الإثنين 25 تشرين الثاني 2024

نخب عربية تناقش تغيّرات النظام العالمي..

النهار الاخبارية - وكالات 

ناقشت نخب عربية في مؤتمر لمنتدى الشرق يتناول النظام العالمي، وما يمر به من تغيرات، وبحثت انعكاساتها على منطقة الشرق الأوسط، في منتدى عقدته المؤسسة في مؤتمرها الثاني من "منتدى الإصلاح والتغيير".

تناول المشاركون في المؤتمر تحت عنوان "النظام العالمي المتغير وانعكاساته على منطقة الشرق" التحولات الكبيرة في ظل تعميق قوى عالمية غير غربية نفوذها في مجالات حيوية مثل روسيا والصين، ما قد يدفع إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب بظل التغييرات التي تطرأ وتؤثر على دول المنطقة، لا سيما دول العالم العربي.

من الباحثين المشاركين في المؤتمر من رأى أن ذلك يدفع نحو حرب عالمية ثالثة، إذ تتشابه الظروف الحالية – من وجهة نظرهم- بالأجواء التي كان العالم يشهدها قبيل الحربين العالمية الأولى والثانية، في حين خالفهم آخرون، معتبرين أن ما يحصل إنما هو كاشف عن طبيعة النظام العالمي الحالي، ولن يقود إلى حرب جديدة، بل إلى استنزاف كبير للموارد والاقتصاديات. 

تناول المؤتمر الذي قام بتغطيته "عربي بوست"، ثلاثة محاور أساسية في يومه الأول، تمثلت بـ: "التغيرات الطارئة على النظام العالمي وطبيعتها، ثانياً الأزمة الاقتصادية العالمية وأسبابها ونتائجها، وأخيراً التوازن الدقيق للتعددية القطبية في الشرق الأوسط".

يستمر المؤتمر حتى الأحد 4 يونيو/حزيران 2023، الذي يعقد في مدينة إسطنبول ليومين متتاليين.

افتتح المؤتمر رئيس منتدى الشرق وضاح خنفر، الذي أشار في كلمته الافتتاحية إلى مفهوم الأمة، وكيف أنه كان سابقاً للدولة والقومية، وأنه كان جامعاً للمسلمين قديماً، تحت مظلة واحدة كأمة إسلامية.

أشار كذلك إلى أن مفهوم الانتماء للقومية والحدود والدولة جاء من الغرب أساساً الذي تخلى هو نفسه عن ذلك فيما بعد، مشكلاً اتحادات سياسية مثل الاتحاد الأوروبي، وتحالفات عسكرية وأمنية واقتصادية، إلا أن الدول العربية لا تزال حتى اليوم لم تتخلص من ذلك، لتصل إلى مفهوم الأمة الجامعة لها تأثيرها على طبيعة النظام العالمي تؤثر فيه ولا تتأثر فيه فقط. 

وقال إن الأمة في مفهومها الحضاري كانت هي الصانعة للدولة، في حين أصبحت الدولة الحديثة هي التي تصنع الأمة، مؤكداً أن "الأمة مفهوم حضاري لا يزال حيّاً رغم كل ما طرأ على المفهوم من تشوهات كانت نتاج نموذج الدولة الحديثة".

واعتبر خنفر أنه "إضافة للأزمات الاقتصادية والسياسية التي يشهدها عالمنا اليوم، فإننا نشهد بما لا يدع مجالاً للشك نهايةً للدورة الحضارية الغربية".

تأثير العولمة المستمر
في المحور الأول من المؤتمر، ناقش المتحدث حسن أوريد السياسي والمفكر والروائي المغربي، تأثير العولمة المستمر على دول العالم، مؤكداً أنها لم تنتهِ بعد، لكنها أضحت ذات طابع صفري، وفق تعبيره.

وقال في مشاركته التي تابعها "عربي بوست"، إن "البشرية دخلت اليوم في مرحلة يمكن تسميتها بطور اللاتوازن، حيث تشبه، في منطقها المبني على أساس الصراع الأيديولوجي الحرب الباردة".

في هذا الإطار، لفت أوريد الذي عمل سابقاً دبلوماسياً مغربياً، ومتحدثاً رسمياً باسم القصر الملكي، إلى أن "الصراع بين القوى الدولية (الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا)، أضحى صراعاً حضارياً لا مجرد صراع بين دولتين قوميتين".

وأضاف أن "هذا التحول أحدث هزات عنيفة في الصفائح الجيوسياسية، وينذر بتغيير البراديغمات والمفاهيم والمعايير الدولية".

