النهار الاخبارية - وكالات
حرب محتملة تلوح في القوقاز في ظل انقلاب في مواقف روسيا وأمريكا تجاه المنطقة، وتزايد اعتداءات الانفصاليين في إقليم ناغورنو قره باغ المدعومين من أرمينيا ضد أذربيجان، وإجراء انتخابات رئاسية بالإقليم أُدينت دولياً.
وبعدما كانت هناك مفاوضات وحديث عن تسويات محتملة، تصاعد التوتر بين أرمينيا وأذربيجان، بعد مقتل أربعة من الجنود الأذربيجانيين واثنين من المدنيين في إقليم ناغورنو قره باغ إثر تدمير مركبات بسبب ألغام أرضية؛ مما دفع حكومة أذربيجان إلى البدء في شن عملية لمكافحة الإرهاب بالإقليم.
وجاء إعلان أذربيجان عن إطلاق عملية لمكافحة الإرهاب في إقليم ناغورنو قره باغ الذي يسيطر عليه الانفصاليون الأرمن، أيضاً بعد إجرائهم انتخابات رئاسية غير شرعية بالإقليم في 9 سبتمبر/أيلول كما تقول باكو إن 10 آلاف من المقاتلين الأمن يتواجدون بالإقليم.
وقالت وزارة الدفاع في باكو، الثلاثاء، إنها ستطلق "أنشطة محلية لمكافحة الإرهاب" من أجل "قمع الاستفزازات واسعة النطاق" في الإقليم. وأظهرت التقارير واللقطات المصورة من ناغورنو قره باغ قصفاً عنيفاً وإطلاق نار في الجيب. ودوت صفارات الإنذار في ستيباناكيرت، العاصمة الفعلية للإقليم الذي أعلن دولة غير معترف بها دولياً حتى من قبل أرمينيا راعيته الفعلية.
وفي وقت سابق اليوم، أعلنت وزارة الدفاع الأذربيجانية بدء اتخاذ إجراءات ضد الإرهاب، من أجل إرساء النظام الدستوري في قره باغ ونزع سلاح وحدات القوات المسلحة الأرمينية وإخراجها من الأراضي الأذربيجانية.
وأفاد بيان صادر عن الوزارة أن التوتر تصاعد بسبب إطلاق قوات غير قانونية تابعة لأرمينيا في منطقة ناغورنو قره باغ الأذربيجانية النار بشكل ممنهج على مواقع الجيش الأذربيجاني في الأشهر القليلة الماضية، ومواصلتها زرع الألغام، وقيامها بأعمال تحصينات.
ودعا بيان آخر لوزارة الدفاع الأذربيجانية المدنيين الأرمن في ناغورنو قره باغ إلى الابتعاد عن الأماكن التي توجد بها منشآت عسكرية للقوات المسلحة الأرمينية وعدم دعمهم.
أذربيجان تعلن عن فتح معابر إنسانية للسكان الأرمن
ويقع إقليم ناغورنو قره باغ ضمن أراضي أذربيجان وهو جزء من أراضيها باعتراف المجتمع الدولي، بما في ذلك أرمينيا، ولكنه خضع للاحتلال الأرميني إثر حرب قامت بين البلدين في مطلع التسعينيات، أدت لاحتلال الإقليم وأراضٍ أذربيجانية أخرى بما فيها مناطق سكانها من الأذربيجانيين جرى طردهم، ثم استعادت باكو في حرب 2020، التي استمرت 44 يوماً، بدعم تركي جزءاً كبيراً من أراضيها بما فيها بعض أراضي ناغورنو قره باغ، ثم توصلت أذربيجان وأرمينيا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بوساطة روسية، ينص على استعادة باكو السيطرة على محافظات محتلة، ولكن أذربيجان تقول إن أرمينيا وانفصاليي قره باغ لم ينقذوا الاتفاق ويواصلون الخطوات الاستفزازية وآخرها إجراء انتخابات رئاسية بالإقليم.
