الجمعة 4 تشرين الأول 2024

ماذا تريد الصين من دول الخليج؟

النهار الاخبارية - وكالات 

لم يغادر الرئيس الصيني، شي جينبينغ، بلاده سوى مرة واحدة منذ بداية جائحة كوفيد-19، وذلك لزيارة كازاخستان وأوزبكستان في سبتمبر/أيلول من عام 2022، بينما زيارته الخارجية الثانية في التي يجريها الآن في السعودية.

وبمناسبة زيارة شي، قررت السعودية استضافة القمة العربية-الصينية الأولى التي عقدت الجمعة، 9 ديسمبر/كانون الأول 2022، والتي وقع خلالها الجانبان عدداً من الاتفاقيات المهمة.

فما الذي تريده الصين؟ وما الذي تريده دول الخليج عموماً، والسعودية على وجه الخصوص؟

يُمكن القول إن أهداف الصين والخليج متطابقة في العديد من المجالات، كما سيتجلى لنا خلال السطور التالية، ما يعني أن القمة ستتمخض عن أوجه تآزر جديدة على الأرجح.

ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يجتمع مع الرئيس الصيني شي جين بينغ في الرياض/ رويترز
إذ إن النقاشات حول اتفاقية التجارة الحرة بين دول الخليج والصين قطعت شوطاً طويلاً وصعباً. لكن دول الخليج أعادت العلاقات فيما بينها خلال عام 2021، واستأنفت العمل ككتلةٍ واحدة. ولم يعد زعماء الخليج والصين يخفون الأمر الآن، حيث يرون في الفترة الحالية توقيتاً مناسباً لاتفاقية التجارة الحرة التي طال انتظارها. بينما قال تشانغ يي مينغ، السفير الصيني في الإمارات، إن المفاوضات حول اتفاقية التجارة الحرة بين دول الخليج والصين دخلت "مرحلتها الحاسمة والنهائية" مؤخراً. كما أضاف السفير الصيني أن الجانبين "اتفقا على غالبية القضايا".

ومن المرجح أن تُسفر مثل هذه الاتفاقية عن منافع متبادَلة ضخمة. إذ كان من المتوقع أن تحل الصين محل الاتحاد الأوروبي كأكبر شريك تجاري لدول مجلس التعاون الخليجي في عام 2020، بعد وصول حجم التجارة المتبادلة بين الصين وتلك الدول إلى 161.4 مليار دولار. ولا شك أن اتفاقية التجارة الحرة ستزيد حجم التجارة الدولية بين الصين وبين الكتلة الخليجية. لهذا من السهل أن نتوقع تجديد المحادثات حول تلك المفاوضات الممتدة منذ فترة خلال القمة، بحسب تقرير لموقع ميدل إيست آي البريطاني.

تسعير النفط باليوان

ناقشت بكين والرياض فكرة استخدام عقود النفط المسعَّرة باليوان في عدة مناسبات سابقة على مدار السنوات الـ6 الماضية، ولا شك أن القمة ستُتيح الفرصة لتجديد تلك المحادثات بتركيزٍ أكبر.

ومن المؤكد أن جهود الصين لتدويل عملة اليوان ستستفيد بشراكة الرياض الجذابة. إذ تشتري بكين أكثر من 25% من صادرات المملكة النفطية، وإذا جرى تسعير تلك الصفقات باليوان الصيني، فسوف يساعد النفط السعودي على تعزيز مكانة الرنمينبي الصيني كعملةٍ عالمية.

علاوةً على أن مثل هذه الخطوة ستُعَدُّ بمثابة سابقة، وربما تُحفز الدول الأخرى الغنية بالنفط على أن تحذو حذو الرياض وتُسعِّر صادراتها باليوان.

لكن من الضروري توخي الحذر عند دراسة مثل هذه السيناريوهات، لأن الدولار يحافظ على مكانته كعملة افتراضية لأسواق الطاقة منذ زمنٍ بعيد. فضلاً عن أن الريال السعودي مربوط بالدولار الأمريكي، مما يعني أن أي ضعفٍ يُصيب الدولار الأمريكي سيؤثر على الرياض بنهاية المطاف أيضاً.

أسعار النفط
أسعار النفط تسجل تراجعاً متأثرة باحتجاجات في الصين – Getty Images
وربما تكون المملكة مترددةً في فكرة مراكمة كميات كبيرة من الرنمينبي الصيني، لكن العقوبات الصارمة ضد روسيا أضعفت المخاوف القديمة المرتبطة بنظام التجارة القائمة على الدولار. ونتيجةً لذلك، من المحتمَل أن تتطلع دول مثل السعودية لتقليل اعتمادها على الدولار.

وتحظى بكين بفرصةٍ مثالية لتدويل اليوان عن طريق تقديم الحوافز الجذابة للمملكة، مثل المشاركة باستثمارات مهولة في مشروعات السعودية الضخمة والطموحة. ومن المؤكد أن تجديد النقاش حول إبرام صفقات النفط بالبترويوان (عملة تجارة النفط الصينية) سيمثل دلالة على تقويض أعراف النظام العالمي الذي تُهيمن عليه الولايات المتحدة، وذلك لصالح البدائل الجديدة.

