الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

عملية أمريكية سرية أحاط بها الغموض طوال 70 عاماً..

النهار الاخبارية - وكالات 

وصلتنا العديد من القصص عن العمليات السرية التي نفذتها الدول المتصارعة خلال الحرب العالمية الثانية، بعض هذه القصص حصلت بالفعل وبعضها الآخر كان من نسج خيال المنتصرين أو المهزومين في المعارك، لكن توجد قصص أخرى بقيت على الحد الفاصل بين الحقيقة والخيال، مثل قصة "تجربة فيلادلفيا" على سبيل المثال. 

ما هي تجربة فيلادلفيا؟
كانت المعركة البحرية لا تزال مستعرة بين المدمرات الأمريكية وغواصات "يو-بوت" التابعة للقوات النازية في صيف عام 1943، أي بعد عامين من تورط الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب العالمية الثانية. 

في هذه الأثناء، وفي حوض بناء السفن في فيلادلفيا، بدأت أعمال تجهيز مدمرة جديدة أُطلق عليها اسم "USS Eldridge" مزودة بعدة مولدات كبيرة لتكون جزءاً من مهمة سرية للغاية من أجل تحقيق فوز حاسم في معركة الأطلسي.

كانت الشائعات على متن السفينة تشير إلى أنَّ المولدات صُمَّمت لتشغيل نوع جديد من المجال المغناطيسي من شأنه جعل المدمرة البحرية الأمريكية غير مرئية لرادار العدو. حان وقت اختبار النظام الجديد مع صعود طاقم المدمرة بالكامل على متنها، حيث بدأت عملية تشغيل المولدات القوية في وضح النهار أمام أعين أطقم ورادارات السفن القريبة.

ما حدث بعد ذلك حير العلماء وأثار التكهنات والشائعات على مدار العقود اللاحقة.  فقد قال الشهود إنهم رأوا وهجاً غريباً باللونين الأخضر والأزرق أحاط بدن السفينة، ثم اختفت السفينة على الفور لسببٍ غير مفهوم. لم تختفِ السفينة الحربية عن أجهزة رادار العدو فحسب، بل لم يعد لها أي أثر على الإطلاق.

ظهور السفينة مجدداً
أفادت تقارير بظهور المدمرة "USS Eldridge" بعد ساعات في ترسانة "نورفولك" البحرية في فيرجينيا، قبل أن تعاود الظهور مُجدَّداً فجأة في فيلادلفيا. بحسب تقارير عسكرية سرية، أصيب أفراد طاقم المدمرة البحرية بحروق شديدة وحالة من الارتباك العقلي. لكن الأمر الأسوأ هو العثور على بعض أجساد أفراد الطاقم مغروسة في الهيكل الفولاذي للسفينة ومشوّهة بدون أرجل أو أذرع.

تعد قصة "تجربة فيلادلفيا" أشهر مثال على التجارب الحكومية السرية المنفذة خلال فترات الحروب. على الرغم من عدم وجود أي دليل مادي على ما حدث هناك، ظلت تجربة فيلادلفيا "حقيقة" في أذهان هواة الظواهر الخارقة ومؤيدي نظريات المؤامرة بعد مرور أكثر من 70 عاماً.

لفهم كيف حدثت "تجربة فيلادلفيا"، ينبغي لنا التعرّف أولاً على الرجال الذين كشفوا السر الدفين، واستعراض الاستجابة الحكومية المثيرة للريبة على هذه الإفصاحات، والاستماع إلى نسخة مختلفة تماماً من القصة ذكرها أحد الناجين من طاقم السفينة.

ولادة نظرية المؤامرة
كل شيء "نعرفه" تقريباً عن "تجربة فيلادلفيا" وعملية الانتقال الآني المزعوم للمدمرة البحرية الأمريكية انبثق من شهادة شخص يُدعى كارل ألين، الذي اختار لنفسه اسماً مستعاراً "كارلوس ميغيل أليندي".