وقالت وزارة الدفاع الأذربيجانية إن العملية لا تستهدف المدنيين ولا البنية التحتية، إنما الأهداف العسكرية المشروعة فقط، وأنها فتحت معابر إنسانية على "ممر لاتشين" لإجلاء المدنيين الأرمن.
وكجزء من تدابير "مكافحة الإرهاب الأذربيجانية تم تعطيل المواقع على الخطوط الأمامية ونقاط إطلاق النار العميقة وطويلة المدى لتشكيلات القوات المسلحة الأرمينية، فضلاً عن الأصول القتالية والمرافق العسكرية باستخدام أسلحة عالية القوة". وقالت الحكومة الأذربيجانية، في بيان لها، إنها استخدمت أسلحة دقيقة.
وهي مستفزة من الانتخابات الرئاسية المزعومة التي أجريت في ناغورنو قره باغ
يأتي ذلك بعد أيام من إجراء انتخابات رئاسية في ناغورنو قره باغ التي أعلنت جمهورية من جانب واحد لم تعترف بها أي دولة في العالم بما فيها أرمينيا.
واعتبرت باكو هذه الانتخابات التي انتقدت دولياً ضربة كبيرة لعملية التطبيع بالمنطقة وجهود الحكومة الأذربيجانية لضمان اندماج الأرمن في "قره باغ" بأذربيجان.
وأوضحت أن ما يسمى الانتخابات كشفت أن أرمينيا والنظام المزعوم الذي أنشأته لا يؤيدان عملية السلام، بل إنهما يسلكان طريق التصعيد.
وأعلن الاتحاد الأوروبي عدم اعترافه بما يسمى الانتخابات التي أجرتها أرمينيا في مناطق سيطرتها بإقليم "قره باغ" الأذربيجاني. وقالت وزارة الخارجية التركية، إن هذه "خطوة لتقويض محادثات السلام، ومظهر جديد للجهود الرامية لإضفاء الشرعية من جانب واحد على الوضع الراهن في المنطقة الذي يتعارض مع القانون الدولي".
باكو تطلب من أرمينيا الانسحاب وحل الكيان التابع لها في الإقليم
وقبل أيام، طالبت أذربيجان أرمينيا بسحب قواتها من ناغورنو قره باغ، وحل الكيان العسكري والإداري لما يسمى النظام التابع لها في الإقليم الأذربيجاني.
جاء ذلك في إحاطة قُدمت للممثليات الدبلوماسية في أذربيجان بمقر وزارة الخارجية في العاصمة باكو بمشاركة مستشار الرئيس الأذربيجاني حكمت حاجييف، وممثل الرئيس للمهام الخاصة ألتشين أميربايوف، ونائب وزير الخارجية فريز رضاييف.
وتم خلال الإحاطة التأكيد أن أرمينيا وما يسمى بالنظام الذي أقامته على الأراضي الخاضعة لسيادة أذربيجان تواصلان الإضرار بعملية التطبيع وترفضان جميع المقترحات الرامية إلى تخفيف التوتر، على الرغم من كل الجهود التي تبذلها أذربيجان من خلال الشركاء الدوليين.
وشددت الإحاطة أن أذربيجان تواجه خطوات استفزازية من الجانب الأرميني، وأن ما يسمى "الانتخابات الرئاسية" في منطقة قره باغ هي إحدى تلك الخطوات الاستفزازية.
أذربيجان تقول إن هناك أكثر من 10 آلاف مقاتل أرميني بالإقليم
وأشارت باكو إلى وجود قوات مسلحة أرمينية تعدادها أكثر من 10 آلاف شخص تابعة لما يسمى النظام في قره باغ، مبينة أن تلك القوات تمتلك أكثر من مائة دبابة ومدرعات أخرى، وأكثر من مائتي مدفعية ثقيلة، بما في ذلك أنظمة صاروخية، وأكثر من مائتي نظام هاون.
