الجمعة 4 تشرين الأول 2024

لماذا يجب أن يأخذ العالم تهديدات بوتين النووية بجدية هذه المرة؟

النهار الاخبارية - وكالات 

هل ينفذ بوتين وعيده ويستخدم الأسلحة النووية ضد أوكرانيا هذه المرة؟ فرغم أن هذا لم يكن التلويح النووي الأول للرئيس الروسي بهذه الأسلحة، إلا أن حديثه النووي الأخير يأتي في وقت تتجه الأمور فيه للتصعيد بشكل يهدد الأراضي الروسية، وقد يضعه في مأزق حقيقي أمام شعبه.

فرغم أن الرئيس الروسي لم يهدد صراحة باستخدام الأسلحة النووية ضد أوكرانيا، إلا أنه حذر من أن خطر الحرب النووية قد يتصاعد، وهو ما يبدو تهديداً مبطناً أو مهذباً، يستطيع التنصل منه إن شاء، ويشبه تهديداته قبل غزو أوكرانيا التي لم يعلن فيها صراحة نيته مهاجمة كييف ثم انتهت بمهاجمته لها.

وفي اجتماع مع أعضاء مجلس حقوق الإنسان في روسيا، أمس الأربعاء، قال بوتين إن بلاده تنظر إلى أسلحة الدمار الشامل بوصفها أسلحة دفاعية مخصصة فقط لحماية روسيا وحلفائها، إن استراتيجية الجيش الروسي تنص على استخدام أسلحة الدمار الشامل رداً على هجوم، "وهذا يعني أنه إذا تم توجيه ضربة ضدنا، سنرد عليها بضربة"، مضيفاً أن روسيا تنظر إلى الأسلحة النووية بوصفها "رادعاً طبيعياً".

وكان لافتاً أيضاً إرجاء روسيا مؤخراً إلى أجل غير مسمى محادثات ثنائية بشأن الحد من الأسلحة النووية كان من المقرر عقدها في القاهرة، متهمة الولايات المتحدة بمناصبتها العداء.

لماذا يكتسب حديث بوتين عن الأسلحة النووية أهمية خاصة هذه المرة؟
جاء تلويح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذه المرة، في مرحلة خطيرة من الحرب، ودخول أشكال خطيرة من العمليات والأسلحة بين الطرفين، تشهد تصعيداً متسلسلاً من قبل الطرفين، وتراجع الحديث عن فرص التسوية.

فلقد جاء تصريح بوتين بعد تصعيد أوكراني غير مسبوق بمهاجمة ثلاث قواعد جوية روسية بعضها يقع في موقع ليس ببعيد عن موسكو.

وقالت وزارة الدفاع الروسية إن الضربات التي استهدفت قاعدتين جويتين، يوم الإثنين، تلاها هجوم على مطار يوم الثلاثاء، نفذتها طائرات مسيرة أوكرانية زعمت أن الدفاعات الجوية الروسية أسقطتها. 

وتشير الصور، سواء الأقمار الصناعية أم الصور، إلى بعض الأضرار التي لحقت بالطائرات العسكرية الروسية في قاعدة واحدة في منطقة ريازان، حسبما ورد في تقرير لشبكة CNN الأمريكية.

وإحدى القواعد تضم قاذفات استراتيجية تمثل فخر القوات العسكرية الروسية، وجزءاً من الثالوث النووي المرعب لموسكو، الذي يفترض أن يردع أعداءها، كما تضم القاعدة طائرات صهاريج وقود وهي تمثل أهمية بالغة لروسيا، لأنها أصول مهمة لعملياتها الجوية ضد أوكرانيا، وهي نادرة لدى القوات الجوية الروسية ويصعب استبدالها في ظل الإمكانيات الصناعية الروسية.

الهجمات الأوكرانية محاولة لردع روسيا عن القصف الصاروخي
ويعتقد أن الهجمات الأوكرانية استخدمت طائرات مسيرة، وهو أمر له دلالة خطيرة، لأنه يعني أن كييف قادرة على استهداف موسكو والأصول الاستراتيجية والعسكرية في قلب روسيا.

ويلقي الهجوم الضوء على برنامج الطائرات دون طيار الأوكراني الجديد، حيث أشارت شركة Ukroboronprom المصنعة للأسلحة المملوكة للحكومة الأوكرانية عدة مرات في الأسابيع القليلة الماضية إلى أنها على وشك الانتهاء من العمل على طائرة دون طيار جديدة بعيدة المدى.

وجاء الهجوم الأوكراني الجريء على ما يبدو رداً على الهجمات الروسية الواسعة، على البنية التحتية الأوكرانية، وخاصة محطات توليد الطاقة.


وقد يفتح تطور برامج إنتاج المسيرات الأوكرانية (بدعم أمريكي على الأغلب) الباب لتجرؤ الأوكرانيين أكثر على الهجوم على أراضي روسيا، رداً على الهجمات الصاروخية. 

