النهار الاخبارية - وكالات
أصدرت دولة جنوب إفريقيا حصانة دبلوماسية شاملة لجميع القادة الذين يحضرون قمة "بريكس" المزمع عقدها في أغسطس/آب القادم، مما يعني أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد يكون قادراً على السفر إلى جوهانسبرغ دون أن يخشى مذكرة المحكمة الجنائية الدولية لاعتقاله.
وفي الوقت الذي تناولت فيه مواقع أخبارية أن هذه الحصانة الدبلوماسية ستحمي الرئيس الروسي من الاعتقال، فإنّ مسؤولين جنوب إفريقيين أكدوا أن هذه الحصانة التي صدرت بشكل رسمي قد لا تشمل مذكرة التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، وأن جنوب إفريقيا قد تكون تحت الضغط للقبض على بوتين، وفقاً لما ذكرته صحيفة The Guardian البريطانية،
ما هي الحصانة الدبلوماسية، وما مميزاتها، وهل يمكن فعلاً أن تحمي الرئيس الروسي من مذكرة الاعتقال الدولية؟
ما هي الحصانة الدبلوماسية؟
الحصانة الدبلوماسية هي مبدأ من مبادئ القانون الدولي لا يخضع بموجبه المسؤولون الحكوميون الأجانب للاختصاص القضائي للمحاكم المحلية والسلطات الأخرى.
بدأ مفهوم الحصانة مع القبائل القديمة، من أجل تبادل المعلومات، سُمح للرسل بالسفر من قبيلة إلى أخرى دون خوف من الأذى، فقد كانوا محميين حتى عندما جاؤوا بأخبار سيئة.
اليوم، تحمي الحصانة قنوات الاتصال الدبلوماسي من خلال إعفاء الدبلوماسيين من الولاية القضائية المحلية حتى يتمكنوا من أداء واجباتهم بحرية واستقلال وأمن.
في حين تهدف الحصانة الدبلوماسية إلى ضمان أن المسؤولين الأجانب يمكنهم أداء وظائفهم.
ووفقاً لما ذكرته البوابة العالمية للدبلوماسيين e Diplomat، فإنّ الاتفاق على الحصانة الدبلوماسية كقانون دولي تمَّ في مؤتمر فيينا للعلاقات الدبلوماسية الذي عقد في 1961، وقد وقع عليها أكثر من 160 دولة، من بينها جنوب إفريقيا.
وتنص الاتفاقية على حصانة للأشخاص حسب رتبهم في البعثة الدبلوماسية أو المركز القنصلي وحسب الحاجة إلى الحصانة في أداء واجباتهم.
على سبيل المثال، يتمتع الدبلوماسيون وأفراد عائلاتهم المباشرون بالحصانة من جميع الدعاوى الجنائية ومعظم دعاوى القانون المدني.
الموظفون الإداريون والفنيون في السفارات لديهم مستوى أقل من الحصانة.
الموظفون القنصليون العاملون بالقنصليات في جميع أنحاء البلاد يتمتعون بمستوى أقل من الحصانة.
ووفقاً لما ذكرته شركة الخدمات القانونية الأمريكية LegalZoom، فإنّ الحصانة الدبلوماسية تحمي موقع البعثة الدبلوماسية من البحث، كما يتمتع الموظفون الدبلوماسيون بالحصانة من الملاحقة الجنائية، إضافة إلى ما يلي:
لا يجوز القبض على الشخص الذي يمتلك حصانة دبلوماسية أو احتجازه.
لا يجوز دخول مسكنه أو تفتيشه.
لا يجوز استدعاؤه كشاهد.
لا يجوز مقاضاته.
ومع ذلك، لا يزال يتعين على أولئك المحميين "احترام قوانين وأنظمة الدولة المستقبِلة، في حين يمكن للبلد الأصلي إلغاء حصانة الدبلوماسي والسماح للبلد المضيف بالمقاضاة".
ولكن ماذا بالنسبة للحصانة الدبلوماسية التي يتمتع بها رئيس دولة؟
حصانات الدبلوماسيين والموظفين القنصليين منصوص عليها بوضوح في اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية واتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية، ولكن على النقيض من ذلك فإنّ الحصانات من المسؤولية الجنائية والمدنية لرؤساء الدول وكبار المسؤولين الحكوميين (مثل وزير الخارجية) منصوص عليها في القانون الدولي العرفي، وليس المعاهدات أو الاتفاقيات.