وأكدت أن أرمينيا وفرت الدعم التقني والعسكري واللوجستي والمالي لتلك القوات بعكس التزاماتها.
وشددت الإحاطة أنه أصبح من المهم والضروري أكثر من أي وقت مضى إجبار أرمينيا على الابتعاد عن المسار الخطير.
وقالت أذربيجان في بيان لها إنه: "تم إنشاء ممرات إنسانية ونقاط استقبال على طريق لاتشين واتجاهات أخرى لضمان إجلاء السكان من المنطقة الخطرة، وسيتم توفير المساعدة الطبية وغيرها من المساعدات الضرورية للنساء والأطفال والمسنين والمعاقين جسدياً والمرضى، كما سيتم تلبية احتياجاتهم من مياه الشرب والغذاء".
وفي حديثه إلى صحيفة Politico الأمريكية، قال حكمت حاجييف، مستشار السياسة الخارجية للرئيس الأذربيجاني علييف، إن "الهدف هو تحييد البنية التحتية العسكرية"، وأضاف أنه تم إرسال رسائل نصية قصيرة إلى السكان الأرمن المحليين تحذرهم من "إجراءات مكافحة الإرهاب".
وقال حاجييف: "لقد طُلب منهم البقاء بعيداً عن الأهداف العسكرية المشروعة".
في المقابل، تقلل المصادر الأرمينية من مصداقية حديث باكو عن إنشاء ممرات آمنة، وتشيع وسائل إعلام غربية مخاوف مزعومة من سعي باكو لعملية تطهير عرقي للإثنية الأرمينية، في الإقليم، في حين أن الواقع أن المناطق ذات الأغلبية الأذربيجانية هي التي نفذت فيها القوات الأرمينية عمليات تطهير عرقي في الحرب الأولى وطردت منها السكان وهدمت المباني بما فيها المساجد، بينما لم يحدث العكس عندما انتصرت أذربيجان في حرب 2020.
جذور التوتر.. ممر مقابل ممر
ويأتي هذا التصعيد بعد أشهر من المفاوضات غير المثمرة، ووسط تكهنات متزايدة بأن أذربيجان المدعومة من تركيا تستعد لاستخدام القوة لإنهاء الصراع المجمد المستمر منذ عقود (حسب بوليتيكو)، وذلك بعد تعنت أرمينيا في الاستجابة للدعوات الأذربيجانية والتركية لحل الأزمة، وتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بين الجانبين.
وتجدَّد التوتر حين أعلنت باكو في 23 أبريل/نيسان الماضي أنها أقامت أول نقطة تفتيش عند مدخل ممر لاتشين الرابط البري الوحيد بين أرمينيا ومنطقة ناغورنو كارا باخ، وأثار ذلك مخاوف من تجدد المعارك بين البلدين، خصوصاً في ظل تعزيز أذربيجان انتشارها العسكري عند الحدود.
وكان الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة دعوا إلى إعادة فتح ممر لاتشين وأغدام لإيصال المساعدات الإنسانية، فيما تزعم أرمينيا أن منطقة ناغورنو قره باغ تعاني نقصاً في الغذاء والدواء.
وفرضت باكو قيوداً على النقل بالممر؛ بسبب عدم استجابة أرمينيا لدعوات باكو لتطبيق بنود اتفاق وقف إطلاق، بما في ذلك فتح ممر زنغزور للربط بين أراضي أذربيجان الرئيسية وإقليم ناختشيفان الأذري المتمتع بالحكم الذاتي التابع لها والمفصول عنها بالأراضي الأرمينية، إضافة لتهريب الأسلحة والمقاتلين من قِبَل أرمينيا للانفصاليين في إقليم ناغورنو قره باغ.