أرسل أليندي في عام 1956 أول رسالة من إجمالي أكثر من 50 رسالة مكتوبة بخط اليد، إلى المؤلف وعالم الفلك موريس جيسوب، الذي كان قد نشر قبل عام كتاباً عن الأجسام الطائرة المجهولة بعنوان "The Case for the UFO".

انتقد أليندي في رسائله فهم جيسوب الساذج لنظرية "الحقل الموحد"، التي لم يثبتها قط أينشتاين أو أي شخص آخر. تحاول تلك النظرية دمج قوى الجاذبية والكهرومغناطيسية في حقل أساسي واحد.

لإثبات تلك النظرية، قدَّم أليندي إلى جيسوب رواية شاهد عيان عن اختفاء المدمرة "Eldridge" من ساحة فيلادلفيا البحرية في عام 1943. تشرح رسائل كارلوس أليندي إلى موريس جيسوب كيف استخدم الجيش الأمريكي اكتشافات أينشتاين في تنفيذ نقل آني لمدمرة بحرية بكامل طاقمها.

أصبحت تلك الرسائل أول إشارة على الإطلاق إلى "تجربة فيلادلفيا"، إذ لم يتحدث أي شهود عيان آخرين -سواء من طاقم السفينة أو سفن قريبة- على مدار 13 عاماً منذ ذلك الحدث المزعوم.

حاول جيسوب البحث والتحقيق بجدية في ادعاءات أليندي، لكنه شعر بالإحباط بسبب عدم قدرة كاتب الرسائل الغامض على تقديم دليل مادي. كان جيسوب على وشك إغلاق التحقيق تماماً في هذه المسألة حتى اتصل به ضابطان من مكتب الأبحاث البحرية الأمريكي (ONR) في عام 1957.

وفقاً لورقة معلومات نشرها مكتب الأبحاث البحرية، تسلم الضابطان طرداً غريباً في عام 1956 احتوى على نسخة من كتاب جيسوب عن الأجسام الطائرة المجهولة مشروحة بملاحظات مكتوبة بخط اليد تزعم المعرفة المتقدمة بالفيزياء، التي ربطت بين تكنولوجيا الفضاء واكتشافات متطورة تخص نظرية "الحقل الموحد".

على الرغم من أنَّ الملاحظات المكتوبة تبدو كأنَّها جاءت من 3 مؤلفين مختلفين، أدرك جيسوب على الفور أنَّ جميعها تنتمي إلى كارلوس أليندي. لأسباب غامضة، نشر ضابطا مكتب الأبحاث البحرية نسخة من الكتاب بمساعدة مقاول عسكري من تكساس يُدعى "فارو"، لتصبح الإصدارات المنسوخة –التي عُرفت باسم "إصدارات فارو"- مادة ثمينة لمؤيدي نظريات المؤامرة.

للأسف، اتخذت قصة جيسوب منعطفاً مأساوياً. انتحر جيسوب في عام 1959 بعد إصابته في حادث سيارة وانفصاله عن زوجته. ظل كارلوس أليندي، الذي عاش حتى عام 1994، يرسل من حينٍ لآخر، رسائل إلى أي شخص يود الاستماع إلى قصته الخيالية عن "تجربة فيلادلفيا".

تجربة فيلادلفيا "الحقيقية"
كان كارلوس أليندي على مدار عقود من الزمان، الشاهد الوحيد على الأحداث الخارقة المزعومة المرتبطة بـ"تجربة فيلادلفيا". ادَّعى كارلوس وجوده على متن سفينة "SS Andrew Furuseth"، التي رست في حوض بناء السفن في فيلادلفيا، وهو ما أتاح له رؤية واضحة للمدمرة "Eldridge" لحظة اختفائها.

بعد ذلك بفترة طويلة، بعد عرض فيلم "تجربة فيلادلفيا" عام 1984، ظهر رجل يُدعى آل بيليك، يزعم مشاركته شخصياً في تلك التجربة السرية، لكنَّه تعرّض لغسيل دماغ لنسيان ما حدث، وعندما شاهد الفيلم في عام 1988، عادت إليه ذكرياته المكبوتة عن تلك التجربة.

