السبت 23 تشرين الثاني 2024

ماهو تقرير كيسنجر "السري" لتخفيض عدد سكان العالم ....

النهار الاخباريه وكالات
أثار النمو السكاني العالمي مخاوف الولايات المتحدة على أمنها ومصالحها الخارجية، وكشفت وثيقة سرية عرفت باسم "تقرير كيسنجر" عن رغبة أمريكية في تقليل عدد سكان العالم الثالث.
الوثيقة التي ظلت سرية لـ 16 عاماً، دعت الولايات المتحدة إلى السيطرة على عدد سكان العالم، خاصة الدول النامية، وذلك تحت دعوى "حماية مصالحها"، بالإضافة إلى ضمان تدفق الموارد من تلك الدول إليها.
"تقرير كيسنجر" كشف رغبة أمريكية في تقليل عدد سكان العالم 
رأت الوثقية، باختصار، أن التحكم السكاني العالمي كان ضرورياً لحماية المصالح الاقتصادية والعسكرية الأمريكية.
إذ أظهرت المذكرة الأساسية والسياسات اللاحقة المنبثقة عنها رغبة الولايات المتحدة باستخدام التحكم في النمو السكاني للحد من القوة السياسية للدول غير المتقدمة، وضمان استخراج الموارد الطبيعية الأجنبية بسهولة.
بالإضافة إلى أن هذه الاستراتيجية تساعد في التقليل من ولادة أفراد شباب معارضين، وحماية الشركات الأمريكية في الخارج من تدخل الدول التي تسعى لدعم سكانها المتزايدين.
إذ يقول الفصل الخامس من وثيقة NSSM 200 بعنوان "تداعيات الضغط السكاني على الأمن القومي"، وهي الوثيقة المفصلة الصادرة في 10 ديسمبر/كانون الأول 1974:
"من المرجح أن يكون شباب الشعوب التي لديها نسبة عالية من النمو أكثر تقلباً وأقل استقراراً… يمكن إقناع هؤلاء الشباب بسهولة أكبر بمهاجمة المؤسسات القانونية للحكومة أو الممتلكات الحقيقية لـ 'الامبرياليين'، الشركات متعددة الجنسيات، أو غيرها من التأثيرات الأجنبية التي تُلام على مشاكلهم"
الوثيقة التي استكملت في العام 1974، جاءت بناءً على أوامر مبدئية من رئيس الولايات المتحدة الـ 37 ريتشارد نيكسون، خلال الحرب الباردة، حيث تبنت حكومته أجندة فرض السيطرة على النمو السكاني البشري لمنع انتشار الشيوعية عالمياً.
إذ أظهرت هذه الأجندة إيماناً من الإدارة الأمريكية في أن الأجيال المستقبلية المولودة في جميع أنحاء العالم تشكل خطراً على تراكم الثروة؛ لذلك تبنتها الإدارة الأمريكية وحتى الشخصيات الثرية سياسة التحكم السكاني العالمي لتجنب اللوم.
عرفت الوثيقة باسم مذكرة دراسة الأمن القومي 200 أو National Security Study Memorandum 200 (اختصاراً NSSM200)، والمعروفة أيضاً بـ "تقرير كيسنجر"؛ إذ أجريت من قبل مجلس الأمن القومي الأمريكي تحت إشراف هنري كيسنجر الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي (1969: 1975) في ظل إدارة نيكسون، قبل أن يصبح وزيراً للخارجية (1973: 1977) في ظل إدارة الرئيس الأمريكي الـ 38 جيرالد فورد.
وقد تمت إعادة صياغة NSSM200 واعتمادها كسياسة رسمية للولايات المتحدة من خلال NSDM 314 من قبل الرئيس فورد في العام 1975. 
دعمت هذه الأجندة لإنشاء صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA) الذي أنشئ في العام 1969 من أجل تأسيس مصدر عالمي للتحكم في النمو السكاني لتجنب صورة الامبريالية. 