وفتح ممر زنغزور، هو من ضمن بنود الاتفاق بين البلدين الذي أُبرم بوساطة روسية، ولكنْ هناك اختلاف على تفسير طبيعة الممر.
واتهمت أرمينيا أذربيجان بتأجيج أزمة إنسانية في الإقليم بعد إغلاق الطريق ممر لاتشين؛ حيث توجد قوات حفظ سلام روسية.
ونفت أذربيجان الاتهامات، قائلة إنه يمكن لناغورنو قره باغ تلقي كل الإمدادات اللازمة عبر أراضيها.
وسبق أن دخلت المساعدات للإقليم بعدما أعلن الانفصاليون الأرمن في قره باغ عن موافقتهم على مرور شحنات المساعدات الإنسانية عبر الأراضي التي تسيطر عليها باكو، في أول خطوة نحو وقف التصعيد في المنطقة المضطربة، وهذا يُظهر أنه ليس هناك مشكلة حقيقية في دخول المساعدات طالما دخلت بطريقة ملائمة للأمن القومي لأذربيجان، الدولة صاحبة السيادة على الإقليم.
كما يتجاهل العالم مماطلة أرمينيا في إقامة ممر زنغزور بين أذربيجان وأراضيها في إقليم ناختشيفان الأذري المتمتع بالحكم الذاتي، ولكنه ملاصق لتركيا.
وساطات من أمريكا وأوروبا وروسيا
وتأتي العملية العسكرية الأذربيجانية بعد أشهر من المفاوضات المتعثرة بوساطة من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا، في محاولة لتجنب تكرار حرب 2020.
واستضاف وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن في مايو/أيار الماضي محادثات بين وزيرَي الخارجية الأرميني أرارات ميرزويان والأذربيجاني جيهون بيراموف، في واشنطن لمدة 4 أيام، لم تفضِ إلى أي اتفاق يضع حداً لنزاع مستمر منذ عقود بين الجمهوريتين السوفييتيتين السابقتين.
في ذلك الوقت قال بلينكن إن اتفاقاً للحد من التوتر بين أرمينيا وأذربيجان أصبح "في متناول اليد".
وفي مقابلة مع صحيفة بوليتيكو الأمريكية الأسبوع الماضي، قال رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، إن أذربيجان حشدت أعداداً كبيرة من القوات على الحدود المشتركة بين البلدين، وعلى طول خط الاتصال في ناغورنو قره باغ. وأضاف: "لا يمكن استبعاد سيناريو التصعيد". وبينما أصبحت أذربيجان قادرة بشكل متزايد على الاعتماد على تركيا للحصول على الدعم الاستراتيجي، اشتكى باشينيان من أن روسيا لم تعد في وضع جيد يسمح لها بالعمل كضامن لأمن أرمينيا بعد غزو أوكرانيا.
تركيا تحث أرمينيا على حل المشكلات مع أذربيجان
وكانت العلاقات بين تركيا حليف باكو الأهم وبين أرمينيا قد شهدت تحسناً خلال الفترة الماضية، خاصة بعد زلزال جنوب تركيا في فبراير/شباط 2023، وحثت المسؤولون الأتراك، بمن فيهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، نظرائهم الأرمن على الاتفاق والتطبيع مع أذربيجان وتنفيذ الاتفاقات بما فيه مصلحة الجانبين.
وقبل أيام، أعلن وزير المواصلات والبنى التحتية التركي عبد القادر أورال أوغلو أن بلاده ستبدأ العمل على ممر زنغزور الواقع بين تركيا وأذربيجان، مروراً بأرمينيا "في وقت قريب"، وقال إن أرمينيا أحرزت تقدماً في هذا الصدد، مشيراً إلى متابعة سير الأعمال من قِبل الدول الثلاث.
