النهار الاخبارية - وكالات
يبدو أن الاحتجاجات التي مثلت أجرأ تحدٍّ للنظام في إيران قد بدأت تتراجع مؤخراً، فهل نجحت أساليب القمع في تخويف المحتجين؟ وما دور الإعدامات العلنية؟ وإلى أين تتجه الأمور الآن؟
فمنذ منتصف سبتمبر/أيلول 2022، تهز إيران احتجاجات عنيفة بعد وفاة الشابة المنحدرة من أصول كردية، مهسا أميني (22 عاماً)، عقب 3 أيام من اعتقالها لدى شرطة الأخلاق في طهران بسبب عدم الالتزام بقواعد اللباس الإسلامي الصارمة في البلاد.
واتهمت عائلتها أفراداً من شرطة الأخلاق بضربها على الرأس أثناء نقلها في السيارة إلى مركز التوقيف الذي وقعت فيه، وتم نقلها للمستشفى لاحقاً، في حين قالت السلطات إن وفاتها كانت طبيعية.
الإعدامات العلنية في إيران
لم ينجح القمع الوحشي لتلك الاحتجاجات إلا في تحويلها إلى انتفاضة شعبية عارمة يشارك فيها الإيرانيون الغاضبون من مختلف فئات المجتمع، وليس الأكراد فقط، وهو ما يمثل التحدي الأكبر والأكثر جرأة للنظام الحاكم منذ ثورة الخميني عام 1979.
لكن خلال الأسابيع القليلة الماضية، شرعت الحكومة الإيرانية في سياسة تنفيذ أحكام بإعدام عدد من المحتجين، إذ أعدمت اثنين من المتظاهرين الذين اعتقلوا مع آلاف آخرين، ومن ضمنهم رجل شُنق علناً بواسطة رافعة في مدينة مشهد شرقي البلاد.
ويبدو أن إعدام محتجين شنقاً وتعليق جثثهم على رافعات قد أثار خوفاً شديداً لدرجة أبعدت فيما يبدو الناس عن الشوارع، بعد أن استمرت الاحتجاجات المناهضة للحكومة على مدى شهور.
ومن المرجح أن يؤدي نجاح حملة القمع والترهيب على أسوأ اضطرابات سياسية منذ سنوات إلى تعزيز موقف حكام إيران المحافظين، بأن قمع المعارضة هو السبيل الوحيد للحفاظ على السلطة، خاصة أن الأنباء التي كانت منتشرة بشأن إلغاء شرطة الأخلاق والتخفيف من القيود يبدو وكأنها كانت مناورة سياسية وليست تغييراً حقيقياً في توجهات النظام.
كان إلغاء شرطة الأخلاق قد جاء، قبل نحو شهر، على لسان المدعي العام، رغم عدم صدور تأكيد رسمي من جانب وزارة الداخلية. محمد جعفر منتظري، المدعي العام، كان قد أعلن أن قوة الشرطة المعروفة باسم "شرطة الأخلاق"، والتي كانت قد احتجزت مهسا أميني، وتوفيت الشابة الكردية في عهدتها، ما أطلق الاحتجاجات.
وكالة أنباء العمال الإيرانية شبه الرسمية نقلت، السبت، 3 ديسمبر/كانون الأول الماضي، عن منتظري قوله إن "السلطة نفسها التي أنشأت هذه الشرطة حلتها"، في إشارة إلى وزارة الداخلية الإيرانية، مضيفاً أن شرطة الأخلاق لا تخضع للسلطة القضائية التي "تواصل مراقبة التصرفات السلوكية على مستوى المجتمع".
يسعى المحتجون في إيران إلى إلغاء إلزامية الحجاب في الشارع العام
ولم تصدر وزارة الداخلية تصريحات رسمية تنفي أو تؤكد حل شرطة الأخلاق، بصفتها المسؤولة رسمياً عن تلك القوة، كما ذكرت وسائل إعلام رسمية إيرانية أن المدعي العام محمد جعفر منتظري غير مسؤول عن الإشراف على هذه القوة.