بينما تُعتبر توسعة مجموعة بريكس، المؤلفة من 5 دول، واحدة من المجالات الأخرى التي تتوافق فيها أهداف دول الخليج مع مصالح بكين. إذ أعلن وزير الخارجية الصيني وانغ يي مؤخراً عن فكرة "بريكس بلس"، التي تمثل إطار عمل يلخص نية المجموعة فتح أبوابها لأعضاءٍ جدد.

وسارعت السعودية والإمارات للتعبير عن رغبتهما في الانضمام لبريكس بلس. وإلى جانب المحادثات حول اتفاقية التجارة الحرة وتسعير الدولار بالبترويوان، من المتوقع كذلك أن يجري نقاش مسألة بريكس بلس خلال القمة العربية-الصينية.

تنويع الاقتصاد

قبيل الكشف عن خطة الإصلاح المعروفة باسم "رؤية 2030" في عام 2016، صرح بن سلمان قائلاً: "هناك ما يشبه حالة الإدمان النفطية في السعودية".

ولا خلاف على أن "رؤى" الخليج تتشابه فيما بينها، حيث وضعت كل واحدةٍ من دول الخليج الست استراتيجيتها الخاصة لتنويع الاقتصاد الوطني، والابتعاد عن الاقتصاد القائم على النفط.

إذ أطلقت قطر خطة "رؤية قطر الوطنية 2030″، التي توازي "رؤية الكويت 2035″، و"رؤية عمان 2040″، و"الرؤية الاقتصادية 2030" في البحرين، ورؤية "نحن الإمارات 2031".

ويعتبر القطاع البحري من أهم مجالات عملية تنويع الاقتصاد، بالإضافة إلى تشييد البنية التحتية للموانئ، وتطوير قطاع قوي في مجال التقنية العالية. ولهذا تتمتع مبادرة الحزام والطريق الصينية بموقع متميز لمساعدة الخليج على التعافي من "إدمان النفط"، وذلك بفضل الفرص التي توفرها على صعيد البنية التحتية والتقنية.

حيث تلعب تقنية الجيل الخامس الصينية دوراً أساسياً في مساعدة الإماراتيين والسعوديين على تطوير "موانئهم الذكية" وتحسين كفاءة العمليات.

وتبني شركة السيارات الذكية الصينية NWTN منشأةً لتصنيع السيارات الكهربائية في أبوظبي مثلاً. أما مدينة دبي المستقبلية المجاورة، فشهدت أول إطلاقٍ رسمي للسيارة الطائرة الخاصة بشركة Xpeng Aeroht الصينية في أكتوبر/تشرين الأول من العام الجاري. وأصبحت تلك التقنيات المستقبلية واقعيةً بدرجةٍ متزايدة في الخليج، ومن المرجح أن ترتقي القمة بأوجه التآزر الاقتصادي في تلك المجالات إلى مستويات أعلى.

تطوير التعاون العسكري

في بيان مشترك، يوم الجمعة، 9 ديسمبر/كانون الأول 2022، أكدت الصين والسعودية، عزمهما على تطوير التعاون والتنسيق في المجالات الدفاعية، وبذل الجهود المشتركة في الدفاع عن مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

وجاء في البيان الذي صدر في ختام القمة الصينية السعودية: "رحبت جمهورية الصين الشعبية بدور المملكة في دعم توازن واستقرار أسواق البترول العالمية، وكمصدّر رئيسي موثوق للبترول الخام إلى الصين".

وشدد الجانبان على "أهمية مواصلة إعطاء الأولوية للعلاقات السعودية-الصينية في علاقتهما الخارجية، ووضع نموذج من التعاون والتضامن والمنفعة المتبادلة والكسب المشترك للدول النامية".

كما أكدا على أهمية تعميق التعاون المشترك في مبادرات "الحزام والطريق"، والترحيب بانضمام المؤسسات السعودية المعنية إلى شراكة الطاقة والاستثمارات المختلفة في إطار "الحزام والطريق"، وتعزيز موقع السعودية كمركز إقليمي للشركات الصينية لإنتاج وتصدير منتجات قطاع الطاقة، بالإضافة إلى الاستثمار المشترك في مشاريع الطاقة في دول المنطقة والدول المستهلكة لمنتجات الطاقة في أوروبا وإفريقيا.

وفي الجانب العسكري، أكد الجانبان عزمهما على تطوير التعاون والتنسيق في المجالات الدفاعية، وتعزيز ورفع مستوى تبادل المعلومات والخبرات في مجال مكافحة الجرائم المنظمة، بما فيها جرائم الإرهاب والعمل على الوقاية من العنف والتطرف، وتعزيز التعاون وتنسيق الجهود وتبادل الخبرات في مجالات الإنذار الاستخباراتي المبكر وتقييم المخاطر الأمنية، ومكافحة الجرائم المعلوماتية، بما يخدم ويحقق المصالح المشتركة للبلدين، كما أشادا بمستوى التعاون الأمني بين البلدين الصديقين في مجال مكافحة الإرهاب وتمويله.

الجانبان شددا مجدداً على مواصلة دعم المصالح الجوهرية لبعضهما بثبات، ودعم كل جانب الجانب الآخر في الحفاظ على سيادته وسلامة أراضيه، وبذل جهود مشتركة في الدفاع عن مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وغيره من قواعد القانون الدولي والمبادئ الأساسية للعلاقات الدولية. وأكد الجانب السعودي مجدداً على الالتزام بمبدأ الصين الواحدة.