الجمعة 29 تشرين الثاني 2024

لقاء أردوغان- بن سلمان المرتقب.. خاشقجي شرط السعودية والاقتصاد أولوية تركيا


النهار الاخباريه وكالات 

 

والاثنين، كشف أردوغان أنه من المقرر أن يزور المملكة العربية السعودية شهر فبراير/شباط المقبل، في زيارة لو تمت ستكون الأولى من نوعها على هذا المستوى بين البلدين عقب سنوات من الخلافات الثنائية الحادة والتنافس الإقليمي، وجرى إعلان الزيارة التي لم تؤكد بعد من الجانب السعودي عقب أسابيع من التكهنات المختلفة حول قرب إعادة تطبيع العلاقات بين البلدين.
تصريح أردوغان وعلى الرغم من أنه جاء في إطار حديث جانبي وغير مترابط، إلا أنه فهم منه أنه تلقى دعوة من السعودية لزيارة المملكة عندما قال "ينتظرني في شباط/فبراير (يعتقد أنه قصد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان)، لقد قدم وعداً، وبالتالي سوف أزور السعودية في شباط/فبراير المقبل”. وفي ظل عدم وجود معطيات كافية من الجانبين فمن الصعب الجزم ما إن كان اللقاء في حال انعقاده جاء برغبة تركية أو سعودية بحتة أم برغبة مشتركة من الجانبين.
فمن الجانب التركي، لا تخفي أنقرة على الإطلاق رغبتها في العودة إلى سياسة "صفر مشاكل” عبر إنهاء الخلافات وإعادة تطبيع العلاقات مع الكثير من دول المنطقة، فإلى جانب الاختراق الكبير الذي جرى في مسار تحسين العلاقات مع الإمارات، تجرى مساع مشابهة مع البحرين ومصر وإسرائيل وخطوات تاريخية مع أرمينيا وغيرها من الدول، وبالتالي فإن السعودية تمثل أولوية أيضاً لتركيا في هذه المساعي لأهميتها الإقليمية والاقتصادية.

أما المحفز الآخر وهو الاقتصاد، فإنه يمثل أولوية كبيرة للحكومة التركية التي تسعى لتحقيق مزيد من المكاسب الاقتصادية من خطواتها السياسية، حيث تعرض الاقتصاد التركي لهزات كبيرة جداً نتيجة انتشار جائحة كورونا والخلافات السياسية في المنطقة التي خلفت مقاطعات اقتصادية والتكاليف المرتفعة للمعارك العسكرية التي دخلها الجيش التركي تباعاً في سوريا وليبيا وقره باغ وشمالي العراق سواء بشكل مباشر أو غير مباشر والتراجع الكبير في سعر صرف الليرة أمام الدولار الأمريكي، وغيرها من التحديات الاقتصادية.

وعلى الرغم من أن الكثير من الخلافات السياسية لم تؤثر على الملفات الاقتصادية كما هو الحال مع مصر والإمارات وإسرائيل حيث ارتفع حجم التبادل التجاري بين تركيا وهذه الدول رغم الخلافات السياسية، فإن الوضع مع السعودية لم يكن على هذا النحو، حيث طبقت الرياض مقاطعة شاملة -غير رسمية- على المنتجات التركية، ليصل حجم الواردات السعودية من تركيا إلى قرابة الصفر بعدما اقترب في بعض السنوات من حاجز الـ5 مليارات دولار.
وقبل أيام، عبر اقتصاديون ومغردون أتراك عن غضبهم بعدما كشفت بيانات هيئة الإحصاء التركية عن أن الصادرات التركية إلى السعودية انخفضت إلى مستويات قياسية غير مسبوقة، فبعدما وصلت إلى 3.2 مليار عام 2019، انخفضت إلى 189 مليون دولار فقط عام 2021، في المقابل حققت الصادرات السعودية لتركيا رقماً تاريخياً بوصولها إلى أكثر من 3 مليارات دولار وذلك على الرغم من استمرار حملة المقاطعة للمنتجات التركية في السعودية.