كانت الوثيقة مصنفة في البداية لأكثر من عقد من الزمان ولكن حصل عليها الباحثون في أوائل التسعينيات (1990)، وذلك عند رفع السرية عن تقرير سري للأمن القومي الأمريكي.
استراتيجية "لنقلل عدد سكان العالم الثالث"
الأطروحة الأساسية للمذكرة هي أن النمو السكاني في البلدان الأقل تطوراً أو دول العالم الثالث يمثل مصدر قلق للأمن القومي الأمريكي، لأنه يميل إلى زيادة خطر الاضطرابات المدنية وعدم الاستقرار السياسي في البلدان التي لديها إمكانيات عالية للتنمية الاقتصادية. 
تعطي السياسة "أهمية قصوى" لإجراءات التحكم في النمو السكاني والترويج لاستخدام وسائل منع الحمل بين 13 دولة ذات كثافة سكانية عالية للسيطرة على النمو السكاني السريع الذي تعتبره الولايات المتحدة ضاراً بالنمو الاجتماعي والسياسي والاقتصادي لهذه الدول، وللمصالح الوطنية الأمريكية.
كما رأت الوثيقة أن الاقتصاد الأمريكي سيحتاج إلى كميات كبيرة ومتزايدة من المعادن من الخارج، والبلدان التي توفر هذه الثروات يمكن أن تنتج قوات معارضة مزعزعة للاستقرار ضد الولايات المتحدة.
 أوصت المذكرة الأساسية الصادرة في أبريل/نيسان 1974 بدراسة وتقييم:
وتيرة التنمية خاصة في البلدان الأفقر.
الطلب على الصادرات الأمريكية، خاصة الغذاء، والمشاكل التجارية التي قد تواجهها الولايات المتحدة الناجمة عن المنافسة على الموارد.
احتمالية أن يؤدي النمو السكاني أو الاختلالات إلى سياسات خارجية مدمرة وعدم استقرار دولي.
كما أوصت المذكرة بشكل صريح بالتركيز على التداعيات السياسية والاقتصادية الدولية للنمو السكاني بدلاً من الجوانب البيئية أو الاجتماعية أو غيرها.
وضرورة أن تقدم الدراسة التي تبدأها الولايات المتحدة بتطبيق المذكرة؛ مسارات ممكنة للعمل للولايات المتحدة في التعامل مع مسائل السكان في الخارج، وخاصة في البلدان النامية.
فيما طرحت النسخة الأولى من الوثيقة 3 أسئلة هامة أرادت إيلاء اهتمام بها وهي:
ما هي المبادرات الجديدة، إن وجدت، التي تحتاجها الولايات المتحدة لجذب الانتباه الدولي إلى مشكلة السكان؟ 
هل يمكن للابتكارات التكنولوجية أو التنمية أن تقلل من النمو أو تخفف من آثاره؟
هل يمكن للولايات المتحدة تحسين مساعدتها في مجال عدد السكان وبأي طريقة؟
كما أوصى التقرير المفصل الذي استكمل في 10 ديسمبر/كانون الأول 1974 بأن "تؤثر القيادة الأمريكية على القادة الوطنيين" وأن "يتم السعي للحصول على دعم عالمي موسع للجهود المتعلقة بالسكان.
وذكر أنه يمكن القيام بذلك من خلال زيادة التركيز على وسائل الإعلام الجماهيرية وبرامج التعليم والتحفيز السكاني التي تنفذها الأمم المتحدة ووكالة المعلومات الأمريكية (USIA) والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID).
كما تم ذكر الإجهاض كاستراتيجية جيوسياسية عدة مرات في التقرير مع دلالات تشير إلى أنه "لم تخفض أي دولة معدل نمو سكانها دون اللجوء إلى الإجهاض".
معادن الدول النامية التي تحتاجها الولايات المتحدة
يقول الفصل الثالث من التقرير، تحت عنوان "المعادن والوقود" إن الاقتصاد الأمريكي يحتاج إلى كميات كبيرة ومتزايدة من المعادن من الخارج، خاصة من الدول النامية، وهو ما يعزز من اهتمام الولايات المتحدة بالاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي في البلدان الموردة، وضرورة تقليل الضغط السكاني من خلال انخفاض معدلات الولادة التي قد تؤثر على هذا الاستقرار.
