النهارالاخباريه – وكالات
لا يبدو مقياس القلق في بعض الأوساط العراقية من احتمال تطبيق "السيناريو الأفغاني" على يد الميليشيات الموالية لإيران في طريقه إلى التضاؤل، إذ تدور نقاشات بشأن إمكانية أن يحفز أي انسحاب أميركي شامل الفصائل المسلحة في العراق للسيطرة على السلطة في البلاد.
وتتباين آراء المراقبين بين مرجح لاحتمال تكرار المشهد الأفغاني على الساحة العراقية، ومستبعد له نظراً إلى الفروقات الكبيرة من النواحي الاجتماعية والسياسية والجغرافية بين البلدين.
وكان الرئيس الأميركي جو بايدن، أعلن في 26 يوليو (تموز) الماضي، إنهاء المهمات القتالية للقوات الأميركية في العراق بحلول نهاية عام 2021، ما يمكن أن يعزز احتمال حدوث انسحاب شامل في وقت لاحق.
"ممهدات الانقلاب"
وتعطي محاولات الفصائل المسلحة الموالية لإيران اقتحام المنطقة الخضراء الحكومة، في أكثر من مناسبة، انطباعاً بأنها تمثل تمهيداً لإحكام السيطرة على البلاد.
ولعل ما يثير المخاوف من احتمال تكرار السيناريو الحاصل في أفغانستان هو حديث أوساط قريبة من الحشد الشعبي، في مايو (أيار) الماضي، عن تفعيل ما أسموه "السيناريو اليمني"، من خلال حسابات على صلة بالميليشيات المسلحة، بعد اعتقال القيادي في الحشد قاسم مصلح على إثر اتهامات بالضلوع بقتل ناشطين عراقيين قبل أن تفرج عنه السلطات.
وكانت فصائل مسلحة تابعة للحشد الشعبي في العراق، حاصرت المنطقة الخضراء حينها للضغط على حكومة مصطفى الكاظمي لإطلاق سراح مصلح، فيما تداولت أوساط قريبة من الحشد تسجيلاً صوتياً طالب فيه مقرب منه بأنه "كان على الحشد الدخول إلى المنطقة الخضراء وأخذ الدولة"، لافتاً إلى أن "المجتمع الدولي سيتعامل مع هذا الواقع المفروض".
وعلى الرغم من تكرار مشهد محاصرة المنطقة الحكومية من قبل الفصائل الموالية لإيران، إلا أن مراقبين يستبعدون احتمال تنفيذ سيناريو أفغانستان في العراق، خصوصاً مع الاستعداد غير المتوقع للقوات الأمنية الرسمية في صد المحاولة الأخيرة للميليشيات اقتحام المنطقة الخضراء.
ويقول الكاتب والصحافي محمد حبيب إن "السيناريو الأفغاني لطالما تكرر في العراق، عن طريق محاولات عدة للميليشيات الولائية اقتحام المنطقة الخضراء، تحديداً ما جرى في مايو الماضي الذي مثّل المحاولة الأكثر جرأة من قبل تلك الميليشيات".
ولعل ما يعرقل إمكانية إحكام سلطة الميليشيات على الدولة في الفترة الحالية، بحسب حبيب، يتمثل في "كون الجيش العراقي بات أكثر استعداداً لصدّ تلك المحاولات، وهو ما شهدناه في محاولة الحشد اقتحام المنطقة الرئاسية بعد اعتقال مصلح".
ويتابع حبيب أن وجود جهات اجتماعية مؤثرة مناهضة للنفوذ الإيراني، على رأسها قوى الانتفاضة العراقية، تمثل "مصدات قوية أمام تحقيق حلم الميليشيات بالسيطرة على الدولة".
وكانت مصادر خاصة بـ"اندبندنت عربية"، أشارت في حينها إلى أن القطاعات العسكرية بما فيها الطيران العسكري تلقت أوامر بالاستعداد للمواجهة، وهو ما وصل إلى قادة الحشد الشعبي وأجبرهم على اتخاذ خيار الانسحاب.
