الإثنين 15 كانون الأول 2025

حادثة سيدني: بين توظيف معاداة السامية وضرورة ترسيخ أخلاقيات الصراع

قسم التحليل – احمد صلاح عثمان – لندن 
أعادت حادثة سيدني الأخيرة فتح نقاش واسع حول تداعيات الحرب الإسرائيلية على غزة، وكيف تجاوزت آثارها حدود الشرق الأوسط لتنعكس على المجتمعات الغربية التي تشهد اليوم حالة استقطاب سياسي وديني غير مسبوقة. 
فقد بات الخلط بين سياسات الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة وبين الجاليات اليهودية حول العالم ظاهرة خطيرة، تماماً كما يُخلط أحياناً بين ممارسات جماعات متطرفة وبين المسلمين كدين وجماعات بشرية.
هذا التداخل بين السياسي والديني، وبين المحلي والدولي، جعل الاستقرار في الشرق الأوسط عاملاً ضاغطاً على منظومات الأمن والنسيج الاجتماعي في دول بعيدة عن ساحات القتال، بحيث أصبحت أي حادثة فردية قابلة للتأويل والتسييس، كما حدث في أستراليا.
شهدت الأشهر الماضية تغيراً واضحاً في المواقف الغربية تجاه السياسات الإسرائيلية، خصوصاً مع اتساع رقعة الدمار في غزة. هذا التحول ترافق مع ارتفاع ملحوظ في حوادث معاداة السامية في الولايات المتحدة وأوروبا، وهو أمر يعيد إلى الأذهان حقباً مظلمة من التاريخ الأوروبي.
لكن من الضروري التمييز بين انتقاد سياسات دولة وبين استهداف جماعة دينية. فالغضب من الحرب لا يبرر بأي شكل الاعتداء على المدنيين اليهود أو غيرهم. 
ومعاداة السامية ليست رأياً سياسياً، بل خطاب كراهية عنصري يجب رفضه بشكل قاطع، تماماً كما يجب رفض الإسلاموفوبيا وكل أشكال العنصرية.
تعيش الجاليات العربية والإسلامية حالة احتقان متراكمة سبقت حرب غزة، لكنها اليوم أكثر حدة. هذا الغضب، رغم مشروعيته الإنسانية والسياسية، يفتقر إلى التنظيم، ويتراوح بين احتجاجات سلمية واسعة وبين أعمال فردية عنيفة تستغلها أطراف مرتبطة بدول أو جماعات خارجية.
إن أي عمل يستهدف المدنيين، مهما كانت دوافعه، هو عمل إجرامي مدان، ولا يمكن تبريره دينياً أو سياسياً. 
وعلى منظمة التعاون الإسلامي أن تكون واضحة في إدانة هذه الأفعال، انطلاقاً من مبدأ المواطنة واحترام القوانين في الدول التي يعيش فيها المسلمون.
لا يمكن لأي صراع سياسي أو عسكري أن يفقد بوصلته الأخلاقية والقاعدة التي يجب ترسيخها هي:
المساس بالمدنيين جريمة محرّمة في كل الأديان والقوانين، ولا يمكن أن تكون أداة مشروعة في أي معركة سياسية.



هذه القاعدة يجب أن تكون مرجعاً للجميع:
في غزة في أوروبا في أستراليا وفي كل مكان يشهد توتراً أو صراعاً
فاستهداف المدنيين، أو ترويعهم، أو استخدامهم كورقة ضغط، هو فعل مرفوض أخلاقياً وقانونياً، ولا يمكن تبريره بأي ذريعة دينية أو سياسية.
لم يعد المسلمون في أوروبا "جاليات وافدة"، بل مواطنون كاملو الحقوق  ولا يمكن تحميلهم مسؤولية أفعال فردية. وبالمثل، فإن حماية اليهود في أوروبا ليست مسؤولية الهيئات الدينية، بل مسؤولية الدولة والقانون، باعتبارهم مواطنين يتمتعون بالحقوق نفسها.
إن التباين بين التعامل الصارم مع معاداة السامية وبين التساهل النسبي مع الإسلاموفوبيا يكشف خللاً في المقاربة الأوروبية. المطلوب هو مساواة كاملة في الحماية القانونية، بعيداً عن أي ازدواجية.
تسعى الحكومة الإسرائيلية في السنوات الأخيرة إلى توسيع تعريف معاداة السامية ليشمل أي انتقاد لسياساتها، خصوصاً الاستيطان والحرب على غزة هذا التوظيف السياسي يخلط بين اليهود كجماعة دينية وبين دولة ذات سياسات قابلة للنقد.
والواقع أن الحراك الطلابي الأوروبي، الذي يقوده في معظمه طلاب غير عرب وغير مسلمين، يثبت أن الاحتجاجات ليست "استيراداً للصراع"، بل تعبيراً عن قيم أوروبية تتعلق بالعدالة وحقوق الإنسان.
من المفارقات أن إسرائيل تعزز تحالفاتها مع أحزاب يمينية متطرفة في أوروبا، وهي أحزاب لطالما ارتبطت بخطابات عنصرية ومعادية للأقليات. هذا التقارب منح تلك الأحزاب شرعية سياسية جديدة، وأسهم في تغذية التوترات المجتمعية، في وقت أصبحت فيه الأعمال الإرهابية الفردية ظاهرة يصعب التنبؤ بها أو احتواؤها أمنياً.
تكشف حادثة سيدني هشاشة المشهد الدولي، لكنها تذكّر أيضاً بضرورة وضع حدود أخلاقية واضحة للصراع:
رفض استهداف المدنيين
رفض معاداة السامية
رفض الإسلاموفوبيا
حماية المواطنين بغض النظر عن دينهم
الفصل بين نقد سياسات الدول وبين استهداف الجماعات الدينية
بهذه المبادئ فقط يمكن منع انتقال الصراع من ساحات القتال إلى شوارع العالم، والحفاظ على السلم الأهلي في المجتمعات المتعددة.