الأحد 24 تشرين الثاني 2024

المطاعم والمقاهي تعاود نشاطها في لبنان وانتعاش ملحوظ للقطاع التجاري

النهار الاخبارية - وكالات 

قالت صحيفة Financial Times البريطانية، في تقرير نشرته الجمعة 29 سبتمبر/أيلول 2023، إنه  في إحدى ليالي العاصمة اللبنانية بيروت، في الأيام القليلة الماضية، اصطفت السيارات الفارهة المستوردة حديثاً أسفل ملهى Sky Bar في بيروت. وداخل الوجهة التي تحتل سطح البناية، شق النُدُل طريقهم وسط الحشود المزدانة بالثياب الفاخرة لتسليم زجاجات شمبانيا يصل سعر الواحدة منها إلى 400 دولار.

وكان هذا الملهى يُعد من أشهر وجهات الحياة الليلية في لبنان قبل أزمته التي بدأت عام 2019، لكنه أغلق أبوابه في ذلك العام بالتزامن مع الاحتجاجات المناهضة للنظام التي عصفت بالبلاد، فضلاً عن الأزمة المصرفية التي تحولت إلى انهيار مالي مدمر.

انتعاش في بعض القطاعات بلبنان 
قطاع الضيافة المترفة يمر بفترة انتعاشٍ الآن، مدفوعاً بشريحة من السكان الذين كانوا بمعزلٍ عن الأزمة -أو الذين تربحوا منها في بعض الحالات- فضلاً عن أن الضغط الحاد على العملة سمح للشركات بأن تسدد ديونها بثمن بخس.

وسرعان ما استأنف الملهى تأدية دوره كنقطة جذب للسياح الأجانب، والسكان المحليين المهتمين بمكانتهم الاجتماعية، والمغتربين الأثرياء الذين يزورون الوطن لقضاء العطلة الصيفية كل عام بعد فتح أبواب المهلى ثانيةً في يونيو/حزيران. ويرى البعض أن عودة الملهى تُبشر ببداية فصل جديد في لبنان سيشهد عودة صيحة التباهي دون قيود -بالنسبة للقلة القادرة على تحمُّل تلك التكلفة.

حيث قالت ساندرا، عاشقة اللياقة البدنية البالغة 43 عاماً، في أثناء تسوقها بمتجر Aïshti الفاخر: "من الرائع امتلاك المال مرةً أخرى".

شهدت البلاد إغلاق نصف مطاعمها، وحاناتها، ومقاهيها، وملاهيها الليلية التي يتجاوز عددها الـ8000 منذ عام 2019. لكن النشاط التجاري بدأ يسترد عافيته مؤخراً، حيث افتُتِح نحو 250 مطعماً في عام 2023، ومن المتوقع أن يفتح 30 مطعماً على الأقل أبوابه أمام الزبائن قبل نهاية العام، بحسب طوني رامي، رئيس نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي.

وقال رامي أثناء حديثه عن موسم الصيف الرابح: "لقد كان موسماً ممتازاً… وخلق العديد من فرص العمل التي كنا في أمس الحاجة إليها".


ويُمكن القول إن عدم وجود خطة لإنقاذ الاقتصاد الوطني وتقلبات العملة الشديدة كان مفيداً لبعض شركات الضيافة، بحسب رأي خبراء الصناعة. حيث نجح أصحاب تلك الشركات في سداد ديونهم بأسعار الصرف الرسمية التي لا تعكس القيمة الحقيقية لليرة اللبنانية، ما ساعدهم في تحرير بعض رؤوس أموالهم وإعادة استثمارها.

الوضع  الاقتصادي أثر على أوضاع اللبنانيين
لطالما كان يُحتفى باللبنانيين على أنهم شعب يستطيع الاحتفال حتى في أحلك أيامه، وضمن ذلك أثناء الحرب الأهلية التي استمرت 15 عاماً منذ 1975 وحتى 1990، وحتى أثناء احتلال القوات الأجنبية للبلاد.

لكن ذلك الوضع تغير في عام 2019، حيث تلاشت الاحتفالات، وصار الإفراط في البذخ يثير استياء الجميع فجأةً بالتزامن مع تدهور المزاج الوطني.

بينما عاد لبنان إلى عاداته القديمة في العام الجاري، حيث اكتظت شواطئ البلد المطل على البحر المتوسط بالمصطافين، وأصبحت المطاعم والملاهي الليلية محجوزةً بالكامل، كما عادت حفلات الزفاف التي تصل تكلفتها إلى مليون دولار.

وتشمل قائمة أصحاب الأموال في لبنان اليوم أولئك الذين سحبوا أرصدتهم من المصارف مبكراً، أو استغلوا علاقاتهم لتحويل أموالهم إلى الخارج، وأولئك الذين لم يستخدموا النظام المصرفي اللبناني من الأساس، بحسب المحللين. وهناك آخرون يعملون لصالح الشركات الأجنبية ويتقاضون أجورهم بالدولار، بينما يستقبل البعض الآخر الحوالات من أقاربهم في الخارج بإجمالي وصل إلى 7 مليارات دولار تقريباً في العام الماضي.

وقال نسيب غبريل، كبير خبراء الاقتصاد في بنك بيبلوس ببيروت: "ظهرت فئات جديدة من الأثرياء أيضاً". وأشار غبريل إلى الأشخاص الذين تربحوا من الأزمة باكتناز الواردات المُدعّمة، أو استغلال ثغرات النظام المصرفي، أو المشاركة في أنشطة إجرامية صريحة مثل غسيل الأموال.


صورة لمصرف لبنان المركزي – رويترز
كما أن زوار لبنان الذين وصل عددهم إلى مليوني شخص خلال الصيف الجاري، وبينهم العديد من المغتربين العائدين، استمروا في الإنفاق أيضاً.

ويمثل هذا الوضع تناقضاً صريحاً مع محنة غالبية اللبنانيين. إذ خسرت الليرة اللبنانية 95% من قيمتها أمام الدولار منذ عام 2019. ويعيش أكثر من ثلاثة أرباع سكان لبنان (المقدر عددهم بـ6 ملايين نسمة) تحت خط الفقر، بحسب الأمم المتحدة. وهناك أعداد قياسية من الأسر التي تعاني الفقر الغذائي والأطفال الذين تركوا المدارس، بينما ما يزال الناس عاجزين عن الوصول إلى مدخراتهم في المصارف.

ما زال المواطنون يواجهون أزمة بسبب تردي الأوضاع 
يقول الخبراء إنه من الصعب تحديد عدد سكان لبنان الذين ما يزالون قادرين على تحمل تكلفة السلع الأساسية، فضلاً عن الأغراض الفاخرة. يُذكر أن حجم اقتصاد البلاد النقدي يصل إلى 10 مليارات دولار، ويعتمد بدرجةٍ كبيرة على الدولار والدفع النقدي نتيجةً للانهيار المالي والإخفاق المصرفي.

ويقول بعض خبراء الاقتصاد إن نسبة السكان الذين يتمتعون بقوةٍ شرائية تساوي قوّتهم الشرائية عام 2019 صارت تتراوح بين 5% و10% تقريباً.

بينما قال غبريل مستدركاً: "لكننا نرى شيئاً آخر بناءً على مستوى النشاط الاقتصادي الحالي: فهناك قوة شرائية موجودة سواءً شئنا أم أبينا". واقترح غبريل أن نحو 25% من سكان لبنان استعادوا دخلهم بالكامل قبل الأزمة أو معظمه.