فمن الواضح أن كييف تريد مقايضة وقف الهجمات على روسيا مقابل وقف الأخيرة لهجماتها الصاروخية على البنية التحتية الأوكرانية، وهي الهجمات التي يبدو أن موسكو تنفذها للضغط على كييف لإبرام هدنة أو وقف إطلاق نار، والدخول في مفاوضات، قد لا تفضي لشيء غالباً، ولكنها على الأقل سوف توقف الحرب التي أصبحت مستنزفة لروسيا ومحرجة لها، وسوف تضمن بقاء الأراضي الأوكرانية التي سيطرت عليها تحت أيديها، حتى لو يتم الاعتراف بضمها من قبل أوكرانيا أو المجتمع الدولي.

روسيا تزيد الضغط العسكري لتحقيق وقف إطلاق نار، ولكن كييف ترفض
في المقابل، يبدو أن أوكرانيا ترفض الدخول في المفاوضات حتى رغم إبداء الغرب لرغبته في ذلك، لأن طموحها زاد بعد الانتصارات الأخيرة في خاركييف في الشمال الشرقي، والانتصار الأكبر في الجنوب الذي أدى لانسحاب الروس من مدينة خيرسون المدينة الرئيسية الأوكرانية الوحيدة التي سيطرت عليها منذ بداية الحرب، وهي التي تمثل أهمية بالغة بسبب قربها من شبه جزيرة القرم.

لا يبدو الأوكرانيون واضحين في تحديد متى يتوقفون، فهم أحياناً يلمحون إلى هدفهم تحرير كافة أراضيهم، بما فيها شبه جزيرة القرم، بل وصل الأمر بالرئيس فولوديمير زيلينسكي لإصدار مرسوم بعدم التفاوض مع روسيا في ظل حكم بوتين.

والبعض في الغرب يريد استمرار الحرب لأسباب خاصة لا علاقة لها بأوكرانيا
ومن الواضح أن هناك من في الغرب، خاصة في الولايات المتحدة وأوروبا الشرقية، من يرى أن هناك فوائد من استمرار الحرب رغم ظهور مؤشرات على أن الأوكرانيين يصعب عليهم تحقيق انتصارات مماثلة لما تحقق في خاركييف، وخيرسون.

وهذه فوائد في الأغلب لن تكون لصالح كييف بتحرير مزيد من أراضيها، بل ستكون للغرب ولاسيما الولايات المتحدة ودول شرق أوروبا بمزيد من الاستنزاف للقوة العسكرية الروسية، وخاصة القوة الصاروخية وغيرها من الذخائر.

ويعني احتمال استمرار الحرب، أن الغرب قد عاد لهدفه الأول الذي عبّر عنه وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، في أبريل/نيسان 2022، بقوله إنه يريد "رؤية روسيا ضعيفة إلى الحد الذي لا يمكنها فيه القيام بأشياء مثل غزو أوكرانيا أو استهداف دولة أوروبية شرقية أخرى".

هل يقدم الناتو الباتريوت لكييف؟ وكيف سيؤثر ذلك على الحرب؟
ولكنّ هناك تطوراً مهماً آخر، قد يكون قد دفع بوتين للتلويح بالنووي، إضافة أوكرانيا لقصف قلب روسيا، وهو بحث حلف الناتو تزويد أوكرانيا بصواريخ باتريوت.

فلقد حذر ديمتري ميدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، قبل أيام، حلف شمال الأطلسي من تزويد أوكرانيا بأنظمة باتريوت الصاروخية، مؤكداً أن الأنظمة ستصبح هدفاً مشروعاً للقوات الروسية".

وجاء ذلك تعليقاً على إعلان أمين عام الناتو ينس ستولتنبرغ بأن الحلف، الذي بدأ اليوم اجتماعاً مهماً في بوخارست، يبحث إمكانية نقل أنظمة الدفاع الجوي من طراز باتريوت إلى أوكرانيا.

وفي نموذج للطبيعة المتصاعدة للحرب، فلقد أدت انتصارات كييف لقصف روسي على البنى الأوكرانية، والتي أدت لرد أوكراني في عمق موسكو، ووفرت للغرب المبرر لبحث تقديم صواريخ باتريوت لكييف، وهي الخطوة التي ستمثل نقلة خطيرة في الحرب، وقد تؤدي لمأزق عسكري روسي قد يدفع موسكو لتصعيد خطير، بما في ذلك إمكانية استخدام الأسلحة النووية.

وتحمي منظومة باتريوت (Patriot) المنشآت العسكرية والقواعد الجوية من الهجمات الجوية، وأساس عملها الدفاع على المدى البعيد، وتستطيع إصابة أهداف جوية على نطاق 160 كيلومتراً، والصواريخ الباليستية على مدى 75 كيلومتراً.

