فرنسا:أكثر من 2000 حالة موت رحيم سريّة تعيد القضية مجدداً إلى مجلس النواب
مجددا يعود الجدل المؤلم في فرنسا حول حق الأشخاص، الذين يعانون من أمراض غير قابلة للشفاء، في الموت الرحيم. تعود القضية إلى الواجهة يوم الخميس 8/4، بمناسبة دراسة مشروع قانون في بلد يتمزق بانتظام حول هذا الموضوع، والمثال على ذلك، تقديم نواب اليمين آلاف التعديلات، مما أدى إلى مساومات على التصويت.
النائب الاشتراكي أوليفييه فالورني، صاحب فكرة هذا القانون، يرى أن منح الحق في الموت بمساعدة طبية لهؤلاء المرضى، سيجعل من الممكن الخروج من حالة "النفاق" سواء على مستوى السماح للأشخاص بالذهاب إلى "المنفى" في بلجيكا أو سويسرا للحصول على هذا الحق، أو ما يتم إغماض العيون عنه من "2000 إلى 4000" عملية موت رحيم سرية، تُمارَس كل عام في فرنسا.
تنص المادة 1 من اقتراح فالورني على أن "أي شخص بلغ سن الرشد، في مرحلة متقدمة أو نهائية من مرض خطر وغير قابل للشفاء، يسبب له معاناة جسدية أو نفسية لا يمكن تخفيفها أو لا تُحتمَل"، يمكن له أن يطلب مساعدة طبية للموت بصورة مباشرة.
"Claeys-Leonetti" هو القانون الذي كان قد أُقرّ عام 2016 بشأن نهاية الحياة، إذ سمح بالتخدير العميق والمستمر، والذي يمكن أن ينتهي بالموت، ولكن بدون ممارسة الموت الرحيم بصورة مباشرة. هذا الموضوع، الذي يمس خصوصية الجميع ويتجاوز التيارات السياسية، يبدو أكثر ثقلاً في فرنسا في سياق وباء Covid-19، مع أكثر من 96600 حالة وفاة في البلاد.
في أوروبا، تتباين هذه الممارسات للغاية:
في شهر مارس / آذارالفائت، أصبحت إسبانيا رابع دولة أوروبية قامت بإلغاء تجريم الموت الرحيم، بعد هولندا وبلجيكا ولوكسمبورغ. وتوجد في أوروبا أشكال أخرى من "المساعدة على الموت"، مثل إيقاف العلاج. ولكن دول أوروبية مثل إيرلندا وبولندا ما زالت ترفض مبدأ "الموت الرحيم"تقاومه، بينما في فرنسا، أدى هذا الملف لإنقسام كل الكتل البرلمانية ولإحراج الحكومة.
"الموت في المنفى"
معارضو الاقتراح يعتبرون أنه من السابق لأوانه التفكير في المضي إلى أبعد من ذلك بينما لا يزال قانون "Claeys-Leonetti" غير مطبق بشكل جيد ولا تزال خُمس المحافظات الفرنسية خالية من مراكز الرعاية التلطيفية، ومعارضون آخرون لمشروع القانون يرفضون "الموت الرحيم" لأسباب فلسفية ودينية.
الرأي العام الفرنسي، "يطالب بقانون بشأن هذه القضية بأغلبية ساحقة منذ 20 أو 25 عامًا"، بحسب عالم الاجتماع فيليب بتاي، الذي يرى أن المجتمع يتناول هذه القضية بصورة مستمرة وأن وسائل الإعلام تتوقف عندها والسياسيون يناقشونها، معتبرا أنه لا يمكن القول إن المجتمع الفرنسي متأخر في هذا المجال، وإنما "البرلمان هو الذي لا يزال أصماً".
وبالرغم من تعبئة النواب القوية لصالح القانون، يبدو أن الوقت غير كاف لمناقشة حوالي 3000 تعديل تم طرحها، بما في ذلك 2300 اقتراح تعديل من نواب حزب "الجمهوريون" (يمين) الذين يعارضون القانون، وهو ما وصفه 270 نائبًا من جميع الأطياف، في صحيفة جورنال دو ديمانش (JDD) بحرب ضد مشروع القانون وتعطيل التصويت عليه عبر كم هائل من التعديلات، ويريد هؤلاء النواب المناقشة والتصويت واحترام البرلمان في ممارسته لدوره كما يجب، بحسب قولهم.
تستمر مناقشة مشروع القانون يوماً واحداً كحد أقصى، وبالتالي فإنه من المؤكد أن هذا الوقت المحدود لن يسمح بمناقشة آلاف التعديلات، مما قد يؤدي إلى عدم اكتمال المناقشة وبقاء النص بدون تصويت.
أدت العديد من الأمثلة الصارخة لإنقسام الفرنسيين. وقد تكون قضية فنسان لامبير هي الأكثر رمزية، هذا الممرض الذي دخل في حالة غيبوبة لا عودة منها منذ تعرضه لحادث سير في عام 2008، توفي هذا الأربعيني في 11 يوليو / تموز 2019 بعد إيقاف علاجه، وتخدير عميق، بناء على قرار الأطباء وتأييد زوجته، بينما عارض والداه هذا القرار في المحكمة.
مثال آخر: آلان كوك، ويبلغ من العمر 58 عاماً، يعاني من مرض مؤلم للغاية وغير قابل للشفاء، تم تشخيصه عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره. حث آلان كوك النواب الفرنسيين، هذا الأسبوع، على تبني حق الموت الرحيم. وقد دفعه الفشل في الحصول على تصريح "للمساعدة على الانتحار" إلى محاولة قتل نفسه مرتين، عبر الإضراب عن الرعاية الصحية والطعام ، لكنه اضطر إلى الاستسلام بسبب الألم الشديد، حسب قوله.
عاد الرجل ووافق على عرض جمعية مستعدة لتمويل "مساعدة الانتحار" في سويسرا وتتراوح كلفتها بين 8 آلاف يورو إلى 10 آلاف يورو، وينتظر، حاليا، استدعاءه، لكنه أعرب لوكالة فرانس برس عن اشمئزازه من "إجباره" على اختيار "الموت في المنفى".
ويبقى السؤال عما إذا كانت فرنسا ستسير على خطى البلدان القليلة في العالم، التي تسمح للمصابين بأمراض مستعصية بطلب الموت الرحيم لإنهاء عذاباتهم؟ ويبدو، حتى هذه اللحظة، أن الفرص ضئيلة للغاية.