، ويوسف تونا عضواً في مجلس السياسات النقدية.
زوهو القرار الذي أعاد للمستثمرين شعوراً بعدم استقلالية السياسة النقدية وأوحى لهم بعدم انفراد المحافظ المركزي في اتخاذ قراراته خاصة فيما يتعلق بسعر الفائدة، ما أدى إلى إبطال مفعول تلك المؤشرات الإيجابية على الليرة التركية، بل زوإثارة مزيد من المخاوف.
لتتجه لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي التركي، في 21 زأكتوبر الجاري، لخفض سعر الفائدة على العملة المحلية بنسبة 2%، من 18% إلى 16%، وهو ما دفع الليرة التركية إلى مزيد من التراجع لتصل إلى 9.41 ليرة مقابل الدولار.
بقت الليرة التركية عند هذا المستوى، ليصرح الرئيس التركي، السبت الماضي، بأنه أمر وزارة الخارجية باعتبار عشرة سفراء، من بينهم سفراء من الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا "أشخاصاً غير مرغوب فيهم" بسبب دعوتهم للإفراج عن رجل الأعمال عثمان كافالا.
لتزداد مخاوف المستثمرين من عقوبات اقتصادية قد تفرضها تلك الدول العشر وفي مقدمتها أمريكا على تركيا، بسبب عدم استجابة الأخيرة لمطالبها، لتتراجع الليرة في بداية تعاملات الأسبوع الجاري، أمس، عند مستوى 9.85 ليرات مقابل الدولار والذي يعد الأعلى على الإطلاق حتى الآن.
لم تدم الليرة عند هذا المستوى طويلاً، فقد تراجعت الدول العشر وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية تراجعها عن طلبها الإفراج عن رجل الأعمال عثمان كافالا، مؤكدة على التزامها بالمادة 41 من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية بعدم تدخلها في الشؤون الداخلية، ما أدى إلى صعود الليرة إلى مستوى الـ9.57 ليرة أمام الدولار.
لكن هناك تقارير تتحدث عن أن تدهور سعر صرف الليرة التركية بين الحين والآخر سببه حرب خارجية منظمة لكسر شوكة الاقتصاد التركي، ولي ذراع تركيا لصالح تجاذبات سياسية تخدم المصالح الخارجية للدول الأخرى.
لماذا تميل الحكومة التركية إلى خفض سعر الفائدة في تركيا؟
يظل المتابع للمشهد الاقتصادي التركي يتساءل عما هي دوافع تركيا لخفض معدلاتها وما سبب إصرارها على ذلك، خاصة أن هذا القرار لا طالما صاحبه تراجع في قيمة العملة المحلية للبلاد.
ولكن تأتي مساعي تركيا وفي مقدمتها الرئيس أردوغان خفض سعر الفائدة، بهدف توجيه الأموال من خزائن المصارف إلى الاقتصاد الحقيقي الذي تنشده تركيا، خاصة في ظل التداعيات الاقتصادية التي أحدثتها قيود جائحة كورونا، بالإضافة إلى تحفيز الاقتصاد.
وتعتبر أنقرة أن انخفاض تكاليف الاقتراض سيساعد على إبطاء وتيرة ارتفاع الأسعار، خاصة مع بلوغ معدل التضخم نحو 19.85% في نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، حسب بيانات البنك المركزي التركي، وسط توقعات بتراجعه إلى 17% نهاية العام الجاري، و15.4% لعام 2022.
كما أنه لا يجب أن يتم الاعتماد على زيادة سعر الفائدة والتعامل معه كعصب للسياسة الاقتصادية، لما له من مآلات سلبية في المستقبل قد تؤدي إلى كارثة اقتصادية، كتراجع الطبقة المتوسطة وزيادة الطبقة الفقيرة في المقابل.
يضاف إلى ذلك أن رفع الفائدة سوف يكبد الميزانية التركية مزيداً من الأعباء، نظرا لأنه في حالة قيامها بالاقتراض من السوقين المحلي والخارجي، فسيكون ذلك وفق معدلات الفائدة السائدة محلياً، مما قد يدفع الدولة لإلغاء برامج التطوير والتنمية والمشاريع الكبرى نتيجة لتآكل الإيرادات من أجل سداد تلك الفوائد مستقبلاً.
كما أن الحديث عن أن رفع الفائدة يكبح معدلات التضخم، ولكن هناك جانب آخر للفائدة يؤدي إلى نتيجة معاكسة وهو أن تكاليف الإنتاج سترتفع، ويظهر لنا التضخم في صورة أخرى، وهي جانب العرض، الذي يعني زيادة تكاليف الإنتاج، وبالتالي ستتأثر سلباً مكونات السياسة الإنتاجية والاستثمارية والتوظيف.
هل يمكن وقف نزيف الليرة التركية أم لا؟
مع تحقيق هذه المعدلات المرتفعة من النمو في البلاد والتي وصلت إلى نحو 9% بالإضافة إلى عملية الزيادة المستمرة في الاحتياطي الأجنبي، حيث بلغ في 21 أكتوبر/تشرين الأول الجاري 125 ملياراً و729 مليون دولار، بالبنك المركزي وارتفاع حجم الصادرات إلى مستويات غير مسبوقة، فمن المتوقع التحسن التدريجي في سعر العملة المحلية على المدى المتوسط والبعيد.
ويرى بعض الخبراء أن هناك حلولاً عدة لوقف نزيف الليرة، حيث قال يرى ستيف أتش هانكي أستاذ الاقتصاد التطبيقي بجامعة جونز هوبكنز الأمريكية، إن هناك طريقة لإنقاذ الليرة من دوامة الموت وسحق التضخم فوراً تنشئ تركيا مجلس عملة يصدر أوراقاً وعملات نقدية قابلة للتحويل حسب الطلب داخل عملة تثبيت أجنبية بسعر صرف ثابت،مشيراً إلى أن هذا المجلس مطالب بأن يحتفظ باحتياطيات عملات التثبيت بما يعادل 100% من التزاماته النقدية.
ارتفاع الدولار مقابل الليرة
ارتفاع الدولار مقابل الليرة
وفي تعليق معهد التمويل الدولي على تقلبات سعر صرف الليرة التركية، يقول روبن بروكس، كبير الاقتصاديين في معهد التمويل الدولي (IIF)، إن جميع التحليلات الحالية حول الليرة التركية عبارة عن "ثرثرة تهدف إلى بث الذعر".
ويضيف بروكس، خلال تغريدات نشرها عبر حسابه على تويتر حول التقلبات التي يشهدها سعر صرف الليرة التركية أمام الدولار، إن البعض يتوقع أن يستمر الوضع الحالي في ما يخص الليرة التركية والدولار إلى ما لا نهاية "لا تلفتوا لأي من هذه التحليلات. جميعها عبارة عن هراء".
وأردف: "حركة تدفق الودائع الأجنبية تسير في منحنى أفقي بالنظر إلى متوسط الحركة خلال الأسابيع الـ 13 الأخيرة".
وأشار إلى أن الأزمة التي شهدتها تركيا في أغسطس/آب 2018، كانت أكبر مما يحدث الآن، مؤكداً أن تركيا ستتمكن أيضاً من التخلص مما تعيشها الآن، كما فعلت ذلك في 2018.