على الرغم من الادعاءات المتواصلة من كلا الرجلين، كانت رواية شاهد ثالث هي ما ألقت في نهاية المطاف بعض الضوء على ما قد حدث بالفعل في فيلادلفيا خلال صيف فترة الحرب عام 1943.

نشر عالم الفيزياء الفلكية الفرنسي الأصل، جاك فالي، مقالاً في دورية "Journal of Scientific Exploration العلمية في عام 1994 عن "تجربة فيلادلفيا". كان فالي قد طلب من القرّاء في مقالٍ سابق، التواصل معه إذا كان لديهم مزيد من المعلومات حول الحدث المزعوم. في ذلك الوقت، تلقى فالي رسالة من إدوارد دادجون، الذي خدم في البحرية الأمريكية خلال الفترة من عام 1942 إلى عام 1945. عَمِل دادجون كهربائياً في البحرية الأمريكية ولديه معرفة كاملة بالأجهزة السرية المُثبتة على كلٍّ من سفينته والمدمرة البحرية "Eldridge".

بعيداً عن كونها محركات نقل عن بعد صمَّمها أينشتاين (أو حتى كائنات فضائية)، مكَّنت تلك الأجهزة السفن من التشويش على بصمتها المغناطيسية باستخدام تقنية تسمى إزالة المغنطة لتصبح غير مرئية للرادار. كانت السفينة ملفوفة في كابلات كبيرة موصولة بشحنات ذات جهد عال.

ووفقاً لما ورد في موقع HowStuffWorks الأمريكي، كان دادجون على دراية بالشائعات الجامحة حول اختفاء السفينة وطاقمها المشوه، لكنَّه عزا سبب التلفيقات في حديث البحار عن اختفاء السفينة إلى خصوصية عملية إزالة المغنطة. قد يعود سبب حدوث "الوهج الأخضر" إلى عاصفة كهربائية أو ظاهرة "شرر القديس إلمو". أما بالنسبة للظهور الغامض للمدمرة الأمريكية في ترسانة "نورفولك" البحرية وعودتها المفاجئة إلى حوض بناء السفن في فيلادلفيا، فأوضح دادجون أنَّ البحرية الأمريكية استخدمت قنوات مائية داخلية محظور على السفن التجارية استخدامها، لاختصار زمن الرحلة إلى 6 ساعات بدلاً من يومين.

وفي تحولٍ آخر للأحداث، تواصلت صحيفة "Philadelphia Inquirer" في عام 1999 مع عدد من البحارة، الذين خدموا على متن المدمرة البحرية "USS Eldridge" في أتلانتيك سيتي. قال البحارة إنَّ السفينة لم ترسُ قط في فيلادلفيا، وأكَّد سجل السفينة أنَّها في الواقع كانت في بروكلين بتاريخ اختفائها المفترض نفسه.

على الرغم من الروايات المختلفة، يؤكد دادجون وطاقم السفينة عدم حدوث أي شيء خارق على متن السفينة. ومع ذلك، لا يزال الناس يعتقدون خلاف ذلك. 

أما عن أسباب استمرار هذه الأوهام لأكثر من 70 عاماً، فتعود إلى حد كبير إلى انعدام عام للثقة بالجيش والحكومة الفيدرالية، بعد اعترافهما بإجراء تجارب غير أخلاقية على جنود ومواطنين أمريكيين. حصلت الادعاءات على مزيد من الشرعية أيضاً من خلال استدعاء أسماء علماء بارزين -مثل أينشتاين- وربط التكنولوجيا السرية بنظرية علمية لا تزال بعيدة المنال.

وعلى الرغم من نفي مكتب الأبحاث البحرية الأمريكي إجراء أي تجارب تتعلق بالإخفاء وأنَّ مثل هذه التجارب لا تحدث إلا في أفلام الخيال العلمي، لا يزال كثيرون يعتقدون أنَّ هذه التجربة ما هي إلا مثال آخر لحالات التلاعب والتستر الحكومي.