النهار الاخبارية - وكالات
رفض الاتحاد الأوروبي دائماً فتح الباب لانضمام البوسنة والهرسك إلى عضويته، لكن هذا الرفض اختفى فجأة وتم قبول البوسنة كمرشح، فما الذي تغير؟ وما علاقة روسيا بالقصة؟
فقد صوت الاتحاد الأوروبي، يوم 15 ديسمبر/كانون الأول 2022، على منح البوسنة والهرسك وضع المرشح، وهو ما يمهد الطريق أمام الدولة الواقعة في البلقان للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي.
وعلى مدى عقود، كان البوسنيون يتحسرون من حقيقة أن بلداً مثل رومانيا تم قبولها بسهولة في النادي "الحصري"، في حين هُمِّشَت البوسنة إلى أجل غير مسمى، فما الذي تغير وأدى إلى هذا التحول في الموقف الأوروبي؟
موقع Oil Price الأمريكي نشر تقريراً عنوانه "هل تصبح البلقان خط المواجهة التالي في اللعبة الجيوسياسية لروسيا؟"، رصد كيف تحول موقف بروكسل من أنه من المستحيل تقريباً قبول دولة مقسمة إلى كيانات عرقية قومية ذات حكومة بثلاثة رؤوس تكون مشلولة في أحسن الأحوال عندما يتعلق الأمر بصنع القرار، إلى قبولها بهذه السرعة.
لماذا كان يرفض الاتحاد الأوروبي ضم البوسنة؟
منذ اتفاقية دايتون للسلام، التي أنهت الحرب في البلقان برعاية أمريكية خلال تسعينيات القرن الماضي، كانت المزحة الأكثر انتشاراً بين البوسنيين هي أن التغيير التشريعي الوحيد الذي وافقت عليه القيادة الثلاثية للبلاد هو إلغاء عقوبة الإعدام.
فمع وجود كيان صربي بوسني يُدار كإمبراطورية صغيرة من قبل ميلوراد دوديك، الذي يصفه الغرب بأنه "دمية يحركها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كيف يشاء"، وكيان فيدرالي ذي نزعة غربية، شعرت بروكسل دائماً أنها إذا ما ضمت البوسنة والهرسك إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، فهذا يعني ضم بلد سيادته موضع شك.
إذ تتكون البوسنة والهرسك من كيانين: اتحاد البوسنة والهرسك، وجمهورية صربسكا التي يسيطر عليها الصرب، بالإضافة إلى وحدة إدارية تتمتع بالحكم الذاتي، مقاطعة برتشكو، ودوديك زعيم بلا منازع لهذا الجزء من البوسنة.
وعلى مدار السنوات الأربع الماضية، كان دوديك عضواً في الرئاسة الثلاثية للبوسنة، وعمل باستمرار لتقويض البلاد في محاولة لإضعافها ومتابعة أجندته الانفصالية. وربما يجعله هذا الزعيم السياسي الوحيد في العالم الذي يعمل بلا كلل لتدمير البلاد التي يترأسها رسمياً.
وكان اتحاد كرة القدم في البوسنة والهرسك قد أعلن عن تنظيم مباراة ودية مع روسيا في سان بطرسبرغ، يوم 19 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، والقرار لم يكن خطأً عابراً، فرئيس اتحاد كرة القدم في البوسنة هو فيكو زيليكوفيتش، ابن شقيق زعيم صرب البوسنة ميلوراد دوديك.
وعلى مدار السنوات العديدة الماضية، برز دوديك باعتباره السياسي الأكثر تأييداً لروسيا ليس فقط في البوسنة، ولكن أيضاً في البلقان. الرئيس الكرواتي زوران ميلانوفيتش والرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش لديهما مشاعر مؤيدة لروسيا، لكن دوديك يقود المجموعة، بحسب تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية.
لكن الهجوم الروسي على أوكرانيا، الذي تصفه موسكو بأنه "عملية عسكرية خاصة"، بينما يصفه الغرب بأنه "غزو عدواني غير مبرر"، وما تبع تلك الحرب الجيوسياسية من أزمة طاقة عنيفة تعصف بأوروبا بشكل عام، تسبب في تغيير الموقف بشكل جذري.
هل يريد أهل البوسنة الانضمام للاتحاد الأوروبي؟
الآن أصبح الاتحاد الأوروبي يرى أن منح البلقان عضويته بات ضرورة جيوسياسية. وبدلاً من فرض عقوبات على البوسنة بسبب الانقسامات فيها، تميل بروكسل الآن لاحتضان البلاد قبل أن تبدأ روسيا والصين في استخدام هذه الدول الصغيرة كأوراق في الألعاب الجيوسياسية الأوسع.
أحد "الاستخدامات" بالنسبة لروسيا هو القدرة على خلق حالة من عدم الاستقرار، إما بين الخصمين السابقين في زمن الحرب بين البوسنة وصربيا أو بين صربيا وكوسوفو، أو كليهما.
صربيا المجاورة هي حليف لروسيا، وبينما كان الجميع ينتظر بوتين للاستفادة من ذلك لزعزعة استقرار المنطقة وزرع المخاوف من تكرار حروب 1992-1995، فإنه لم يتخذ مثل هذه الخطوة، والكل هادئ بشأن جبهة البلقان -في الوقت الحالي- لكن بوتين طوال الوقت يبذر بالتأكيد الانقسامات، ويعمل بمهارة على تأجيج نيران القومية الأرثوذكسية حيثما أمكنه ذلك، بحسب تحليل موقع Oilprice الأمريكي.
