الأحد 24 تشرين الثاني 2024

كيف يحاول حفتر الاستفادة من كارثة درنة رغم مسؤوليته المحتملة عنها؟

النهار الاخبارية - وكالات 

لا تترك اللوحات الإعلانية الضخمة في بنغازي مجالاً للشك حول من هو المسؤول في البلاد. عبر عاصمة شرق ليبيا، يحدّق وجه خليفة حفتر بشاربيه بصرامة، وصورته المنتشرة في كل مكان كصدى لديكتاتورية معمر القذافي، ولم يؤد السخط الذي تفجر بعد كارثي درنة إلى تغيير شئ من هذا الوضع.

على مدار تسع سنوات، سيطر حفتر، وهو عميل سابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وجيشه، على شرق ليبيا، بما في ذلك المناطق التي تحوي معظم ثروات الدولة النفطية الممزقة، ولكنه عانى أيضاً من بعض الصراعات الأكثر دموية منذ سقوط القذافي في عام 2011. 

عانت المنطقة الآن من فيضانات مدمرة بلغت ذروتها في مدينة درنة أودت بحياة ما لا يقل عن 4 آلاف شخص، وجرفت أحياءً سكنية بأكملها. 

يلقي العديد من الليبيين اللوم على السلطات المحلية في حجم الكارثة، التي تضخمت عندما انهار سدان مُهمَلان في التلال فوق درنة بعد أن ضربت العاصفة دانيال البلاد في 10 سبتمبر/أيلول -بعد سنوات من التحذيرات من حاجتهما إلى الصيانة، حسبما ورد في تقرير مترجم عن صحيفة Financial Times البريطانية.  

وفي عام 2022، حذّر عبد الونيس عاشور، الخبير في علوم المياه من جامعة عمر المختار الليبية، في بحث نشره، من أن تكرار الفيضانات يهدد السدود المبنية في الوادي، وهو عبارة عن مجرى نهر جاف في العادة، وحثّ على إجراء أعمال الصيانة بشكل فوري.

قوات حفتر رفضت إخلاء المدينة
وجرى تجاهل تحذيره من قبل السلطات التي تسيطر عليها قوات حفتر.

 وتشير تقارير إلى أن عمدة درنة أكرم عبد العزيز، طلب الإذن بإخلاء المدينة مع اقتراب الإعصار أو العاصفة المطرية دانييال، وهو ما رفضه حفتر وسلطات الشرق الليبي.

ويقول جلال حرشاوي، الخبير الليبي في المعهد الملكي للخدمات المتحدة (RUSI): "السلطات (في الشرق) قالت بوضوح: لا لعمليات الإخلاء"، مرجعاً ذلك إلى عدم الثقة في سكان المدينة والرغبة في إبقائهم في حالة حصار دائم.

بينما تقول صحيفة الغارديان إنه بدلاً من إصدار تعليمات بإجراء عملية إخلاء مع اقتراب العاصفة. تم فرض حظر التجول، وهو الرد المعتاد للميليشيات الليبية على أي أزمة.

احتج مئات الأشخاص في درنة الأسبوع الماضي في موجة نادرة من الغضب الشعبي في الشرق، الذي توجد فيه حكومة ضعيفة وغير فعالة تابعة لحفتر. 

لكن لم تكن هناك أي احتجاجات عامة ضد الجنرال السابق في الجيش الليبي، الذي وصل لتفقُّد الأضرار. 

قال عماد الدين بادي، المحلل في المجلس الأطلسي: "قد يلومه الناس ضمنياً، لكنهم يعرفون ألا يجب أن يتحدثوا ضده لأن ذلك سيهدد سلامتهم، بل ويمكن أن يؤدي إلى قتلهم". 

ويقول محللون إنه من غير المتوقع أن تؤثر هذه المأساة على قبضته على المنطقة. إنه لا يطيق أي معارضة ولا يجرؤ سوى القليل على التحدث ضده خوفاً من الانتقام. 

قطع للاتصالات واعتقال للنشطاء وتقييد للصحفيين
قالت صحيفة New York Times الأمريكية إن السلطات في منطقة شرق ليبيا التي دمرها الفيضان تحركت في اتجاه إسكات المعارضة على مدار الأسبوع الماضي، واعتقلت عدداً من المحتجين والنشطاء الذين طالبوا بالمساءلة على ما وصفوها بالاستجابة الرسمية الفاشلة للكارثة خاصة في مدينة درنة.

الصحيفة الأمريكية نقلت في تقرير لها الخميس 21 سبتمبر/أيلول 2023، عن شهود عيان وأحد الأقارب، اعتقال ثلاثة أشخاص على الأقل، ممن انتقدوا استجابة الحكومة أو شاركوا في احتجاج بمدينة درنة يوم الإثنين 18 سبتمبر/أيلول. 