بينما قالت قناة العالم التلفزيونية الحكومية إن وسائل الإعلام الأجنبية تصور تصريحاته على أنها "تراجع من جانب الجمهورية الإسلامية عن موقفها من الحجاب والأخلاق الدينية نتيجة الاحتجاجات"، ولكن كل ما يمكن فهمه من تصريحاته هو أن شرطة الأخلاق ليس لها صلة مباشرة بالسلطة القضائية".
لكن سكاناً، على وسائل التواصل الاجتماعي وصحف إيرانية، مثل صحيفة شرق اليومية، قالوا إن وجود شرطة الأخلاق في الشوارع تقلص في الأسابيع الأخيرة بشكل لافت، بحسب رويترز.
هل تنجح سياسة القمع الوحشي؟
لكن محللين وخبراء، تحدثوا إلى رويترز، يرون أن نجاح سياسة القمع الوحشي لن تدوم طويلاً على الأرجح، إذ يرى هؤلاء أن لجوء الدولة إلى العنف الدامي سيدفع المعارضة إلى العمل السري، بينما يعمّق الغضب الذي يشعر به الإيرانيون العاديون تجاه المؤسسة الدينية التي تحكمهم منذ 4 عقود.
ففي إشارة إلى حملة القمع وعمليات الإعدام، قال سعيد جولكار، من جامعة تنيسي بمدينة تشاتانوجا "نجح ذلك نسبياً، إذ انخفض عدد الناس في الشوارع"، وأضاف جولكار "لكنه أثار استياء شديداً بين الإيرانيين".
بينما قال هادي قائمي، المدير التنفيذي لحملة حقوق الإنسان في إيران، إن المؤسسة الدينية تركز بالأساس على ترهيب الناس وإخضاعهم بأي وسيلة، وأضاف "اتخذت الاحتجاجات شكلاً مختلفاً، لكنها لم تنتهِ. فالناس إما في السجن أو اتجهوا للعمل السري، لأنهم مصممون على إيجاد طريقة لمواصلة النضال".
وفي تحدٍّ لغضب الرأي العام والانتقادات الدولية، أصدرت إيران العشرات من أحكام الإعدام لترهيب الإيرانيين الغاضبين من مقتل الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني (22 عاماً). وقالت السلطة القضائية إن ما لا يقل عن 4 أشخاص أُعدموا شنقاً منذ بدء المظاهرات، منهم اثنان من المتظاهرين يوم السبت، بزعم قتل أحد أفراد ميليشيا الباسيج التي تتألف من متطوعين.
وقالت منظمة العفو الدولية الشهر الماضي إن السلطات الإيرانية تسعى لاستصدار أحكام بإعدام 26 آخرين على الأقل، فيما أسمته "محاكمات صورية تهدف إلى ترهيب المحتجين".
وقال مسؤول حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، الثلاثاء، 10 يناير/كانون الأول، إن الحكومة الإيرانية تستخدم عقوبة الإعدام كسلاح لنشر الخوف بين المواطنين والقضاء على المعارضة، مضيفاً أن الإعدامات ترقى لكونها عمليات "قتل بتفويض من الدولة".
وتابع مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، في بيان "تحويل الإجراءات الجنائية إلى سلاح لمعاقبة الشعب على ممارسة حقوقه الأساسية، مثل أولئك الذين شاركوا في المظاهرات أو نظموها، يرقى لكونه قتلاً بتفويض من الدولة"، موضحاً أن الإعدامات تخالف القانون الدولي لحقوق الإنسان.
وقال تورك إن هناك انتهاكات عديدة للإجراءات القانونية الواجبة وضمان شروط عدالة المحاكمات، بما في ذلك إصدار أحكام جنائية غامضة الصياغة، وحرمان المتهمين من الاتصال بمحامين من اختيارهم، وتقديم اعترافات بالإكراه تحت التعذيب، والحرمان من الحق في تقديم الطعون على الأحكام بمعايير واقعية وحقيقية.
