النهار الاخباريه وكالات
تّهمت "المفوّضية الأوروبية" حكومة المملكة المتّحدة بالفشل في بذل جهود "صادقة" في المحادثات المتعلّقة بقواعد ما بعد الخروج البريطاني من الاتّحاد الأوروبي، بالنسبة إلى إيرلندا الشمالية. وحذّرت ممّا سمّتها "عواقب وخيمة"، في حال قيام رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بتعليق الترتيبات المتعلّقة بالإقليم، من خلال تفعيل المادة 16 (من "بروتوكول إيرلندا الشمالية" التي تتيح اتّخاذ تدابير "وقائية" أحادية الجانب، إذا خلص الطرفان إلى أن الصفقة تؤدّي إلى مشاكل عملية خطيرة أو تتسبّب في تحويلٍ للتجارة).
هذا التحذير من جانب بروكسل، يأتي بعدما وصلت المحادثات في عاصمة الاتّحاد الأوروبي بين وزير "بريكست" ديفيد فروست ونائب رئيسة المفوّضية ماروس سيفكوفيتش، إلى طريق مسدود.
اللورد فروست أوضح أن التقدّم كان "محدوداً" في ما يتعلّق بمخاوف المملكة المتّحدة من طريقة سير عمل بروتوكول بوريس جونسون الخاص بإيرلندا الشمالية. لكن سيفكوفيتش يرى أن الجانب البريطاني فشل في التعامل مع مقترحاتٍ مهمّة قدّمها إليه الاتّحاد الأوروبي، لتسهيل أمور الشركات التي تنقل البضائع بين إيرلندا الشمالية والبرّ الرئيسي البريطاني.
وفي إشارةٍ إلى أن صبر بروكسل بدأ ينفد، اعتبر نائب رئيسة "المفوّضية الأوروبية" أن المحادثات الإضافية بين الطرفين المقرّر إجراؤها الأسبوع المقبل في لندن، ستكون لحظةً "مهمّة" في هذا المسار.
ويأتي الاجتماع وسط توقّعات متزايدة بأن رئيس الوزراء البريطاني سيستعين بالمادة 16 من البروتوكول، لتعليق بنودٍ من صفقته، مخاطراً بإشعال حرب تجارية مع الاتّحاد الأوروبي.
وكان اللورد ديفيد فروست قد أشار قبل انعقاد المحادثات إلى أن المادة 16 "مطروحةٌ بشكلٍ كبير"، وأن "الثغرات الكبيرة" ما زالت قائمة بين الطرفين، منبّهاً إلى أن "الوقت أصبح داهماً إذا أردنا إحراز تقدّم في المفاوضات".
وتسود تكهّنات بأن بوريس جونسون سيرجىء أيّ تصعيدٍ للنزاع مع بروكسل، إلى ما بعد تاريخ الثاني عشر من نوفمبر (تشرين الثاني)، وهو موعد اختتام محادثات "القمّة الـ26 للتغيّر المناخي" Cop26 في غلاسكو، لكن اللورد فروست رفض أن يُدرج ضمن جداول زمنية.
تعليقات المفاوض البريطاني أثارت مخاوف في إيرلندا الشمالية، حيث تشعر الشركات هناك بقلقٍ من أن مزيداً من الخلافات بين لندن وبروكسل، من شأنها أن تتسبّب في عرقلة التجارة.
وفي هذا الإطار، قال أودان كونولي مدير "اتّحاد تجّار التجزئة في إيرلندا الشمالية" Northern Ireland Retail Consortium، لـ"اندبندنت": "لطالما كنّا قد أوضحنا، أن ما نحتاج إليه هو حلّ تعاوني متّفق عليه بين الجانبين. أما المادة 16 فليست حلا. إن تفعيل هذه المادة لا يمنح الثقة والاستقرار اللذين تحتاجهما الشركات، لا بل إنه يغرقنا في الواقع في مزيدٍ من حال عدم الاستقرار، وفي المزيد من وضع عدم اليقين، وفي المزيد من المفاوضات".