عن الحرب الروسية الأوكرانية، قال إنها تنهي عملياً ما كان يسمى بالعطلة الاستراتيجية، مشبهاً الفترة التي امتدت من 1989 إلى غاية 2022 بالفترة الممتدة من 1918 إلى 1939 وسقوط جدار برلين، وما واكبه من تصورات حول نهاية التاريخ، والعولمة السعيدة، والأمة الضرورية.

وأوضح أن "كل مرحلة لما بعد الحرب العالمية الأولى كانت تمثل كارثة على العالم العربي، والأمر ذاته بالنسبة للنظام العالمي الذي تشكلها بعد الحرب العالمية الثانية".

تغيرات النظام العالمي
من جانبه، ناقش ياسين السعدي الدكتور في الاقتصاد، والمستشار الدولي السابق في المكتب الأوروبي للاستشارات، أهمية إدراك التغيرات الطارئة على النظام العالمي.

وقال: "لم يبلغ النزاع الروسي الأوكراني حرباً عالمية بمفهومها الكلاسيكي، ولكن تجلت فيه كل أعراض التدويل التي أخرجته من خانة الصراعات الجهوية منخفضة الحدة، إلى ساحة نزاعات تنذر بتغير في خريطة التوازنات العالمية".

وأضاف أن الحربين العالميتين تعدان سبباً مباشراً في خلق حالة هجينة في الشرق الأوسط لم يسبق لها مثيل في التاريخ الحديث، ألا وهي زرع كيان كان سبباً في ديمومة الصراع وإدخال الدول الإسلامية إلى المعسكر المتحكم في مصيرها من القوى العظمى. 

الحرب في أوكرانيا وشرخ بالنفوذ الأمريكي
عن تأثير الحرب في أوكرانيا على شكل النظام العالمي، قال إن "النزاع الروسي الأوكراني يعود بنا إلى الحرب العالمية الأولى، والتي تعتبر حرباً مؤسِّسَة والرحم الولّادة لكل النزاعات والصراعات التي يعيشها العالم إلى يومنا هذا".

تابع أن "الحرب الروسية الأوكرانية مهما كانت نتائجها على الأرض، فهي تسببت في شرخ للنفوذ الأمريكي في منطقة الشرق الكبير، فدول كتركيا وهي عضو غير مستهان في حلف الناتو، له سياسة متوازنة مع الطرفين تخدم المصالح الجيوسياسية والاقتصادية على المديين القصير والمتوسط، والسعودية لأول مرة تلتفت للعملاق الصيني، وجعلت منه وسيطاً في خلافها المتأزم مع إيران، وربطت علاقة مميزة مع بوتين، ودولة الإمارات كذلك التي أخذت مسافة محترمة من الانسياق وراء الموقف الأمريكي".  

شدد السعدي في حديثه على أن "النظام العالمي اليوم تعددت أقطابه، فأزمة كوفيد بينت الهشاشة والأنانية، ولم تعد أمريكا والغرب الخيار الأوحد في لعبة التوازنات، فالصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا أنشأت تكتلاً قد يكون لدول الشرق ميزان المناورة في علاقاتها مع العراب القديم". 

خالف حسن نافعة الأستاذ والرئيس السابق لقسم العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، ما ذهب إليه المتحدثون السابقون، معتبراً أن "المرحلة الحالية مرحلة مختلفة تماماً عن المرحلة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، وذلك من حيث طبيعة الصراع ونوعية القوى المتصارعة".

وأضاف أن "الحرب الروسية الأوكرانية ليست حرب منشأة لأزمات النظام الدولي الحالي، وإنما حرب أزالت الغطاء عن التحولات الجذرية التي يشهدها هذا النظام".

وأكد أن الصراع الروسي الأوكراني "لن يؤدي إلى حرب عالمية ثالثة تشهد حرباً نووية"، مضيفاً: "لا أعتقد أن القوى الدولية ستصل إلى هذا الحد من الجنون".

الاقتصاد والسياسة، هل ينفصلان؟
كان المحور الثاني اقتصادياً، إذ ناقش المشاركون فيه "الأزمة الاقتصادية العالمية وأسبابها ونتائجها".

من جانبه، قال طارق يوسف مديـر مجلـس الشـرق الأوسـط للشـؤون العالميـة، إن "النظام الاقتصادي العالمي الحالي أظهر فرصاً عديدة للدول الإسلامية لم تكن موجودة من قبل، لكن الأزمة الكبرى الآن في الشرق الأوسط، هي أزمة تتعلق بالمؤسسات وبالقدرة على الإدارة والتنفيذ، حيث إن التحدي يكمن في التنزيل وليس في بناء التصورات".

