الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

سجناء روسيا السياسيين يقاومون بالرسائل



النهار الاخباريه- وكالات

في كوخ خارج موسكو، يقلّب كونستانتين كوتوف مئات الرسائل التي تلقّاها عندما قضى أكثر من عام خلف القضبان لانتهاكه قواعد التظاهر في روسيا.
أمضى الناشط المعارض عقوبته في المستعمرة الجزائية رقم 2 في بوكروف، وهو سجن ذائع الصيت يقع على بعد 100 كيلومتر خارج موسكو ويقبع فيه حالياً زعيم المعارضة أليكسي نافالني.
ويقول كوتوف الذي أطلق سراحه في ديسمبر (كانون الأول) الماضي إنه واجه "جداراً من الصمت" بعدما حظرت سلطات السجن على بقية المحتجزين التحدّث معه.
ويشير الناشط البالغ 36 سنة والذي بات طليقاً إلى أن الرسائل، المكتوبة بمعظمها بخط اليد، منعته من "الانهيار".
وتُعد الاتصالات والزيارات محدودة في نظام السجون الروسي وتفرض السلطات قيوداً على وجه الخصوص على اتصالات السجناء السياسيين مع العالم الخارجي، إذ إنهم يخضعون عادة إلى عزلة أكبر من تلك التي يعاني منها غيرهم من السجناء.
وفيما تُعتبر الرسائل الوسيلة الفعالة الوحيدة للتواصل، لجأ ناشطون إلى وسائل التواصل الاجتماعي لتشجيع الروس على الكتابة للأشخاص الذين يعتبرونهم سجناء سياسيين.
يستذكر كوتوف أنه كان يقضي ساعة يومياً قيد الرقابة المشددة لقراءة الرسائل.
ويقول "كانت دوماً لحظة سرور. سمحت لي بالاحتفاظ بالحرية بداخلي التي حاولوا كثيراً انتزاعها".
وأكد كوتوف، الذي سجن لمشاركته في عدة احتجاجات خلال التظاهرات المناهضة للكرملين صيف العام 2019، بأنه كثيراً ما كان يتلقى الرسائل متأخرة ببضعة أشهر، إذ كان يتعيّن بأن تمر عبر رقابة السجن أولاً.
ولفت إلى أن أي إشارات تحمل انتقادات للرئيس الروسي فلاديمير بوتين كانت تشطب من الرسائل.
وعرضت سلطات السجن التي ملّت قراءة ومراقبة الرسائل، على كوتوف توفير ظروف أفضل له إذا توقف عن الرد عليها، وهو أمر رفضه.
واشتكى نافالني، الذي شبّه سجن بوكروف بمعسكر اعتقال نازي، من الرقابة على الرسائل في رسالة ساخرة نشرها فريقه على "إنستغرام" في وقت سابق هذا العام.
وقال "أنا مثل هاري بوتر في الكتاب الأول، هل تذكرون الرسائل من هوغوورتس؟"، في إشارة إلى بطل السلسلة الخيالية الذي كانت تُخفى رسائله عنه.
وأضاف "الأمر مشابه تماماً بالنسبة إلي، لكن من دون البوم والسحرة".
ودعا في المنشور أنصاره لكتابة رسائل لسجناء سياسيين آخرين في روسيا "لكي لا يشعروا بأنهم وحدهم".
وطلبت وكالة الصحافة الفرنسية من جهاز السجون الاتحادي التعليق على مسألة الرقابة التي تخضع لها رسائل السجناء، لكنها لم تتلق رداً.
متطوعون يكتبون الرسائل
وتُعد المحاضِرة في الجامعة إيرينا فلاديميروفا (50 سنة) من بين عدد من المتطوعين الذين يكتبون الرسائل لعدد متزايد من السجناء السياسيين.

لماذا تصر موسكو على تسجيل الصحافة الأجنبية "عملاء أجانب"؟

موسكو تصنف شبكة المعارض أليكسي نافالني "متطرفة"

وتحصل على عناوينهم من وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يشارك الناشطون قواعد بيانات الأشخاص الذين يعتبرونهم سجناء سياسيين والأماكن حيث يقضون عقوباتهم.
وتقدّر فلاديميروفا بأنها كتبت من مطبخها الصغير في موسكو حوالى 600 رسالة لسجناء على مدى ست سنوات.
وعندما زارتها وكالة الصحافة الفرنسية في شقتها، كانت تكتب لخمسة سجناء تعتبرهم مجموعة "ميموريال" الحقوقية المحلية سجناء سياسيين، بينهم قبطان أوكراني متقاعد ومؤرخ وطالب تم توقيفه على خلفية الاحتجاجات.
وكتبت في إحدى الرسائل "آمل بأن يسطع نجم من أجلك".
يوري دميترييف
وتضع طوابع وأوراق إضافية داخل كل مغلف ليتمكن السجناء من الرد. ومن بين هؤلاء المؤرّخ المهتم بكشف جرائم الحقبة الستالينية يوري دميترييف.
وحكم على دميترييف بالسجن 13 عاماً بتهم مرتبطة بالاستغلال الجنسي للأطفال تعتبرها المجموعات الحقوقية مسيّسة.
وتفيد فلاديميروفا "يقول لي (دميترييف) إن علي ألا أقلق".
وتؤكد أولغا رومانوفا، التي تدير مجموعة "روس سيدياشايا (روسيا خلف القضبان)"، التي تقدم المساعدة القانونية للسجناء أنه بإمكان الرسائل الحماية من العنف الجسدي.
وتقول "كلما حصل السجين السياسي على مزيد من الرسائل، كلما حظي بمزيد من الحماية"، مشيرة إلى أن الحراس يخشون "لمس" السجناء الذين يتمتعون باهتمام من العالم الخارجي.
وقالت "تعد الرسائل أداة (دعم) مهمة للغاية".
وفي مطبخها، تضع إيرينا فلاديميروفا على الظرف طابعاً يظهر شعار النسر ذو الرأسين الروسي مؤكدة، "أقوم بما يمكنني القيام به. أكتب الرسائل".