كما قال عمال إغاثة وصحفيون إن الإدارة المستبدة التي تحكم النصف الشرقي من ليبيا المحاصرة -حيث تقع مدينة درنة- قيّدت الوصول إلى المدينة. بينما تم قطع خدمات الإنترنت والهاتف الجوال عن المدينة ليومين الأسبوع الماضي، ما أثار التساؤلات حول ما إذا كانت الشركات المقدمة لتلك الخدمات قد تعمّدت قطعها.

إذ قال عامل الإغاثة المتطوع من مدينة درنة إسلام عزوز، الذي حضر احتجاج جرى يوم الإثنين 19 سبتمبر/أيلول: "وصل غضب الناس إلى مستويات مرتفعة للغاية، وتم قطع الاتصالات، لأنهم يخشون من تعبير الناس عن غضبهم علناً". يُذكر أن احتجاج يوم الإثنين شهد مطالبة المئات بمحاسبة المسؤولين عن الكارثة.

في أعقاب هذا الاحتجاج، قال بعض مراسلي قنوات البث الناطقة بالعربية من مختلف أرجاء الشرق الأوسط إنهم تلقوا الأوامر بمغادرة درنة. بينما قال بعض الصحفيين الذين يغطون عمليات الإنقاذ والإغاثة، إنهم قد مُنِعوا من التحرك بحريةٍ داخل المدينة أو من دخولها مرةً أخرى بمجرد المغادرة.

يعيد إحياء حكم القذافي
أما بالنسبة لبعض الذين شاركوا في الثورة للإطاحة بالقذافي، فقد كان صعود المستبد مثيراً للقلق. 

وقال رجلٌ ناضل في انتفاضة 2011: "نعم، لقد استعاد الأمن ولا يجرؤ أحد الآن على تشكيل ميليشيا في الشرق. لكنه ديكتاتور. الأمر أشبه بالعودة إلى نقطة الصفر". 

كانت درنة معقلاً للمعارضة الإسلامية المسلحة لنظام حكم معمر القذافي، وثارت ضد القذافي بشكل نادر الحدوث في ليبيا قبل ثورة 2011، وخلال الثورة كانت من أوائل المدن التي تحررت من القذافي، ثم سيطر داعش على المدينة لفترة قبل أن تطرد من قبل مجلس شورى مجاهدي درنة (جماعة توصف بأنها على صلة بالقاعدة) بعد حملة لمدة عامين.

وفور قضاء قوات المجلس على داعش، تعرضت لهجوم من قبل حفتر مدعوم بالطائرات والمدفعية، رغم دعوات مجلس شورى درنة للتفاوض.

ينسب بعض الليبيين الفضل إلى حفتر في إنهاء الاغتيالات التي ينفذها المتطرفون الإسلاميون في بنغازي، وقد حظي بدعم الإمارات ومصر وروسيا وفرنسا حيث قدم نفسه كشخص حيوي في المعركة ضد التطرف.

لكن منتقديه يتهمونه ليس فقط بالمسؤولية عن القمع وانتهاكات حقوق الإنسان، بل بأنه أيضاً يشكل حجر عثرة أمام إنهاء سنوات الانقسام والفوضى.

وقال دبلوماسي غربي سابق: "يضم جهاز حفتر الأمني بعض الشخصيات التي ظهرت بشكل كبير في عهد القذافي، وقد جلبوا معهم نفس الممارسات".

وتنقسم ليبيا بين حكومتين متنافستين في الشرق والغرب منذ اندلاع الصراع في أعقاب انتخابات متنازع عليها في عام 2014.

في ذلك العام، جعل حفتر من بنغازي معقلاً له وشنَّ حملة وحشية ضد الإسلاميين المسلحين وغيرهم من المعارضين لحكمه. وسقطت درنة، تحت سيطرته في عامي 2018 و2019 بعد أن حاصرت قواته المدينة لمدة عامين.

وقال هاني الورشفاني، صاحب محل لبيع الملابس في المدينة، إن الوضع الأمني في بنغازي تحسن منذ سيطرة الجيش، وأضاف: "قبل ذلك رأيت العديد من ضحايا إطلاق النار".

وقال فرج نجم، الذي يرأس مركز بناء السلام في بنغازي، وهو جماعة تابعة للسلطات الشرقية، إنه وُضِعَ على قائمة الاغتيالات من قبل المتطرفين. وأضاف: "حفتر أنقذنا من الذبح. لقد احتل داعش بنغازي وتمكن الجيش تحت قيادته من هزيمتهم"، حسب قوله.