وأضاف أنه "لا يمكن الحديث الآن عن عالم إسلامي واحد، فقد أصبحت المنطقة متنوعة جداً، بحيث تشهد العديد من المنافسات والتفككات الداخلية"، وأن "الجميع يتحدث عن وجود تفككات في الصفائح الجيوسياسية الحالية، وعن ترتيبات جيوسياسية جديدة في طور التشكل، ولكن يُغفل الكثير التحولات والترتيبات الجيواقتصادية الناشئة في الآونة الأخيرة".

أما محمد أسوتاي، أستاذ الاقتصاد السياسي والتمويل الإسلامي بكلية إدارة الأعمال بجامعة دورهام، فقال إنه "لا يمكن فصل الاقتصاد عن السياسة بأي شكل من الأشكال، إذ إن القدرة على تحديد المصادر وعلى اتخاذ القرار فيما يخص القرارات المتعلقة بكيفية تقسيم ميزانية الدولة على مختلف القطاعات هي في صميم السياسة".

حول النيوليبرالية، فقال إنها "على عكس الإسلام، تريد أن تحدث فصلاً بين السياسة والاقتصاد، ولكن هذا غير ممكن أبداً".

وأوضح: "لقد تأزمت الرأسمالية مسبقاً، لأن السياسة لم تدعم الاقتصاد والرأسمالية التي تعتمد على تعظيم الربح عن طريق ترسيخ أركان ثقافة الرأسمالية تحتاج إلى إصلاح بشكل عاجل".

تابع حديثه بالقول إن "الأزمة ليست هي الاستثناء ولكنها السمة الطبيعية للنظام الاقتصادي الرأسمالي الذي يمتاز بمرونته الكبيرة"، مضيفاً: "يجب ألا ننتظر حلاً تحت مظلة النظام الرأسمالي لأن مصدر المشكلة لا يمكنه أن ينتج حلولاً".

واعتبر أنه "يجب الفصل بين الدولة القومية وبين النظام الاقتصادي الرأسمالي عند الحديث عن إيجاد حل الأزمة"، وأنه "يجب استعادة المكانة البارزة التي كانت تتمتع بها مؤسسة الوقف في قاعدة الاقتصاد السياسي الإسلامي، فمؤسسة الوقف بإمكانها الإسهام في حل الأزمة المالية".

وختم بالقول إنه يجب أيضاً "التأمل وإعادة النظر في قفزة المجتمع المدني الإسلامي حالياً على عربة الليبرالية الجديدة، بغض النظر عن مسار الرأسمالية وما أنتجته، وذلك إذا أردنا إنتاج تصورات جديدة وتقديم حلول أكثر ابتكاراً وفعالية".

الاقتصاد الإسلامي
رافي حنيف الرئيس التنفيذي لمجموعة المعاملات المصرفية لمجموعة "CIMB"، قال في مشاركته في الجلسة الثانية، إن "اللحظة الحضارية الحالية أنتجت فرصة لتقديم وتداول الكثير من الأفكار المختلفة في الساحة الدولية؛ تلك الفرصة التي يجب على الاقتصاديين الإسلاميين استغلالها في طرح رؤاهم المختلفة الأكثر عمقاً وابتكاراً وأصالة".

وقال حنيف: "نحتاج إلى تطوير التعليم وخاصة مؤسسات التعليم العالي، ويجب كذلك إعادة ترميم مؤسسات الأوقاف، وإعادة ترسيخ المبادئ المالية للاقتصاد الإسلامي، مثل مبدأ تقاسم الربح/العائد والمضاربة، اللذين يحفظان القيمة الحقيقية للعملة، ويشكلان بنية أساسية أكثر صلابة من البنية الهشة المزيفة التي يبنى عليها النظام الرأسمالي العالمي".

حول النظام المالي الإسلامي، قال إن "الإسلام لعب دوراً مهماً في تطوير معظم الحضارات القديمة، وذلك من خلال النظام المالي الإسلامي الذي كان يعتمد مبدأ تقاسم الربح/العائد profit-sharing ومبدأ المضاربة الذي يحفظ القيمة الفعلية للمال، إضافة إلى المؤسسات الخيرية والمدارس الإسلامية التي لم تكن فقط تدرّس الشريعة الإسلامية، بل اهتمت كذلك بتدريس علوم أخرى بالإضافة إلى تعليم المهارات الفنية والحرف اليدوية".

