النهار الاخبارية- وكالات
في السادس من يونيو/حزيران، أعلن الحرس الثوري الإيراني رسميًا عن إدخال صواريخ "فتاح" ضمن ترسانته الباليستية المتطورة، كاشفًا أنها باتت جزءًا من قدرات الردع الإيرانية التي تهدف إلى "ضبط توازن القوى" في مواجهة إسرائيل وحلفائها في المنطقة. البيان، الذي حمل طابعًا استعراضيًا، أكد أن هذه الصواريخ "تمثل رسالة اقتدار موجهة إلى الحليف المتوهم لتل أبيب والمحرض على الحرب"، في إشارة إلى الولايات المتحدة الأميركية.
ورغم أن الإعلان لم يتضمن تفاصيل عن استخدام فعلي للصاروخ "فتاح" في هجمات مباشرة ضد إسرائيل خلال تلك الفترة، فإن توقيت الكشف عنه عُدّ مؤشرًا على تصعيد إيراني مدروس في إطار الحرب النفسية واستعراض القدرات التكنولوجية في وجه خصوم طهران الإقليميين والدوليين.
ما هو صاروخ "فتاح"؟
صاروخ "فتاح 1" هو من فئة الصواريخ الباليستية الإيرانية التي تصفها طهران بأنها "أسرع من الصوت"، إذ تبلغ سرعته نحو 5 ماخ، أي ما يعادل 6100 كيلومتر في الساعة. ويصل مداه إلى 1400 كيلومتر، ما يجعله قادرًا نظريًا على ضرب أهداف في عمق إسرائيل أو قواعد عسكرية أميركية في المنطقة.
بحسب وكالة "إرنا" الرسمية، يتميز "فتاح" بمحرك يعمل بالوقود الصلب، مع فوهة متحركة في مرحلته الثانية، ويُقال إنه قادر على التخفي عن أنظمة الرادار، وتنفيذ مناورات داخل وخارج الغلاف الجوي للأرض، ما يزيد من قدرته على تجاوز الدفاعات الجوية المتقدمة.
كما أشارت التصريحات الإيرانية إلى أن الصاروخ يحمل رأسًا حربيًا مركبًا على "مركبة قابلة للمناورة"، وهي تقنية تتيح له تغيير مساره في المرحلة النهائية من الطيران، مما يصعّب اعتراضه. وقد صرّح الجنرال أمير علي حاجي زاده، القائد السابق للقوات الجوية في الحرس الثوري، أن الصاروخ قادر على "اختراق جميع أنظمة الدفاع الجوي وتدميرها".
تشكيك غربي وتحفّظ إسرائيلي
رغم هذه المزاعم، قابل خبراء غربيون الإعلان الإيراني بشيء من التشكيك. فالباحث فابيان هينز من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية قال، في تصريح لشبكة "سي إن إن"، إن معظم الصواريخ الباليستية تصل تلقائيًا إلى سرعات تفوق الصوت، خاصة في المراحل النهائية من رحلتها. غير أن استخدام مركبة حربية قابلة للمناورة يُعد تطورًا نوعيًا، إن ثبت فعاليته، إذ يعقّد عمل أنظمة الاعتراض الصاروخي.
أما في إسرائيل، فقد حاول المسؤولون التخفيف من وقع التصريحات الإيرانية. وقال وزير الدفاع السابق يوآف غالانت: "أسمع أعداءنا يتفاخرون بأسلحتهم، لكن لدينا دائمًا الرد المناسب، سواء في الجو أو على الأرض أو في البحر، عبر وسائل دفاعية وهجومية فعالة".
ردود الفعل الدولية: قلق من سباق تسلّح وتصعيد إقليمي
أثار الإعلان الإيراني عن "فتاح" موجة من الحذر في الأوساط الدبلوماسية الدولية. ففي حين لم تُسجّل هجمات مباشرة باستخدام هذا الصاروخ ضد إسرائيل حتى تاريخه، فإن مجرد الإشارة إلى دخوله الخدمة القتالية عُدّ بمثابة رفع للجهوزية العسكرية الإيرانية، ورسالة ردع علنية موجّهة للخصوم.
عواصم غربية كواشنطن وباريس وبرلين عبّرت عن خشيتها من أن يتحول هذا النوع من التطوير العسكري إلى محفّز جديد لتدهور الأوضاع الأمنية في الشرق الأوسط. ودعت إلى ضرورة ضبط النفس وتجنّب الانزلاق نحو سباق تسلّح قد يقود إلى صدام مباشر بين قوى إقليمية كبرى.
كما أعربت الأمم المتحدة عبر دوائرها المختصة بنزع السلاح، عن قلقها من الاستخدام المتزايد لتقنيات الصواريخ الفرط صوتية في بيئات مشحونة سياسيًا وأمنيًا، محذّرة من أن هذه التطورات قد "تنسف الجهود الدولية الرامية إلى ضبط التسلّح والعودة إلى الحوار الدبلوماسي".
ان استعراض قوة يحمل أبعادًا سياسية
رغم عدم وجود دلائل على استخدام صاروخ "فتاح" في ضربات مباشرة حتى الآن، فإن مجرد الكشف عنه في سياق التوترات المتصاعدة في المنطقة يُعَدّ خطوة استراتيجية. فإيران تسعى إلى ترسيخ صورة القوة والسيطرة والردع، ليس فقط على مستوى الساحة الإقليمية، بل في إطار خطاب موجه للولايات المتحدة وأوروبا أيضًا. وبينما يبقى الأداء الفعلي للصاروخ رهن التجربة الميدانية، فإن حضوره في الخطاب العسكري الإيراني يمثل تحوّلًا مهمًا في قواعد الاشتباك