ثلاثة أسباب تعرقل "سيناريو أفغانستان"
وعلى الرغم من الحديث عن إمكانية إدارة الميليشيات الموالية لإيران انقلاباً على السلطة في بغداد، إلا أن عدداً من العوامل ربما يعرقل إجراءً كهذا، وعلى رأسها الفوارق بين الجيشين العراقي والأفغاني، خصوصاً بعد محاولة الميليشيات اقتحام المنطقة الخضراء وتصدي الجيش العراقي لها وإرغامها على الانسحاب.
إضافة إلى الفوارق في القوات الأمنية بين البلدين، يبدو أن توزيع موازين القوى في المشهد السياسي العراقي يمثل أحد أبرز المعوقات أمام هذا السيناريو.
ويضع المتخصص في شؤون الجماعات المسلحة أحمد الشريفي، "ثلاثة أسباب قد تعرقل إمكانية تكرار التجربة الأفغانية في العراق، وعلى رأسها عدم تقبّل الشارع العراقي عودة سيطرة التيارات الإسلامية على السلطة، خصوصاً بعد انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) 2019"، مضيفاً أنه "من المستحيل أن يشكّل المجتمع العراقي حاضنة جديدة للحركات الإسلامية".
ويضيف أن حالة القطيعة بين المجتمع العراقي والحركات الإسلامية، تمثل "حجر الزاوية في عدم إمكانية تطبيق النموذج الافغاني في البلاد".
ولعل السبب الآخر الذي يعرقل إمكانية سيطرة الميليشيات الموالية لإيران على السلطة، يتمثل وفق الشريفي في "عدم إظهار المجتمع الدولي، لا سيما واشنطن أي إشارات طمأنة للمجموعات المسلحة على عكس ما جرى مع طالبان".
أما السبب الثالث، فيرتبط بـ"استبعاد حدوث انسحاب كامل للقوات الأميركية من العراق"، إذ يعتقد الشريفي أن "ما يجري في العراق لا يمثل انسحاباً تاماً، بل استراتيجية جديدة للقوات الأميركية لترشيق الوجود وترشيد الإنفاق"، لافتاً إلى أن "هذا الأمر جرى في العراق من خلال اختزال الوجود العسكري للقوات الأميركية في قاعدتين هما الحرير وعين الأسد".
ويشير الشريفي إلى أن ما قد يجري في العراق خلال المرحلة المقبلة هو "الاتجاه إلى الأحلاف الإقليمية، وهذا ما حصل من خلال توافق بغداد مع كل من مصر والأردن"، مضيفاً أن هذا التحالف الجديد سيمثل "بديلاً من الحضور الواسع للقوات الأميركية وسيحظى بدعم واشنطن".
إضافة إلى تلك العوامل، يعتقد الشريفي أن وجود المرجعية الدينية الشيعية في النجف، "أحد أبرز المعرقلات أمام أي محاولة من قبل الميليشيات للسيطرة على السلطة في العراق، الأمر الذي بدا واضحاً في الفترة الماضية من خلال التصعيد بين المرجعية والمجموعات الولائية".
ويعتبر أن "سيناريو تغيير شكل السلطة في العراق وارد في حال فشل النظام السياسي في تنظيم الانتخابات، لكنه لن يكون على الطريقة الأفغانية، بل من خلال التوجه نحو حكومة طوارئ أو إنقاذ وطني، من المرجح أن تكون عسكرية أو شبه عسكرية".
مساحات واسعة تحت سيطرة الميليشيات
في المقابل، يعتقد أستاذ العلوم السياسية هيثم الهيتي أن "كثيرين من المراقبين شككوا في إمكانية انسحاب واشنطن من أفغانستان، لكن تحليل الفائدة مقابل الثمن هو ما دفع الولايات المتحدة إلى اتخاذ هذا الخيار"، مضيفاً أن هذا السيناريو "يمكن أن يتحقق في العراق أيضاً مع رغبة الرأي العام الأميركي بالانسحاب".
ولعل ما يحفز إمكانية أن تدير الأجنحة المسلحة الموالية لإيران انقلاباً للسيطرة على السلطة، بحسب الهيتي هو "امتلاك تلك الجماعات القوة الأكبر في البلاد"، مشيراً إلى أنها "ربما تستغل فرصة انتشارها الواسع في محافظات شيعية وسنية، والنفوذ الأمني الكبير الذي تحظى به لتفعيل سيناريو مشابه لما فعلته طالبان".