حتى لو لم تُتَّخَذ خطوة حاسمة، يلوح التهديد في الأفق بشكل كبير، وسيكون هناك تأثير لروسيا في الاضطرابات الحالية في كوسوفو. تتمثل استراتيجية موسكو في إثارة الاضطرابات من وراء الكواليس. ومن المحتمل أن البوسنة لا ترى في بروكسل قوة وقائية يمكنها توفير الحماية ضد تدخلات موسكو.
لا يبدي البوسنيون العاديون رغبة جامحة أو واضحة في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فقد تضاءلت جاذبية التسويق الخاصة ببروكسيل بشكل كبير، وهذا ما أوضحه خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
كما أن كرواتيا المجاورة لم تحظ بالضرورة برحلة سهلة في أروقة الاتحاد الأوروبي منذ قبولها، ورئيس البنك المركزي الكرواتي في حالة ذعر في الوقت الحالي لأن البلد مضطر لبدء استخدام اليورو في الأول من يناير/كانون الثاني 2023، وستكون هناك فوضى عارمة، من ذلك النوع الذي يمكن أن يؤدي إلى إفلاس دولة.
وفي هذا السياق لا يمكن استبعاد حقيقة أن الأزمة الأوكرانية في الأساس أزمة جيوسياسية، إذ كان يريد بوتين أن يرغم حلف الناتو على وقف تمدده شرقاً، ولأن موسكو لا تثق في قدرة الدول الأوروبية على التحرك دون موافقة واشنطن، فقد قرر الرئيس الروسي أن يطلب ضمانات قانونية مكتوبة من نظيره الأمريكي بايدن تنص على أن الناتو لن يضم أوكرانيا إلى عضويته أبداً.
وكانت أوكرانيا عضواً مؤسساً مع روسيا في الاتحاد السوفييتي السابق، وكانت مقراً لثلث الأسلحة النووية السوفييتية، وقوة كبيرة في حلف وارسو (الحلف العسكري الشرقي). وبعد تفكك الاتحاد السوفييتي، حصلت أوكرانيا على استقلالها عام 1991، بعد إجراء استفتاء لمواطنيها للاختيار بين البقاء ضمن الاتحاد الروسي (روسيا وروسيا البيضاء وأوكرانيا) أو الاستقلال كأمة أوكرانية، وصوّت 90% من السكان لصالح الاستقلال.
روسيا وأزمة الطاقة وأمور أخرى
ثم هناك أزمة الطاقة والاتحاد الأوروبي الذي فشل فشلاً ذريعاً في حماية نفسه من الاعتماد على مصادر الطاقة الروسية، بل ويحتضن المال الروسي بالكامل.
لم يتبق الكثير من الأسباب للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي الآن إلا من منظور جيوسياسي، في ظل الصراع المكتوم -حتى الآن- بين روسيا وحلف الناتو، لهذا تمد أوروبا يدها الآن إلى البوسنة، لكن السؤال هو: هل فات الأوان؟
تمتلك روسيا بالفعل صناعة النفط لكيان صرب البوسنة (جمهورية صربسكا)، ويتفاخر دوديك بمشروع لبناء خط أنابيب لاستيراد الغاز الروسي. ربما تكون جمهورية البوسنة والهرسك قد سعت جاهدة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في البداية، لكن تلك الأوقات قد ولت على ما يبدو.
الآن، سوف تستجدي أوروبا البلقان كي يجعلها حصناً دفاعياً ضد روسيا. ورغم أن الوقت قد حان في وقت متأخر، إذا فازت أوروبا بصربيا، فإنها ستفوز بالبوسنة أيضاً على الأرجح، بحسب الموقع الأمريكي.
وبطبيعة الحال يلعب الغاز الطبيعي دوراً كبيراً في كل هذه الحسابات، فقد رفض الرئيس الصربي الموالي لروسيا، ألكسندر فوسيتش، الالتزام بعقوبات الاتحاد الأوروبي؛ لأن بلاده بحاجة إلى الغاز الروسي.
ومع ذلك، فإن صفقة غاز جديدة مع أذربيجان تجعل هذه الحجة أقل قوة، حيث سيُطلَق خط الربط الذي سيحقق ذلك، بين بلغاريا وصربيا، في عام 2023. كما تود البوسنة الحصول على الغاز الأذربيجاني أيضاً، والذي قد يكون ممكناً من خلال خط الأنابيب المقترح.
لكن في الوقت الحالي، تعتمد البوسنة على الغاز الروسي عبر خط أنابيب ترك ستريم. في يونيو/حزيران، مددت عقودها مع شركة غازبروم حتى نهاية هذا العام، لكن في أكتوبر/تشرين الأول، رفعت شركة غازبروم الأسعار بنسبة 9.7% للاتحاد البوسني و5.6% لجمهورية صربسكا.
الخلاصة هنا هي أن الاتحاد الأوروبي لم يغير موقفه من ضم البوسنة والهرسك بسبب انتفاء أسباب الرفض لذلك الضم، بل بسبب الهجوم الروسي على أوكرانيا الذي أجبر أوروبا على محاولة إيجاد بدائل للغاز الروسي، الذي كانت القارة العجوز تعتمد عليه بشكل كامل.
لكن مع اقتراب الحرب في أوكرانيا من دخول عامها الثاني، أصبح البحث عن بدائل للغاز الطبيعي الروسي أمراً حتمياً بالنسبة للقارة العجوز، إضافة إلى التحضير لصراع جيوسياسي ممتد، فهل فقدت أوروبا قدرتها على حماية نفسها وأصبحت تعتمد بشكل كامل على الولايات المتحدة؟