أما ماثيو أوتول المتحدّث في ملف "بريسكت" في "الحزب الاشتراكي الديموقراطي العمّالي" Social Democratic and Labour Party (SDLP، والعضو في جمعية "ستورمونت" (الهيئة التشريعية في إقليم إيرلندا الشمالية)، فأشار في تصريح لـ"اندبندنت"، إلى أن استطلاعات الرأي المتكرّرة تظهر الآن أن الناس في إيرلندا الشمالية يريدون للبروتوكول أن ينجح، ولا يرغبون في تفعيل المادة 16 منه".
ورأى أن "إصرار كلٍّ من بوريس جونسون واللورد فروست على تصعيد المواجهة ورفع حدّتها بطريقة لا يريدها الناس هنا، إنما يشكّلان في واقع الأمر تصوّراً مخيفاً في شأن مدى ضآلة اهتمامهما الفعلي بالمنطقة".
ويضيف أوتول: "إن تفعيل المادة 16 لن يكون مجازفةً كبيرة بالاقتصاد البريطاني بأكمله فحسب، بل سيكون عملاً مخزياً ينطوي على ازدراء للناس وللشركات على حدٍّ سواء في إيرلندا الشمالية".
مجتبى رحمان المحلّل المرموق ومدير "مجموعة أوراسيا" Eurasia Group والمسؤول السابق في كلٍّ من وزارة الخزانة البريطانية و"المفوّضية الأوروبية"، يتوقّع أن يكون ردّ الاتّحاد الأوروبي على هذه الخطوة البريطانية "مزلزلا"، وقد يشمل تعليق "اتفاق التجارة والتعاون" Trade and Cooperation Agreement (TCA) لمرحلة ما بعد الخروج البريطاني من الكتلة، الذي وُقّع العام الماضي.
وأضاف: "لا أتوقّع قيام أيّ خطوة وسيطة (متعلّقة بالرسوم). بل مجرّد انعقادٍ طارىءٍ وفوري لـ "المجلس الأوروبي" التابع للاتّحاد الأوروبي، وصدور قرارٍ سياسي يقضي بتعليق الصفقة التجارية بين المملكة المتّحدة والاتّحاد الأوروبي".
لكن رحمان أوضح في المقابل، أنه لا يتوقّع أن يدخل أيّ تعليق لـ"اتفاق التجارة والتعاون" - الذي يعني خروجاً بريطانياً "بلا صفقة" - حيّز التنفيذ حتى السنة 2023. وقال إن من الممكن أن "يحاذر" السيّد جونسون في الإقدام على مثل هذه الخطوة، عوض أن يمضي قدماً نحو سنة الانتخابات، وسط حربٍ تجارية قد تؤدّي إلى رفع أسعار السلع داخل المتاجر البريطانية.
وقال مجتبى رحمان إن "السنة المقبلة ستشهد إعادة تنفيذٍ لاتفاق الخروج البريطاني من الاتّحاد الأوروبي - لجهة إعادة التفاوض على مشكلة الحدود الإيرلندية، في ظلّ تهديدٍ يلوح في الأفق بفرض تعرفاتِ اللا اتفاق - ويبدو أن الأمور هي على وشك أن تصبح شديدة التعثّر في الواقع".
ماروس سيفكوفيتش أشار في أثناء حديثه في بروكسل، إلى أن الاتّحاد الأوروبي "لم يألُ جهدا" في إعداد رزمة مقترحاتٍ تستهدف تخفيض العمليّات الروتينية المتعلّقة بالجمارك، والتخلّص من 80 في المئة من التدقيقات وأعمال التحقّق الصحّية من المنتجات الحيوانية.
لكنه أضاف: "لقد كانت هذه نقلةً كبيرة من جانبنا، إلا أننا حتى اليوم لم نرَ أيّ تحرك مماثلٍ على الإطلاق من جانب المملكة المتّحدة. وأجد تالياً أن ذلك مخيّباً للآمال. من هنا، إنني أحضّ مرّةً أخرى، حكومة المملكة المتّحدة على التعاطي معنا بإخلاص".
