الأحد 24 تشرين الثاني 2024

أمريكا تضع استراتيجية لمنافسة الصين في سباق المعادن الحرجة بأفريقيا

النهار الاخباريه وكالات
من السيارات الفاخرة مروراً بالهواتف المحمولة وصولاً إلى أحدث الطائرات الشبحية، باتت المجتمعات، والاقتصادات، والجيوش الحديثة، تعتمد على ما يُعرف باسم "المعادن الحرجة"، والتي تتركز بشكل كبير في القارة الأفريقية، خاصة فيما يُعرف باسم حزام التعدين في جنوب القارة وهي المنطقة المرشحة للتحول لأشد مناطق النزاع الصيني الأمريكي ضراوة.
وتعدّ أفريقيا موطناً لـ30% من إجمالي المعادن الحرجة المعروفة في العالم، وبينما تريد الولايات المتحدة استغلال تلك السوق، تكمُن المشكلة أمام واشنطن في أن الصين سبقت الجميع؛ إذ توقع بكين على الصفقات هنا وهناك منذ عقود، وتُشيِّد البنية التحتية اللازمة لاستخراج تلك الثروات المعدنية، واليوم، تُهيمن بكين على أنشطة استخراج وتكرير ومعالجة الموارد المعدنية عالمياً،
 حسبما ورد في تقرير لمنصة "أسباب" للدراسات السياسية والاستراتيجية.

لكن الأمريكيين وضعوا استراتيجيةً للعودة والاستحواذ على حصةٍ في سوق المعادن الحرجة في أفريقيا من جديد، إذ خصصوا مئات الملايين من الدولارات لإحياء مشروع سكة حديد ضخمة تمتد من الأطلسي وصولاً إلى قلب أفريقيا، فيما تتفاوض الصين للاستحواذ على عمليات خط سكة حديد تزارا الذي يمتد في الاتجاه المقابل من أفريقيا بين زامبيا إلى تنزانيا وصولاً إلى آسيا والمحيط الهادئ، حسبما ورد في تقرير منصة "أسباب".
ويتمحور الخلاف حول موارد المعادن الحرجة المدفونة تحت الأرض، ويعتمد كل شيء في حياتنا المعاصرة تقريباً على تلك الموارد الحرجة، بدايةً بمقاتلات إف-35 وصولاً إلى بطاريات السيارات الكهربائية وعنفات محطات استخراج الطاقة من الرياح، وفقاً لتقرير أسباب.
وتشمل هذه المعادن:
العناصر الأرضية النادرة
البوكسيت
الكروم
الليثيوم
المانغنيز
البلاتين وغيرها
تمتلك أفريقيا كميات وفيرة للغاية من تلك المعادن؛ إذ يمتلئ النصف الجنوبي من القارة بالمعادن التي ترسم شكل الحياة المعاصرة، وتتركّز مواقع التعدين بكثافة في المنطقة الممتدة من الكونغو الديمقراطية إلى جنوب أفريقيا والتي تُعرف باسم حزام التعدين.
 ولا يتعلّق الأمر بكثافة الموارد المعدنية فحسب، بل بالجودة العالية والبنية التحتية التي تحمل الموارد إلى المحيطات المفتوحة للتصدير أيضاً.
لكن الغابات تملأ المشهد لدرجة أن البنية التحتية للطرق والسكك الحديدية تُعد نادرة. وحتى عند ربط مواقع التعدين وتجهيزها للتصدير، سنجد أنها نادراً ما تكون متصلةً بالعاصمة الفيدرالية لهذه البلدان.
حيث توجد مثلاً غابة مطيرة بطول نحو 1,600 كلم بين عاصمة الكونغو كينشاسا ومنطقة كاتانغا الغنية بالموارد، وتُعَدُّ هذه التضاريس صعبة الاجتياز بدرجةٍ كبيرة، وليس هناك الكثير من الطرق التي تربط بين جانبي البلاد.
ولا عجب في أن وسطاء السلطة المحلية يعيشون بمعزلٍ عن الحكومة الفيدرالية ويتصرفون من تلقاء أنفسهم عادة.
وتتطلع أمريكا الآن إلى إدارة أعمالٍ تجارية في منطقة كاتانغا بالكونغو الديمقراطية، التي تحتوي على أكبر إمدادات الكوبالت في العالم.
وتشير التقديرات إلى أن احتياطات إقليم كاتانغا تتراوح بين 70% و80% من إجمالي الإنتاج العالمي للكوبالت.
وتُعد زامبيا المجاورة مورداً رئيسياً للنحاس؛ إذ تمتلك 6% من احتياطيات النحاس المعروفة عالمياً، ولكن الميزة أن لديها الاحتياطيات الأعلى جودةً على الإطلاق.
وهذا يعني أن جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا تحتلان محور السباق من أجل المعادن الحرجة.
ومن أجل الاستفادة بالموارد الكونغولية والزامبية تعهّد الرئيس بايدن بتخصيص 360 مليون دولار لإحياء ممر لوبيتو.
وهذا الممر يضم مجموعة من البنيات التحتية للسكك الحديدية والموانئ والمطارات والطرق التي تربط الجزء الجنوبي من جمهورية الكونغو الديمقراطية، والجزء الشمالي الغربي من زامبيا، بأسواق التجارة الإقليمية والعالمية عبر ميناء لوبيتو في أنغولا على ساحل المحيط الأطلسي.
وقد أنشأت بلجيكا والبرتغال هذا الخط في الأصل عام 1905، لكن جزءاً من الخط تعرض للتدمير أثناء الحرب الأهلية الأنغولية وأصابه الإهمال، كما ظهر تعهّدٌ من ائتلاف تجاري لمستثمري القطاع الخاص باستثمار أكثر من 450 مليون دولار في مشروعات البنية التحتية.
وساعد البنك الأفريقي للتنمية في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2023 بجمع تمويل بقيمة 1.6 مليار دولار، ساهم بنفسه بمبلغ يصل إلى نحو 500 مليون دولار.
وسيتجاوز طول السكة الحديد النهائية أكثر من 1,300 كلم، وتستهدف الولايات المتحدة اليوم ترميم وتجديد السكة الحديد، خاصة الجزء الممتد من ندولا وشينغولا بزامبيا إلى معبر جيمبي الحدودي، وسيسمح هذا للشركات الأمريكية متعددة الجنسيات بنقل المعادن الحرجة إلى ميناء لوبيتو في أنغولا، ثم شحن المعادن من هناك عبر المحيط الأطلسي.
تُقدر الوكالة الدولية للطاقة أن الطلب على النيكل والكوبالت سيزداد بـ20 ضعفاً بين عامي 2020 و2040، وسيزداد الطلب على الغرافيت بـ25 ضعفاً، وسيزداد الطلب على الليثيوم بأكثر من 40 ضعفاً.
أي أن الهدف هو أن يساعد ممر لوبيتو في استيعاب زيادة حجم حركة المرور على خط السكة الحديد، لكن الخطة أكبر من مجرد خط سكة حديدية في الواقع؛ إذ يجب أن يزيد الإنتاج من أجل استغلال حزام التعدين بشكلٍ كامل وخفض التكاليف بفعالية.
وسيساهم هذا المشروع، الذي مُرِّرَ في مايو/أيار عام 2023، مساهمةً مباشرة في تحويل ممر لوبيتو إلى سلسلة قيمة، وقد يستضيف المشروع بعض مصانع التكرير والمعالجة في المرحلة المبكرة منه، لكن مع حركة الناس وزيادة الأنشطة التجارية، ستظهر بلدات جديدة وستكتسب حياةً خاصة بها.