وفي مايو/أيار 2023، أعلن رئيس أذربيجان "إلهام علييف" الاتفاق مع رئيس وزراء أرمينيا "نيكول باشنيان" على فتح "ممر زنغزور"، عقب لقائهما مع رئيس المجلس الأوروبي "شارل ميشيل"، في بروكسل، وذلك بعد مماطلات متعددة من باشنيان.
الاتحاد الأوروبي غرائزه الدينية مع أرمينيا ومصالحه مع أذربيجان
ولكن من الواضح أن قادة أرمينيا يخضعون لضغوط من القوميين المتطرفين، وكذلك فإن كثيراً من الدول الكبرى والإقليمية المعنية في مصلحتها تأجيج الصراع وإبعاد فرص التطبيع التركي الأذربيجاني مع أرمينيا.
فالأوروبيون رغم حاجتهم للنفط والغاز الأذربيجاني وبالتالي الاستقرار، يسيطر عليهم خطاب ديموغاغي مؤيد للأمن المسيحيين ضد الأذربيجانيين المسلمين، ويظهر في التكهنات بلا أساس عن وجود احتمال لأعمال تطهير عرقي بحق الأرمن، رغم أنهم هم من مارسوا التطهير العرقي بحق الأذربيجانيين، كما يتم تجاهل الاستفزازات الأرمينية.
ويشكل احتمال تجدد الحرب في القوقاز انتكاسة استراتيجية ودبلوماسية كبرى للاتحاد الأوروبي، الذي ظل يتودد إلى أذربيجان باعتبارها حليفاً ومورداً بديلاً للغاز لروسيا.
قامت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بزيارة رسمية إلى أذربيجان في يوليو/تموز الماضي في محاولة لتأمين زيادة صادرات الغاز الطبيعي. ووصفت البلاد بأنها "شريك موثوق وجدير بالثقة"، ووقعت هي والرئيس إلهام علييف مذكرة تفاهم بشأن زيادة التعاون الاقتصادي.
ما يهم أمريكا هو إبعاد أرمينيا عن روسيا
ويبدو أن الأرمن يراهنون على الدعاية لكسب التعاطف الغربي والتحريض ضد تركيا وأذربيجان، كما يراهنون على التقارب مع أمريكا بعد أن تراجع الدعم الروسي لهم.
ولذا كان لافتاً أن أصدرت وزارة الدفاع الأرمينية بياناً مطلع الشهر، كشفت فيه عن تدريب أمني أرميني ـ أمريكي مشترك، يجرى في الفترة الممتدة بين 11 و20 سبتمبر/أيلول الحالي، الهدف منه "رفع مستوى خبرات الوحدات المشاركة في بعثات حفظ السلام الدولية"، وهو ما أثار انتقادات روسية.
كما صرح وزير الخارجية الأذربيجاني، جيهون بيراموف، أن باكو تأمل ألا تستخدم أرمينيا مناوراتها العسكرية الحالية مع الولايات المتحدة لتصعيد التوترات في المنطقة.
ودعا بيراموف أرمينيا إلى عدم القيام باستفزازات على الحدود الأذربيجانية، وعدم تعزيز النزعة الانفصالية على أراضي بلاده.
وقال: "يجب أن يتوقف التمويل وغيره من أشكال الدعم للوجود العسكري غير القانوني لأرمينيا على الفور، ويجب الوفاء بالتزاماتها بموجب الإعلان الثلاثي".
وهناك مؤشرات على أن رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان بات يعطي كتفاً بارداً للكرملين، ويعيد توجيه بوصلة سياسات حكومته نحو بناء علاقة مع الغرب كبديل استراتيجي للتحالف مع روسيا.
ويمكن اعتبار هذه التدريبات، على الرغم من محدوديتها، مؤشراً مهماً على توجه يريفان للابتعاد عن روسيا، لا سيما أنها تأتي بعد تجميد أرمينيا فعلياً التعاون في إطار "منظمة الأمن الجماعي" (تجمع عسكري لدول كانت منضوية في الاتحاد السوفييتي سابقاً بقيادة روسيا)، حيث رفضت، في يناير/كانون الثاني الماضي، استقبال مناورات المنظمة على أراضيها في العام الحالي.
