النهار الاخبارية- وكالات
توعّد المتمردون الذين يشنون منذ تسعة أيام هجوماً على النظام التشادي بالوصول إلى نجامينا، ورفضوا "رفضاً قاطعاً" تشكيل المجلس العسكري الانتقالي برئاسة نجل إدريس ديبي إتنو الذي توفي خلال معركة في محاولة لجمهم، على ما أفاد ناطق باسمهم وكالة الصحافة الفرنسية.
وقال الناطق باسم جبهة التناوب والتوافق كينغابي أوغوزيمي دي تابول في اتصال هاتفي أجري معه من ليبرفيل "نرفض رفضاً قاطعاً المرحلة الانتقالية. ننوي مواصلة الهجوم". وكان الجيش التشادي والحكومة أكدا "القضاء" على قافلة المتمردين وقتل 300 منهم.
تعميق مشكلات تشاد
ولقي الرئيس التشادي إدريس ديبي، الذي حكم البلاد لأكثر من 30 عاماً وكان حليفاً مهماً للغرب في المعركة ضد الإرهابيين في أفريقيا، حتفه أثناء تفقّده للقوات على جبهة القتال مع المتمردين في الشمال.
وقال المتحدث باسم الجيش عظيم برمينداو أجونا، في بث تلفزيوني اليوم الثلاثاء إن مجلساً انتقالياً يضم مجموعة من كبار ضباط الجيش اختار الجنرال محمد إدريس ديبي إتنو، ابن ديبي، رئيساً مؤقتاً للبلاد.
وصل ديبي (68 سنة) إلى السلطة في تمرّد عام 1990 وهو أحد أكثر الرؤساء الأفارقة بقاء في السلطة، ونجا من محاولات انقلاب وتمرد عدة، وقد تعمّق وفاته مشكلات تشاد وحلفائها. فعلى الصعيد الداخلي، يشهد الجيش انقسامات، بينما تكافح المعارضة ضد سنوات من الحكم القمعي. أما على الصعيد الدولي، فستأمل فرنسا والولايات المتحدة ألا تخرج جهودهما في مكافحة الإرهاب عن مسارها الآن. وقالت باريس إنها فقدت "صديقاً شجاعاً" وإن تشاد خسرت "جندياً عظيماً".
وأُعلنت وفاته غداة إعلانه فائزاً في انتخابات رئاسية كانت ستمنحه فترة سادسة في السلطة. وقاطع الانتخابات معظم خصومه، وزار ديبي، الذي كان كثيراً ما ينضم إلى جنوده في ساحات القتال بزيّ التمويه العسكري، القوات على جبهة القتال أمس الاثنين بعدما تقدّم متمردون متمركزون عبر الحدود الشمالية في ليبيا مئات الكيلومترات باتجاه الجنوب صوب العاصمة نجامينا.
وقال برمينداو، "المارشال إدريس ديبي تولّى قيادة العمليات خلال قتال بطولي ضد إرهابيين من ليبيا، مثلما فعل في كل مرة تتعرّض فيها مؤسسات الجمهورية لخطر داهم. أصيب خلال القتال وتوفي لدى نقله إلى نجامينا". وجرى حل الحكومة والمجلس الوطني وفُرض حظر تجول من السادسة مساء حتى الخامسة صباحاً.
وقال برمينداو، "المجلس الوطني الانتقالي يطمئن الشعب التشادي بأنه تم اتخاذ جميع الإجراءات لضمان السلام والأمن والنظام الجمهوري". وأوضح المجلس العسكري أنه سيقود فترة انتقالية مدتها 18 شهراً تنتهي بإجراء انتخابات حرّة ونزيهة.
وعمل ديبي على وضع دستور جديد في 2018 كان سيتيح له البقاء في السلطة حتى عام 2033 على الرغم من أنه تضمن فرض قيود على فترات الرئاسة. وحصل على لقب مارشال في 2020. وقال قبل انتخابات الأسبوع الماضي "أعرف سلفاً أنني سأفوز مثلما فعلت طوال الأعوام الثلاثين الماضية".
وكان يواجه حالة من الاستياء الشعبي المتزايد بسبب إدارته للثروة النفطية في البلاد، كما تعامل بحدة مع خصومه. لكن ديبي حصل على 79 في المئة من الأصوات في الانتخابات التي أُعلنت نتائجها أمس الاثنين.
وقال مراسل لـ"رويترز" في نجامينا إن الناس انتابتهم حالة من الفزع بعد انتشار الأنباء عن وفاته، في ظل خشيتهم من أن يندلع القتال في المدينة. وفرّ كثيرون إلى المشارف، بينما شهدت الشوارع اختناقاً مرورياً.
عدم اليقين
واعتبرت الدول الغربية ديبي حليفاً في الحرب على الإرهابيين، ومنها جماعة "بوكو حرام" النيجيرية في حوض بحيرة تشاد، والجماعات المرتبطة بـ"القاعدة" وتنظيم "داعش" في منطقة الساحل الأفريقي.