وحول التباطؤ الاقتصادي العالمي الحالي والتضخم المرتفع والمستمر ما بعد أزمة كوفيد-19، قال إنه ناتج عـن عدة عوامل، منهـا: 

1- نقــص الإمدادات الناجم عن الوباء.
2- نقـص الإمدادات بسبب الحرب الأوكرانية والتوترات الجيوسياسية.
3- نقص الإمدادات بسـبب تغير المناخ.
 4- الاستغلال من قبل الشركات.
5- زيادة الطلب الناجم عن السياسة المالية والنقدية التوسعية التي يسببها الوباء.
السعودية ترى نفسها وريثاً لقيادة المنطقة
في المحور الثالث من النقاش، تباحث المشاركون بشأن "القوى الإقليمية في الشرق الأوسط وبوادر توازن جديد".

من جانبه، قال عمرو دراج السياسي والأكاديمي المصري، ورئيس المعهد المصري للدراسات، إن "الثورات العربية كانت المحاولة الجادة الأولى للخلاص من التبعية السياسية والفشل الاقتصادي من الشعوب العربية".

وأضاف أن "مشهد الثورات المضادة تجسد في القمة العربية الأخيرة. وأعتقد أنها كانت ناجحة للغاية، وكان هناك إجماع حول فكرة انتصار قوى الثورة المضادة على ثورات الربيع العربي، إن صح وصفهما بذلك".

وأشار إلى أن "هناك ترتيبات يُراد أن تتم لكي تستقر المنطقة؛ مثل التقارب بين السعودية و إيران، والتقارب المحتمل بين مصر وإيران، ومفاوضات إعادة العلاقات بين مصر وتركيا".

أوضح أن "الاتفاق الإيراني السعودي ليس مرشحاً لأن يستمر على المدى الطويل، لوجود تعارض جذري بين المشروعين الإيراني والسعودي".

في حين قال إن "السعودية ترى نفسها هي الوريث الطبيعي لقيادة المشهد السياسي في المنطقة، بعد تراجع أدوار القوى الإقليمية التقليدية مثل مصر وسوريا والعراق".

لكنه أشار أيضاً إلى أنه "يوجد  3 ملفات أزعم أنها ستؤثر على المشهد السياسي في الإقليم وعواقبها ستحدد قواعد اللعبة السياسية في المنطقة خلال الفترة المقبلة: ملف السودان، ملف فلسطين والملف المصري".

وختم بالقول إن "الوضع ما زال مرشحاً لمزيد من الاضطراب السياسي، لأن العوامل التي اجتمعت مسبقاً وتسببت في اشتعال الثورات في المنطقة ما زالت قائمة".

واتفق معه فهمي هويدي، الكاتب والصحفي الذي يعد من أبرز المفكرين المصريين، في مشاركته الحوار، وقال إنه يجري التحضير إلى نظام عربي جديد، وإن السعودية بالفعل تستعد لدور قيادة المنطقة، فالقرار العربي انتقل من دول الماء إلى دول النفط، وهي دول الخليج وبالدرجة الأولى السعودية".

وأضاف أن "السعودية تتصرف وفقاً لذلك بالفعل، وكان ذلك واضحاً في اجتماعات القمة العربية، وهناك تحضير لدور سعودي عمراني وسياسي واقتصادي للانتشار في العالم العربي المؤهل تماماً لاستقبال مثل هذه الرسالة السعودية، على مستوى الأنظمة، فالعالم العربي لا ينظر إليه إلا كعالم للأنظمة وليس للشعوب".

استثنى من ذلك "الشعب الفلسطيني الوحيد الذي نسمع صوته، ولا صوت شعبياً آخر في المنطقة يتم السماع له سواه".

وقال: "نستطيع توقع أدوار أكبر للسعودية في المستقبل، على جميع المستويات من بينها الإعلامي، ولكن من غير الواضح ما الذي سيحصل في ظل تنافس سعودي إماراتي".

بدوره، قال عبد الله غيلاني الأكاديمي العماني، والباحث في الشؤون الاستراتيجية، إن "هناك تراخياً نسبياً في التواجد الأمريكي في المنطقة، سمح للخليج بأن يزيد من نفوذه في المنطقة".

واعتبر أن "التمدد الإيراني ليس انتصاراً إيرانياً، ولكنه زيادة في العبء على عاتق السلطات الإيرانية"، وأن "الدول الخليجية تعيش مرحلة انتقال من الدول الرعوية إلى مرحلة الدولة الحديثة، ولكن هذه التحولات لها أثمان سياسية تستدعي إحداث إصلاحات سياسية جادة".

ونفى أنه يمكن القول إن هناك تبلوراً لنظام دولي جديد، قائلاً: ما زالت الحضارة الغربية تسيطر على مجالات القوة الأربع:

1- المجال الاقتصادي (الاقتصاد الغربي إلى الآن يعادل ضعف الاقتصاد الأمريكي).
2- المجال العسكري. 
3- المجال التكنولوجي.
4- البعد الثقافي.