اعترف التقرير بأن سياسة السكان ذات صلة بإمدادات الموارد والمصالح الاقتصادية للولايات المتحدة، وقال إن الضغط السكاني ليس العامل الوحيد الذي قد يؤثر على حاجة البلاد من المعادن من الدول النامية، وذكر أن النزاعات والاضطرابات قد تؤثر أيضاً، ولكنها عوامل "أقل احتمالاً بكثير" للتأثير في ظل ظروف النمو السكاني البطيء أو الصفري. 
ما هي الدول المستهدفة؟
ذكرت المذكرة 13 دولة من المتوقع أن تسهم هذه الدول في 47% من إجمالي النمو السكاني العالمي، باعتبارها نماذج تشكل مشكلة بشكل خاص بالنسبة لمصالح الأمن الأمريكي. 
الدول المذكورة في التقرير هي:
الهند
بنغلاديش
باكستان
إندونيسيا
تايلاند
الفلبين
تركيا
نيجيريا
مصر
إثيوبيا
المكسيك
كولومبيا
البرازيل
أهمية فرض الاستراتيجية دون أن تظهر "إكراهاً"
يقول الفصل الأول من الاستراتيجية المفصلة تحت عنوان "الاتجاهات السكانية العالمية" إنه من الضروري "تجنب ظهور الإكراه" وتجنب "ألا تعطي الأنشطة الأمريكية انطباعاً للدول النامية بأنها سياسة دولة صناعية موجهة ضدها".
وأكدت الوثيقة على ضرورة "توخي الحذر" في أي مجالات تدعمها الولايات المتحدة في الدول النامية، وقالت إنه يجب أن يكون قادة "العالم الثالث" في المقدمة، وأن يروا أن برامج تنظيم الأسرة عملت بشكل جيد وتعود بالنفع على الدول.
تكتيكات لتقليل عدد السكان
ركز قسم التوصيات السياسية بالتقرير على مناقشة جانبين أساسيين، وهما وضع استراتيجية سكانية للولايات المتحدة، وإجراءات لخلق ظروف لخفض الخصوبة عالمياً.
 في هذا القسم استفاض التقرير في شرح تأثير النمو السكاني على الإنتاج الزراعي العالمي وفرص توفير الغذاء وفي ظل الظروف العادية، وناقش أيضاً توفير الغذاء لعدد أكبر من السكان في الظروف غير التقليدية مثل حدوث المجاعات.
بعض التوجيهات تضمنت حوافز مثل الدفع للموافقين على التعقيم، واقتراح إنشاء مشاريع المال مقابل التعقيم، السكن مقابل التعقيم، أو التعليم مقابل التعقيم.
كما شملت اقتراح عقوبات مثل خفض مخصصات السكن أو التعليم لأولئك الذين لديهم أسر أكبر.
تم تعيين مارشال جرين كمنسق لشؤون السكان في 3 ديسمبر/كانون الأول 1975. وبعد أقل من أسبوعين صدرت أوامر للسفراء الأمريكيين بتنفيذ سياسات NSDM 314 وتقييم مخاوف النمو السكاني في الدول المضيفة لهم. 
تطورت السياسات المتبناة من NSSM200 وNSDM 314 بشكل أكبر في عام 1976 بعد أن أوصى مجلس الأمن القومي باستخدام خطط حجب الغذاء، واستخدام القوة العسكرية لمنع النمو السكاني.
التشجيع على الإجهاض  
تم ذكر الإجهاض كاستراتيجية جيوسياسية عدة مرات في التقرير، وأفرد قسماً كاملاً للحديث عن الإجهاض وأدواته وضرورة تشجيعه، مع دلالات تشير إلى أنه "لم تخفض أي دولة معدل نمو سكانها دون اللجوء إلى الإجهاض"، أي أنه حل لا مفر منه.