الاستثناء هو اتفاقية الأمم المتحدة للبعثات الخاصة لعام 1969 التي تذكر، في المادة 21، أن رؤساء الدول يتمتعون "بالامتيازات والحصانات التي يمنحها القانون الدولي لرؤساء الدول في زيارة رسمية"، لكنها لا تقدم مزيداً من التفاصيل.
وبالتالي، فإن الطبيعة الدقيقة للحصانات الدبلوماسية للرؤساء ونطاقها غامضان تماماً.
إن الغموض الذي يكتنف حصانات رؤساء الدول يمكن رؤيته بشكل واضح، من خلال التناقض بين قرارات محكمة العدل الدولية ومجلس اللوردات في المملكة المتحدة.
على سبيل المثال في القضية المتعلقة بأمر الاعتقال الدولي الصادر في 11 أبريل/نيسان 2000 من قبل بلجيكا ضد وزير خارجية الكونغو "عبد الله يروديا" ومحاكمته بتهمة الحث على إبادة الشعب التوتسي بالحرب الأهلية في رواندا.
فقد رأت محكمة العدل الدولية في لاهاي، أن رؤساء الدول والمسؤولين الرفيعين يتمتعون بالحصانة تجاه جميع الأفعال التي يرتكبونها خلال فترة وجودهم في السلطة، وضمن ذلك التعذيب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، وفقاً لما ذكرته منظمة Diplomacy edu وهي منظمة سويسرية-مالطية غير حكومية متخصصة بالعلاقات الدولية والدبلوماسية.
في الوقت ذاته، توصل مجلس اللوردات بالمملكة المتحدة البريطانية إلى نتيجة مختلفة تماماً عن محكمة العدل الدولية فيما يتعلق بالإجراءات التي قام بها الجنرال أوغستو بينوشيه في تشيلي، حيث وجد أن طبيعة الأفعال (القتل الجماعي والتعذيب) لا يمكن منطقياً اعتبارها أفعالاً رسمية، ولذلك لم يكن لبينوشيه الحق في الحصانة بمحاكم المملكة المتحدة.
هل يمكن اعتبار الحصانة الدبلوماسية ثغرة قانونية لعدم اعتقال بوتين؟
بصفتها عضواً في المحكمة الجنائية الدولية، فإن جنوب إفريقيا ملزمة باعتقال بوتين إذا حضر الحدث، ومع ذلك، أشارت الدولة الإفريقية إلى أن الرئيس البالغ من العمر 70 عاماً، سيكون محمياً بالحصانة الدبلوماسية، التي قالت الحكومة إنها روتينية.
ووفقاً لما ذكرته صحيفة The Guardian البريطانية، فإنّ رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا، عيّن لجنة وزارية برئاسة نائبه بول ماشاتيل، للنظر في كيفية تطبيق القانون على زيارة الرئيس الروسي، إذ تبحث الحكومة في صياغة قانون روما الأساسي، وهو الميثاق الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية، للعثور على ثغرة من شأنها أن تمكن بوتين من الحضور دون أن تضطر جنوب إفريقيا إلى اعتقاله.
وتنص المادة 98 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على ما يلي:
"لا يجوز للمحكمة أن توجه طلب تقديم أو مساعدة يقتضي من الدولة الموجه إليها الطلب أن تتصرف على نحو يتنافى مع التزاماتها بموجب القانون الدولي فيما يتعلق بحصانات الدولة أو الحصانة الدبلوماسية لشخص أو ممتلكات تابعة لدولة ثالثة، ما لم تستطع المحكمة أن تحصل أولاً على تعاون تلك الدولة الثالثة من أجل التنازل عن الحصانة".
ويقول البعض إن هذه الصياغة توفر لجنوب إفريقيا فرصة لدعوة بوتين وليس عليها أي التزام باعتقاله.
ووقع خلاف مماثل في عام 2005 عندما جاء الرئيس السوداني آنذاك عمر البشير إلى جنوب إفريقيا، والذي سرعان ما غادر الدولة؛ حيث أصبح من المحتمل بشكل متزايدٍ أن المحكمة العليا في جنوب إفريقيا كانت على وشك الحكم بضرورة اعتقاله.
يذكر أنّ المحكمة الجنائية الدولية كانت قد أصدرت مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي في مارس/آذار الماضي، بشأن جرائم حرب مزعومة في أوكرانيا وأيضاً ترحيل أطفال قسرياً من أوكرانيا إلى روسيا.
فيما تستضيف جنوب إفريقيا قمة مجموعة بريكس بمشاركة كل من: "البرازيل والصين والهند وروسيا وجنوب إفريقيا"، في أغسطس/آب القادم، ومن المقرر عقد اجتماع تخطيطي لمدة يومين لوزراء الخارجية يوم الخميس.