ومنذ أشهر يطالب أتراك بفرض حظر مقابل على منتجات السعودية في حال لم ترفع المملكة الحظر المتواصل -غير الرسمي- على المنتجات التركية، لكن المستوى السياسي في تركيا لم يتخذ أي خطوات في هذا الاتجاه وذلك على أمل إبقاء خطوط الاتصال المفتوحة وإفساح المجال أمام المساعي الدبلوماسية لإعادة العلاقات بين البلدين حيث تولي تركيا أولوية كبيرة لاستئناف الصادرات إلى السعودية وفتح الباب مجدداً أمام الاستثمارات.

أما على الجانب الآخر، تولي السعودية أولوية كبيرة لإغلاق ملف اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي الذي جرى في القنصلية السعودية في إسطنبول على يد مقربين من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، حيث تضغط الرياض باتجاه إغلاق ملف القضية من حيث وقف التصريحات الرسمية وملف المحاكمة المتواصل في المحاكم التركية بالإضافة إلى الحملات الإعلامية ضد السعودية وبن سلمان المتعلقة بقضية خاشقجي.

وعلى الرغم من أن تركيا صعدت بشكل كبير جداً في الأشهر الأولى لجريمة قتل خاشقجي على الصعيد الثنائي والدولي والحقوقي والقضائي والإعلامي، إلا أن مرور السنوات كان كفيلاً بتراجع الاهتمام بالقضية مع الإبقاء على المسار القضائي الذي لم يحقق تقدما في ظل رفض السعودية التعاون مع هذا المسار واستمرار محاكمة المتهمين غيابياً في ظل عدم اعتقال أي منهم من الجانب التركي، ويعتقد في الوقت الحالي أن أنقرة ليس لديها
اي  
رغبة في التصعيد بهذا الملف وأنها على استعداد لتلبية بعض الرغبات السعودية في سبيل إعادة تطبيع العلاقات بين البلدين.

وإلى وقت قريب كانت أنقرة تتمسك بمطلبها بضرورة إجراء محاكمة عادلة للمشاركين في الجريمة والكشف عن "رأس الهرم السياسي الذي أمر بتنفيذ الجريمة على الأراضي التركية”، لكن المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن عبر مؤخراً عن ترحيبه بالمحاكمة التي أجرتها السعودية للمتهمين بقتل خاشقجي في إسطنبول، وهو تصريح يخالف كافة المواقف التركية السابقة التي شككت في نزاهة وقانونية المحاكمة السعودية واعتبر بمثابة تغير في الموقف التركي على طريق مساعي إنهاء الخلافات بين البلدين.

إلى جانب ذلك، يعتبر التقارب التركي مع الكثير من دول المنطقة لا سيما الإمارات من أبرز الدوافع التي قد تدفع الرياض نحو التجاوب بشكل أكبر مع مساعي إعادة تطبيع العلاقات مع تركيا وذلك لتحقيق توازن في العلاقات الثنائية والإقليمية وتفادي خسائر سياسية واقتصادية قد يتسبب فيها التعنت في إعادة العلاقات مع تركيا لا سيما وأن التحولات الأخيرة بالمنطقة تشير إلى خريطة سياسية واقتصادية جديدة يجري رسمها وبالتالي فإن الرياض تسعى أيضاً لأن تكون جزءا مهما من هذه الخريطة.

يضاف إلى كافة العوامل السابقة، التحديات السياسية التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على كل من السعودية وتركيا، وتراجع اهتمام الإدارة الأمريكية بأمن السعودية التي تواجه حرباً صعبة متواصلة منذ سنوات في اليمن وتهديدا مباشرا لأراضيها.  ومنشآتها الحيوية وربما ترغب في الحصول على المسيرات التركية من طراز بيرقدار التي أثبتت تفوقها وقدرتها على حسم الكثير من المعارك في سوريا وليبيا وقره باغ، إضافة إلى الأنباء التي أشارت مؤخراً إلى نجاح بيرقدار في تغيير موازين القوى لصالح الحكومة ضد متمردي تيغراي في إثيوبيا.