ويتابع، "على الرغم من احتمال تحقق هذا السيناريو في العراق إلا أنه لن يكون بسهولة ما جرى في أفغانستان"، مؤكداً أن أي توجه من الميليشيات الموالية لإيران للسيطرة على السلطة "ستقابله ممانعة داخلية كبيرة من القوى غير الخاضعة لإيران، فضلاً عن الحراك الشعبي المناهض للنفوذ الإيراني والمتمثل في قوى انتفاضة أكتوبر التي باتت تحظى بتأييد شعبي واسع".
ويلفت الهيتي إلى أن الانسحاب الأميركي من العراق "ربما تعتبره الجبهات الولائية ضوءاً أخضر لتفعيل سيناريو إحكام السيطرة على السلطة في البلاد".
جغرافيا قريبة من حلفاء واشنطن
في السياق ذاته، يعرب الباحث في الشأن السياسي بسام القزويني عن اعتقاده بأن "ملف انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان لا يمكن إسقاطه على الوضع العراقي، خصوصاً مع قرب الجغرافيا العراقية من المصالح الأميركية الحيوية في المنطقة"، مضيفاً أن "واشنطن ترى في منطقة غرب العراق جزءًا من أمنها القومي، وتعمل على إعادة تموضع قواتها في المنطقة بما يحافظ على الأمن المحلي لحلفائها".
ويضيف أن "الميليشيات تعقد الأمل على استنساخ التجربة الأفغانية في السيطرة على البلاد، إلا أن ذلك لن يتحقق من دون صدام كبير، وربما سيضعف دور تلك المجموعات"، مردفاً أن "رغبة بعض القوى السياسية المؤثرة ببقاء القوات الأميركية والتزام واشنطن التعاون مع قوات الأمن العراقية في مواجهة الإرهاب يعرقلان تفعيل السيناريو الأفغاني".
ويرجح القزويني أن لا تسمح واشنطن بتكرار السيناريو الأفغاني في العراق إلا في حالة واحدة تتمثل في أن "يحقق انسحابها تصادماً وحرباً داخلية تضعف دور الميليشيات وتنقل البلاد إلى مرحلة فوضى تقضي بالنهاية على قوى اللادولة أو تضعفها".
قلق من ترحيب القوى الولائية بسيطرة "طالبان"
ولعل ما يدفع إلى الاعتقاد بأن الميليشيات ربما تفكر في حراك مشابه لما جرى في أفغانستان، هو أن عدداً من المنصات المقربة منها أبدت ارتياحاً غير مسبوق للأحداث في كابول، فضلاً عن ترحيبها الواضح بما جرى، بحسب مراقبين.
ويقول رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري إن ما جرى من "تسويق لطالبان من خلال مؤسسات إعلامية تابعة لإيران، والترحيب الذي أبداه حلفاؤها في العراق ينذر باحتمال حصول سيناريو مشابه"، مضيفاً أن "الفصائل المسلحة ما زالت قلقة من الوجود الأميركي في البلاد".
ويعتبر الشمري أن الإقدام على خطوة كهذه سيكون بمثابة "نهاية للنظام السياسي في العراق وإدخاله في عزلة دولية، فضلاً عن كونه شهادة وفاة مبكرة للميليشيات، خصوصاً مع عدم تقبّل الداخل العراقي والمحيط الإقليمي لهذا السيناريو".
ولعل ما يقوّض فكرة انسحاب شامل للقوات الأميركية من العراق، بحسب الشمري، يرتبط بـ"عدم رغبة واشنطن بتكرار مشهد انهيار مشروعها في أفغانستان".
ولا يتوقف القلق عراقياً من احتمال تكرار المشهد الأفغاني على يد الميليشيات الموالية لإيران، إذ يعتقد مراقبون أن هذا الأمر ربما يسهم أيضاً في عودة نشاط تنظيم "داعش". وما زالت تجربة عام 2014 وانهيار القوات العراقية أمام التنظيم على بعد ثلاثة أعوام من الانسحاب الأميركي من البلاد حاضرة في أذهان العراقيين.
ويستبعد الشمري احتمال عودة سيطرة "داعش" على محافظات عراقية، خصوصاً بعد الانتصار الذي حققته القوات الأمنية عام 2017.