ويوصف هذا النظام الأمريكي متوسط ​​إلى بعيد المدى بأنه المعيار الذهبي للدفاع الجوي والصاروخي. تم استخدامه من قبل 12 دولة، فقد تم ترقيته باستمرار منذ تقديمه لأول مرة في الستينيات، وأثبت نجاحه في عمليات قتالية متعددة. نظراً لأنه قيد الإنتاج حالياً الواسع حالياً، فسيكون نظاماً فارقاً بالنسبة للدفاع الجوي الأوكراني.

العقبة هي أن باتريوت معقد للغاية، مع رادار متطور وبالتالي تدريب المشغلين وإنشاء نظام صيانة سيستغرق سنوات، على سبيل المثال تستغرق دورة تدريب مصلح نظام باتريوت 53 أسبوعاً.

وهذا يجعله غير مناسب للنقل لأوكرانيا على المدى القريب، ولكن الأمريكيين يمكن أن يكونوا تدريب الأوكرانيين عليه قبل أشهر، كنوع من الإجراء الاحتياطي، وبالتالي هذ قد يسهل نقله أو أنهم يلوحون بباتريوت على روسيا لوقف هجماتها الصاروخية.

واشتهر نظام باتريوت بالأساس خلال حرب الخليج الثانية التي نشبت عام 1991، في أعقاب الغزو العراقي للكويت، ورغم أن بعض الصواريخ العراقية قد استطاعت تخطيه وإصابة أهداف في إسرائيل والسعودية في ذلك الوقت، ولكن باتريوت أسقط معظم الصواريخ العراقية التي كانت غالبيتها سوفييتية الصنع أو التصميم.

ورغم أن أغلب الصواريخ الروسية الحالية أكثر تقدماً وسرعة من صواريخ سكود التي استخدمها العراق، إلا أن منظومة باتريوت تطورت أيضاً خلال تلك الفترة، كما أن الروس بدأوا يلجأون لصواريخ قديمة.

وفي ضوء نجاح الأوكرانيين الجزئي، في إسقاط عدد من الصواريخ الروسية بأنظمة إس 300 السوفيتية القديمة، فإن وجود أنظمة NASAMS الأمريكية النرويجية المتوسطة، وإذا أضيفت لها باتريوت، سيزيد فرص إسقاط الصواريخ الروسية.

لن توقف هذه الأنظمة الصواريخ الروسية تماماً ولكن قد تقلل من تأثيرها التدميري وما تمثله من ضغط على الرأي العام الأوكراني، وستضطر موسكو للجوء لترسانتها المحدودة من الصواريخ الأكثر تقدماً، وخاصة الصواريخ فرط صوتية (لمراوغة باتريوت)، والتي يفترض أنها كانت مخصصة في الأصل للحرب مع أمريكا، ولحمل أسلحة نووية.

وهو ما يعني إضعاف ورقة الضغط الأساسية لموسكو في الحرب الأوكرانية حالياً، وهي الهجمات الصاروخية، بل وإضعاف القوة الصاروخية الروسية عامة، واستنزافها واستخدام أفضل أسلحتها التي كان يفترض أنها مخصصة لأمريكا في  حرب مع قوة إقليمية متوسطة.

هذا الوضع قد يمثل مشكلة كبيرة لروسيا، لأن قدرة أوكرانيا على إسقاط رشقات الصواريخ الروسية قد يشجعها على توسيع عملياتها العسكرية البرية، دون خوف من الانتقام الروسي، خاصة لو تلقت دعماً غربياً، في ظل دعوات في الغرب لمنح كييف دبابات أبرامز الأمريكية.

وإذا حققت كييف نجاحاً مماثلاً لما تحقق في خيرسون، سيمثل ذلك مشكلة لبوتين؛ لأنه قد يشجع أوكرانيا على استهداف القرم، التي قال بوتين عنها يوماً إن مكانتها لدى الروس تعادل القدس للعرب واليهود، كما أنه حتى المعارضين الروس، يعتبرونها جزءاً من روسيا.

قد يعني عودة الزخم للعمليات البرية الأوكرانية أن بوتين قد يضطر لاستدعاء ثانٍ للاحتياط، وهي التجربة التي مثلت أكبر تحد لشعبيته.

وفي الأغلب فإن بوتين لا يريد استخدام الأسلحة النووية، ولكن لو شعر أن أراضي روسيا نفسها في خطر، أو حكمه على المحك، فإنه قد يقدم على هذه الخطوة.

وفي المقابل فإن الأمريكييين سبق أن قالوا إنهم وجهوا تحذيراً من عواقب وخيمة لروسيا إذا استخدمت أسلحة نووية ضد أوكرانيا، ورفضوا الإفصاح عنها، ولكن من الواضح أن الرد الأمريكي قد ينزلق بالأمور إلى حرب بين الناتو وموسكو، وهي حرب قد تتحول بسهولة لحرب نووية عالمية.