وفي قمة المنظمة التي عُقدت في يريفان العام الماضي، امتنعت أرمينيا عن التوقيع على وثائق مشتركة، مبررة ذلك بأن الحلفاء لم يقدموا لها الدعم الكافي في ملف ناغورنو قره باغ.
تركيا تؤكد وقوفها مع أذربيجان مجدداً
وكانت تركيا الداعم الأبرز لأذربيجان في حرب 2020، ما أدى لاستعادة جزء كبير من أراضيها، خاصة تلك ذات الأغلبية الأذربيجانية، مما ساعد على بدء عودة سكانها الذين طردهم منها الأرمن قبل عقدين، وخلال هذه الحرب، اكتسبت طائرات بيرقدار تي بي 2 التركية شهرتها المدوية؛ حيث دمرت الدبابات وأنظمة الدفاع الجوي الأرمينية الروسية الصنع.
واليوم الثلاثاء، أطلع وزير الدفاع الأذربيجاني ذاكر حسنوف، نظيرَه التركي يشار غولر على معلومات عن التدابير ضد الإرهاب التي يتخذها الجيش الأذربيجاني في منطقة قره باغ، وذلك خلال اتصال هاتفي، بحسب بيان صادر عن وزارة الدفاع الأذربيجانية.
وأكد غولر، خلال الاتصال الهاتفي، أن تركيا تقف اليوم إلى جانب أذربيجان كما كانت دائماً.
إيران تحشد قواتها قرب الحدود مع أذربيجان
وفي تطور لافت أرسل الحرس الثوري الإيراني معدات عسكرية إلى الحدود الشمالية الغربية المحاذية لأذربيجان وأرمينيا، بما في ذلك دبابات ومدفعيات بعيدة المدى إلى المنطقة.
كما ذكرت وكالة تسنيم الإيرانية الرسمية أنه بعد الاتفاق المبرم مع العراق لتأمين الحدود ضد المتمردين الأكراد، تم سحب المعدات العسكرية الموجودة على حدود هذا البلد إلى الحدود الشمالية الغربية المحاذية لأذربيجان وأرمينيا.
ومن المعروف أن طهران تاريخياً تدعم أرمينيا رغم أنها ذات أغلبية شيعية مثل إيران، ولكن الأخيرة تخشى من صعود القومية الأذربيجانية في ظل وجود أقلية أذربيجانية كبيرة في شمال البلاد، إضافة لعلاقة باكو بالولايات المتحدة وتركيا وإسرائيل.
وسبق أن وجَّه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان انتقاداً نادراً في يونيو/حزيران الماضي إلى إيران بأنها هي التي تعرقل إنشاء "ممر زنغزور" الذي يربط بلاده بأذربيجان، وبالتالي يربط بين آسيا وأوروبا، في ظل توترات في ذلك الوقت بين باكو وطهران، وصلت لتلويح ضمني للأخيرة بالحرب، فيما ردت باكو بمناورات مع أنقرة.
يظهر أن الموقف في القوقاز شديد التعقيد، فالغرب قلبه مع أرمينيا المسيحية ومصالحه مع أذربيجان، وإيران تدعم يريفان، بينما روسيا تتقلب بين الاثنتين، وقد يكون العامل الأخطر إضافة لمساومات الدول الكبرى الخطيرة، هو الطابع القومي المتطرف للسياسة الأرمينية، الذي يرفض التسوية وينحو نحو التصعيد دون رؤية ودون حتى مراعاة فارق الإمكانيات بين البلدين، ويراهن على التعاطف الغربي وإشعال العداء ضد الإسلام التركي، ممثلاً في أنقرة وباكو، والأحاديث المستهلكة عن المذابح المزعومة بحق الأرمن.