وتقول الجمهورية الإسلامية، التي حمّلت خصومها، ومن بينهم الولايات المتحدة، المسؤولية عن الاضطرابات، إن تصديها للاحتجاجات يهدف إلى حماية السيادة الوطنية.
ويأتي البيان شديد اللهجة لمكتب حقوق الإنسان في وقت يواصل فيه تورك الضغط للقيام بزيارة للبلاد ولقاء زعيمها الأعلى آية الله علي خامنئي، وفقاً لما ذكره المسؤول الحقوقي البارز في الأمم المتحدة محمد علي النسور في مؤتمر صحفي في جنيف.
وقال النسور إن من المزمع عقد اجتماع منفصل مباشر بين تورك والسلطات الإيرانية "قريباً جداً"، دون الخوض في تفاصيل، وأضاف "لا يمكننا الوقوف مكتوفي الأيدي عندما تكون هناك انتهاكات جسيمة".
وكان مجلس حقوق الإنسان ومقره جنيف قد صوت، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لصالح تشكيل مهمة مستقلة لتقصي الحقائق من 3 أعضاء للنظر في حملة القمع الإيرانية للاحتجاجات، وأوضح النسور أن اللجنة تلقت بالفعل آلاف الإفادات.
أسباب احتجاجات إيران لم تعالَج
الحكومة الإيرانية تستخدم أيضاً مزيداً من القوة العسكرية ضد مصادر الاضطرابات في المناطق الكردية داخل إيران، حيث انطلقت الاحتجاجات، كما استهدفت مناطق في كردستان العراق من قبل وهددت بشن غزو بري، زاعمة أن الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة التي تتخذ من كردستان العراق مقرات لها تمول الاحتجاجات.
وقال الحرس الثوري، 28 سبتمبر/أيلول الماضي، إنه قصف القواعد الرئيسية لكومالا -الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني- وحزب الحرية الكردستاني بـ"صواريخ دقيقة التوجيه وطائرات مسيرة" للمرة الثالثة في 4 أيام. وحذّر الفيلق من أن الضربات ستستمر حتى زوال التهديد "بشكل حاسم".
وأكد حزب كومالا أن 10 طائرات مسيرة هبطت في منطقة زرغويز، وقال حزب الحرية الكردستاني إن مقره الرئيسي في شيراوا تعرض للقصف، وقال الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني إن قواعده ومقره في كوي سانجق تعرضت للقصف.
وتعكس هذه التحركات ما يقول خبراء إنه نهج ثابت للقيادة الدينية تجاه الحكم منذ الثورة الإسلامية عام 1979، التي أتت بها إلى السلطة، وهو الاستعداد لاستخدام أي قوة مطلوبة لسحق المعارضة.
وقال جولكار لرويترز: "الاستراتيجية الأساسية للنظام كانت دوماً الانتصار من خلال الترهيب. والقمع هو الحل الوحيد للنظام لأنه غير كفء وغير قادر على التغيير أو الحكم الرشيد".
لكن لا تزال الاحتجاجات، التي تباطأت إلى حد بعيد منذ بدء عمليات الإعدام شنقاً، في ذروتها في المناطق المأهولة بالسنّة في إيران، وتقتصر حالياً في الغالب على تلك المناطق.
غير أن محللين قالوا إن الروح الثورية التي نجحت في ترسيخ جذورها في جميع أنحاء البلاد خلال الاحتجاجات على مدى شهور ربما تظل جذوتها مشتعلة رغم القمع الأمني، لأسباب ليس أقلها أن مظالم المحتجين لا تزال دون معالجة.
فمع تردي الوضع الاقتصادي، والذي يعود في جانب كبير منه إلى العقوبات الأمريكية بسبب أنشطة إيران النووية، بات الكثير من الإيرانيين يئنون تحت وطأة التضخم المتسارع والبطالة المتزايدة.