تجدر الإشارة إلى أن التزامن بين قضاء مجلس شورى مجاهدي درنة على داعش وهجوم حفتر على المدينة، وعدم استهدافه لتنظيم داعش خلال وجوده يراه البعض مؤشراً على صفقة ما بين الطرفين أو على الأقل توافق مصالح بطريقة تكررت مراراً في مناطق أخرى بليبيا (إضافة لتحالف حفتر مع المدخلية السلفية).

 وعلى مسافة ليست بعيدة عن مكتب نجم، توجد منطقة كاملة من المباني المدمرة ذات الخرسانة المتهدمة والأرضيات المتصدعة والواجهات الخارجية المليئة بثقوب القذائف، وهي إرث المعارك التي خاضتها قوات حفتر ضد الإسلاميين.

لكن محللين يقولون إن الحملة استهدفت أيضاً المتمردين السابقين المناهضين للقذافي الذين قاوموا ما اعتبروه محاولة من جانب حفتر لإعادة فرض الحكم الاستبدادي.

وقال أنس القماطي، مدير معهد الصادق، وهو مركز أبحاث في طرابلس: "لقد قام بتشويه سمعة جميع معارضيه ووصفهم بالمتطرفين لتصوير قمعه للغرب على أنه مكافحةٌ للإرهاب". 

قبل عقد من الزمن، كان مصطفى الساقزلي، الذي كان حينها من سكان بنغازي، يدير وكالة حكومية تسعى إلى نزع سلاح الميليشيات التي لا تُعَد ولا تُحصَى في جميع أنحاء البلاد في السنوات التي تلت مقتل القذافي، ودمج أعضائها في المجتمع. 

ولكن عندما حاول أن يشرح لـ"صناع القرار" أن الجماعات في بنغازي ليست جميعها جهادية، فشل. 

وقال من منفاه في تركيا: "بمجرد أن بدأت الحرب في بنغازي، لم يرغب أحد في سماعي. هددني الطرفان بأنني قد أقتل أنا وأطفالي، واضطررت إلى مغادرة ليبيا. لقد استولت الميليشيات المتحالفة مع الجيش الوطني الليبي على منزلي". 

وقال الساقزلي إنه يحاول استعادة منزله من خلال لجنة شكلتها سلطات بنغازي لإعادة الممتلكات المصادرة إلى أصحابها.

اختطاف وقتل للمعارضين ومؤتمر دولي لدرنة قد يتحول لمصدر للتمويل
أثار حفتر حرباً أهلية جديدة في عام 2019 عندما سار بقواته إلى طرابلس لإطاحة الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة. وكان مقاتلوه مدعومين بمرتزقة روس من مجموعة فاغنر. لكنه هُزم في عام 2020 بعد تدخل تركيا لدعم حكومة طرابلس. 

ولا تزال البلاد منقسمة؛ حيث تسيطر الميليشيات على الغرب ويسيطر حفتر على الشرق. ويُعتقد أن مقاتلي فاغنر ما زالوا في قواعد عسكرية في أجزاء من الجنوب الليبي تحت سيطرة حفتر، رغم مقتل زعيم المجموعة يفغيني بريغوجين. 

وفي الوقت نفسه، قُضِيَ على منتقدي حفتر العلنيين بوحشية. 

وأعربت سهام سرقيوة، عضوة البرلمان، عن معارضتها لحرب حفتر على طرابلس. وقد اختطفها مسلحون ملثمون واقتحموا منزلها في بنغازي في يوليو/تموز 2019، ومصيرها لا يزال مجهولاً. 

وفي ذلك الوقت، كانت هناك كتابات على جدار منزلها تحمل توقيع كتيبة متحالفة مع الجيش الوطني الليبي تقول: "الجيش خط أحمر".

وقُتل المحامي الصريح حنان البرعصي بالرصاص في أحد شوارع بنغازي في عام 2020. وكان البرعصي من مؤيدي حفتر لكنه زعم أن أقاربه متورطون في الفساد.

وبعد الفيضانات، أعلنت السلطات في الشرق أنها ستستضيف مؤتمراً دولياً في أكتوبر/تشرين الأول لمناقشة إعادة الإعمار في درنة؛ حيث تتواصل عمليات البحث. لكن الخوف يكمُن في أن يستغل حفتر ورفاقه هذه العملية. 

وحذر بادي، المحلل في المجلس الأطلسي، من أن إعادة الإعمار "سيُنظَر إليها على أنها ثروةٌ يمكنهم القتال عليها والحصول على عمولات منها. ومن الواضح أن حصة الأسد ستذهب إلى حفتر".