وتابع سيفكوفيتش يقول: "من هذا المنظور، أعتبر أن الأسبوع المقبل سيكون محطّة مهمّة للغاية. يتعيّن أن نحشد خلالها مختلف الجهود، من أجل التوصّل إلى حلٍّ في أسرع وقتٍ ممكن. ويُفترض أن نضع نصب أعيننا هدف تحقيق الاستقرار وخطةً للتوقعات بالنسبة إلى إيرلندا الشمالية".
تجدر الإشارة إلى أن المادة 16 من البروتوكول، تسمح للمملكة المتّحدة أو للاتّحاد الأوروبي، بتعليق بنود صفقة إيرلندا الشمالية من جانبٍ واحد، إذا ثبت أنها تسبّبت بـ "صعوباتٍ اقتصادية أو مجتمعية أو بيئية" خطيرة، أو بتحويلٍ للتجارة يمكن أن يستمر.
لكن المادة نفسها، تنصّ بوضوح أيضاً على أن الجانب الآخر يمكنه الردّ من خلال "إجراءاتٍ متناسبة لإعادة التوازن"، التي يمكن أن تشمل فرض تعريفاتٍ جمركية على السلع البريطانية.
معلومٌ أن عاصمة الاتّحاد الأوروبي أعلنت غير مرّة أنها لن تذعن لطلب المملكة المتّحدة إزالة "محكمة العدل الأوروبية" European Court of Justice (ECJ) من أيّ ولايةٍ قضائية على الشؤون في إيرلندا الشمالية.
وكان قد وافق كلٌّ من جونسون واللورد فروست على إشراك "محكمة العدل الأوروبية" عندما تفاوضا على البروتوكول في العام 2019، لأن الاتفاق يترك إيرلندا الشمالية فعلياً ضمن منطقة السوق الموحّدة للاتّحاد الأوروبي. لكنهما أصرّا أخيراً على اعتبار أن دور محكمة لوكسمبورغ يشكّل انتهاكاً غير مبرّر لسيادة المملكة المتّحدة.
وفي إطار التحذير الأوروبي، قال شيفكوفيتش: "بتنا نسمع الكثير عن المادة 16 في الوقت الراهن. يجب ألا يكون هناك أدنى شكّ في أن تفعيل المادة 16 سعياً إلى إعادة التفاوض على البروتوكول، ستترتّب عنه عواقب وخيمة وخطيرة بالنسبة إلى إيرلندا الشمالية، لأنها ستتسبّب في حالٍ من عدم الاستقرار وعدم القدرة على توقع الظروف، وستكون خطيرة أيضاً على العلاقات بين الاتّحاد الأوروبي والمملكة المتحدة عموما، لأنها تعني رفض جهود الاتّحاد الأوروبي الهادفة إلى إيجاد حلٍّ توافقي لتنفيذ البروتوكول".
على الجانب البريطاني، أفاد متحّدث بإسم حكومة المملكة المتّحدة بأن اللورد فروست أكّد في اجتماع الجمعة أن التقدّم كان محدودا، وأن مقترحات الاتّحاد الأوروبي لا تقارب في الوقت الراهن، على نحو فعّال، الصعوبات الأساسية في طريقة عمل البروتوكول.
وأضاف أنه "من وجهة نظر المملكة المتّحدة، ما زال من الممكن سدّ هذه الثغرات من خلال إجراء مزيدٍ من المناقشات المكثّفة. وشدّد على أن بريطانيا تفضل التوصّل إلى حلٍّ توافقي يحمي اتفاق بلفاست (الجمعة العظيمة) كما الحياة اليومية للناس في إيرلندا الشمالية".
وزير إيرلندا الشمالية براندون لويس، أوضح أن تفعيل المادة 16 "ليس حتميا"، ويبقى "الملاذ الأخير المطلق". وقال لويس لوكالة "برس أسوسيّيشن" إن "موقفنا القانوني هو أن الشروط قد تمّ استيفاؤها حتى الآن كي نلجأ إلى المادة 16".
وخلص إلى القول: "أعتقد أنه من البديهي أننا لا نريد القيام بذلك، وإلا لكنّا قد فعلنا. إننا لم نقدم على خطوةٍ من هذا النوع، لأننا نريد التوصّل إلى اتفاق مع الاتّحاد الأوروبي".