الشرطة في إيران تحذر من عدم ارتداء الحجاب في السيارات
إذ ارتفع التضخم إلى أكثر من 50%، وهو أعلى مستوى منذ عقود. ولا تزال البطالة بين الشبان مرتفعة مع وقوع أكثر من 50% من الإيرانيين تحت خط الفقر، وفقاً لتقارير مركز الإحصاء الإيراني.
وقال قائمي "لا توجد نقطة تحول (عودة للوضع الراهن) ولا يمكن للنظام العودة إلى عهد ما قبل وفاة مهسا". بينما قال أليكس فاتانكا، مدير برنامج إيران في معهد الشرق الأوسط بواشنطن إن طهران تعتمد على القمع والعنف سبيلاً للخروج من هذه الأزمة.
وأضاف "قد ينجح هذا على المدى القصير لكن… ليس على المدى الطويل"، مشيراً إلى أسباب مثل تدهور اقتصاد إيران وجرأة شبابها الذين يريدون "تغييراً سياسياً كبيراً، وسوف يناضلون من أجله".
هل يتراجع النظام الإيراني؟
ولا توجد مؤشرات على أن الرئيس إبراهيم رئيسي أو غيره من الزعماء يحاولون طرح سياسات جديدة لمحاولة إرضاء الناس، بل يبدو بدلاً من ذلك أن اهتمامهم ينصبّ على الأمن. وقال محللون إن من الواضح أن القيادة الدينية قلقة من أن ممارسة ضبط النفس تجاه المتظاهرين قد تجعلها تبدو ضعيفة بين أنصارها السياسيين وشبه العسكريين. ولم يتسن لرويترز الوصول إلى مسؤولين في مكتب رئيسي للتعليق.
وقال جولكار إن هناك دافعاً إضافياً وراء عمليات الإعدام، وهو حاجة القيادة إلى إرضاء قاعدة المؤيدين في منظمات مثل الباسيج، وهي ميليشيا متطوعة كان لها دور فعال في مواجهة الاضطرابات العفوية التي تفتقر إلى قيادة، وأضاف جولكار "يريد النظام أن يبعث برسالة لمؤيديه بأنه سيدعمهم بكل الوسائل".
وفرضت السلطات حظر سفر وأحكاماً بالسجن على العديد من الشخصيات العامة من الرياضيين إلى الفنانين ومغني الراب، وكان من بين من أُعدموا بطل في الكاراتيه. ولمح الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي، الإثنين، 9 يناير/كانون الثاني، إلى أن الدولة ليس لديها نية لتخفيف حملتها القمعية، قائلاً في خطاب تلفزيوني إن الذين "أضرموا النار في الأماكن العامة خونة بلا شك".
واستخدام سلطة الدولة، التي لا هوادة فيها، مبدأ رئيسي في مسيرة رئيسي المهنية، فهو يخضع لعقوبات أمريكية بسبب الماضي الذي يشمل ما تقول الولايات المتحدة ونشطاء إنه دوره في الإشراف على قتل آلاف السجناء السياسيين في الثمانينيات.
وعندما سُئل عن عمليات القتل تلك في الثمانينيات، قال رئيسي للصحفيين بعد فترة وجيزة من انتخابه عام 2021 إنه ينبغي الإشادة به لدفاعه عن أمن الناس.
وقال قائمي إن المسؤولين الرئيسيين الذين يضغطون من أجل عقوبات الإعدام في الوقت الحالي متورطون بشدة في قتل السجناء في الثمانينيات. وأضاف "لكن هذه ليست ثمانينيات القرن الماضي، عندما ارتكبوا كل تلك الجرائم في الظلام… كل ما يفعلونه يصل إلى وسائل التواصل الاجتماعي، ويجذب اهتماماً دولياً كبيراً".