النهارالاخباريه وكالات
كأنها قصة من فيلم خيال أو رعب، تحكي عن رجل استطاع القيام بمهامه في منارة ويلز، لكن تسبب ذلك في فقدان صحته العقلية وخاصة بعد وفاة صديقه وبقائه منفرداً مع جثته في ظروف جوية سيئة. قصته استطاعت تغيير العمل في الملاحة البحرية إلى الأبد.
القصة المظلمة لمنارة ويلز
أُطلق عليها "المأساة في السمولز"، حيث تتجلى أحداث هذه القصة البحرية الويلزية على صخور "ذا سمولز"، المجموعة الصغيرة الواقعة قبالة سواحل بيمبروكشاير.
تعلو هذه الصخور منارة سمولز، تم بناؤها في عام 1776 من 9 أعمدة من خشب البلوط. وفي عام 1801، شهدت هذه الأماكن الهادئة حادثة هزت أساطير البحارة وكتبت قصة مأساوية لرجلين، توماس جريفيث وتوماس هاول.
تروي الأسطورة أن هذين الشخصين وقفا متمسكين بالمنارة، حيث تم دفعهما عن موقعهما لمسافة غير مسبوقة قدرها 20 ميلاً في أحداث مأساوية.
بينما نجا جريفيث من حادث غامض، كان مصير هاول أكثر حزناً، حيث باءت محاولاته للحصول على المساعدة بالفشل، وكانت العواصف وسوء وسائل الاتصال في تلك الفترة تجعل الأمور أكثر تعقيداً.
بعد أسابيع من العذاب، توفي جريفيث في المنارة، ماراً بأحداث أليمة، وترك هاول وحيداً ومتردداً حول مصيره. كان يعلم أنه، في حال وصول زملاء جدد، سيتهم بجريمة قتل لم يرتكبها فعلاً. في لحظة من اليأس، قرر هاول الإبقاء على جثة زميله في المنارة لتجنب الاتهامات، وبنى تابوتاً خارجياً ربطه بالمنارة.
وفي قلب عواصف السمولز، حيث تتلاطم الأمواج وتتحطم عند الصخور، وتتألق المنارة كنقطة صغيرة من الأمل، وُكلت لهاول مهمة الحفاظ على بقعة الضوء الوحيدة في وسط اللامكان. العواصف لم تكن مجرد ظواهر جوية، بل كانت عواصف في رحلة هاول الشخصية أيضاً.
لم يكن هناك أحد يعلم بالضبط كم من الوقت قضاه هاول بمفرده وسط البحر، ولكن يُعتقد أنها استمرت لمدة تقريبية تقدر بـ3 أسابيع. تلك الأيام والليالي الطويلة، كانت كافية لتسلل الصدمة إلى روحه، صدمة العزلة القاسية التي جاءت بمفردها، فقط بموجات البحر ووجود جثة زميله الذي كان على بُعد خطوات قليلة.
لم يكن هناك هيكل ضخم، حجم الكوخ الضيق كان يقاس بـ5 أمتار فقط، ما جعل أي محاولة للهروب من هذا الواقع محكومة بالفشل. في هذه العزلة، تكونت رحلة هاول إلى عوالم اليأس والتأمل، حيث يجتاح البحر حواسه ويعمق الصمت.
أولهما فقد حياته والآخر عقله
بينما تقف الصخور الصغيرة في وسط البحر الأيرلندي كرمز للتاريخ البحري الطويل لويلز، يروي الدكتور سيان ريس، المحرر المشارك لكتاب "ويلز والبحر.. 10 آلاف سنة من تاريخ ويلز البحري"، قصة غير عادية حدثت قبل نحو 219 عاماً.
"كان هناك الكثير من النقاش حول كيفية تعامل هاول وجريفيث مع تلك الظروف، ورغم عدم الوضوح في طبيعة علاقتهما، فإن الواقع الواضح هو أنهما كانا أشخاصاً غير عاديين كما عرف أنهما لم يكونا على وفاق أبداً،" حسب ما يقول الدكتور ريس بتأكيد.
بدأت المأساة عندما قام هاول، النجار السابق، بصنع تابوت لجريفيث، ولكن الظروف الجوية القاسية فجرته. هاول كان محاصراً داخل الكوخ، ولكن الضوء الذي ظل مضيئاً ألهم قصصاً للسفن المارة.
لكن المأساة لم تنته بوفاة جريفيث، فقد فجرت الرياح التابوت الذي وضعه صديقه بالخارج، وذلك أدى إلى اصطدام ذراع الرجل مع باب الكوخ؛ ما شكل نوبة من الرعب والخوف في نفسية هاول.
استمر هاول برؤية صديقه الميت والنظر إليه من خلف الباب بسبب العواصف الخارجية، إذ لا يستطيع أن يخرج ويعيده إلى التابوت، فبمجرد فتح الحبال المثبتة به ستطير جثته بسبب العواصف القوية ويختفي معها بعد أسابيع من العواصف، وبعدما تحسن الطقس، وصل قارب من ميلفورد إلى السمولز، ليكتشفوا جريفيث ميتاً وهاول فاقداً لعقله. فرغم أنه استطاع أن يترك المنارة تعمل خلال فترة جلوسه بها إلا أن ما عاشه كان أقوى على سلامته النفسية، فيما تركت تأثيراً عميقاً على شخصيته.
يعكس الدكتور ريس أهمية الحادثة في التاريخ البحري، حيث تغيرت اللوائح بعد ذلك لتشدد على وجود 3 أفراد على الأقل في المنارات. وكما يقول: "إنها حكاية تجذب الخيال، ألهمت فيلمين ومسرحية، وكانت شبيهة بقصة رعب".
التحول لم يكن فقط في القصة، بل في تصميم المنارة نفسها، حيث استبدلت في عام 1861، وتمت أتمتتها في عام 1987، وأصبحت رمزاً للتقدم التكنولوجي في عالم الملاحة البحرية، بهذه الطريقة، تظل الصخور الصغيرة تحمل قصة لا تنسى، حيث يظل تأثير حادثة هاول وجريفيث يتجسد في برجها الذي يرتفع 41 متراً اليوم.
تم تمثيل قصة المنارة في الفيلم الأمريكي The Lighthouse سنة 2019 لروبرت إيجرز، من بطولة ويليام دافو وروبرت باترسون.
الدليل الوحيد على براءته.