واتخذت فرنسا من العاصمة التشادية نجامينا مركزاً لعملياتها لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل. وأعلنت تشاد في فبراير (شباط) نشر 1200 جندي إضافة إلى 5100 جندي فرنسي في المنطقة.
وأشادت الرئاسة الفرنسية بديبي وأكدت دعمها لاستقرار تشاد وسلامة أراضيها. وفي بيان، أشارت إلى تشكيل المجلس العسكري بقيادة نجل ديبي، لكنها قالت إنها تأمل في عودة سريعة وسلمية للحياة المدنية.
ورأى ناثانيال باول، مؤلف كتاب "تاريخ التدخل العسكري الفرنسي في تشاد" أن وفاة ديبي قد تفجر حالة شديدة من عدم اليقين في البلاد.
وأضاف باول لـ"رويترز"، "الإسراع بإعلان تشكيل مجلس عسكري وتنصيب ابنه محمد رئيساً للدولة يشير إلى استمرار النظام". وتابع "يهدف ذلك على الأرجح إلى تجنب أي محاولة للانقلاب من داخل المؤسسة الأمنية وإلى طمأنة الشركاء الدوليين لتشاد، بخاصة فرنسا وكذلك الولايات المتحدة، إلى أنه ما زال بإمكانهم الاعتماد على البلاد وعلى إسهامها المستمر في الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل".
وقال دبلوماسي إقليمي إن اختيار نجله رئيساً مؤقتاً للبلاد يمثل إشكالية لأن رئيس البرلمان كان من المفترض أن يتولّى الرئاسة عند وفاة ديبي. وأضاف، "هذا في حد ذاته يُعدّ انقلاباً. كان يحضّر ابنه منذ فترة".
وأثارت أعمال المتمردين في الآونة الأخيرة القلق بالفعل في واشنطن وعواصم غربية أخرى. وهاجم مقاتلو جبهة التغيير والوفاق في تشاد التي تتخذ من ليبيا مقراً لها نقطة حدودية يوم الانتخابات، ثم تقدّموا مئات الكيلومترات جنوباً عبر الدولة الشاسعة.
لكن يبدو أن الجيش التشادي أبطأ تقدمها على بعد 300 كيلومتر من نجامينا.
وأقرّ المتمردون أمس الاثنين بأنهم تكبّدوا خسائر يوم السبت، لكنهم قالوا إنهم عادوا إلى التحرك يومَي الأحد والاثنين.
وكان ديبي يحب زيارة القوات على الخطوط الأمامية. وانضم إلى الجيش في السبعينيات عندما كانت تشاد تخوض حرباً أهلية طويلة. وتلقّى تدريباً عسكرياً في فرنسا وعاد إلى تشاد عام 1978، وقدّم دعمه للرئيس حسين حبري وأصبح في نهاية المطاف القائد العام للقوات المسلحة. واستولى على السلطة عام 1990 وقاد جيشاً للمتمردين في هجوم استمر ثلاثة أسابيع انطلق من السودان المجاور للإطاحة بحبري المتهم بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان.
حليف استراتيجي للغرب
وتُعدّ تشاد الدولة الشاسعة الفقيرة في منطقة الساحل حليفة استراتيجية للغربيين في مكافحة الإرهاب، وشهدت البلاد حالة كبيرة من عدم الاستقرار بعد الاستقلال عام 1960 مع تمرّد في الشمال، اعتباراً من عام 1965. وفي 1980، اندلعت حرب أهلية بين أنصار غوكوني وداي، رئيس حكومة الاتحاد الوطني الانتقالي (بدعم من ليبيا) ووزير دفاعه حسين حبري الذي تولّى السلطة عام 1982.
وأطاح إدريس ديبي، حسين حبري عام 1990. وبحسب لجنة تحقيق تشادية، فإن القمع خلّف 40 ألف قتيل في ظل نظام حبري الذي حكم عليه بالسجن المؤبد لارتكابه جرائم ضد الإنسانية من قبل محكمة أفريقية خاصة عام 2017.
وفي فبراير (شباط) 2008، تم بفضل الدعم الفرنسي صدّ هجوم للمتمردين وصل إلى أبواب القصر الرئاسي. ومطلع 2019، ساعدت فرنسا الرئيس ديبي عبر قصف رتل من المتمردين التشاديين الذين دخلوا من ليبيا إلى شمال شرقي البلاد.
وتواجه تشاد تحديات عسكرية على كل حدودها. ففي منطقة بحيرة تشاد (غرب)، يحارب الجيش منذ عام 2015 ضد فصيل من "بوكو حرام" بايع تنظيم "داعش"، وتضم نجامينا مقر العملية الفرنسية لمكافحة الإرهابيين "برخان" التي أطلقت في 2014.
وفرنسا موجودة بشكل شبه دائم في مستعمرتها السابقة منذ الاستقلال. وتُعدّ تشاد أيضاً ضمن قوة الدول الخمس لمنطقة الساحل مع مالي وبوركينا فاسو والنيجر وموريتانيا، وقوة متعددة الجنسيات مشتركة مدعومة من الغربيين، تضم نيجيريا والنيجر والكاميرون. كما تشهد أيضاً نزاعاً بين مختلف المجموعات من المزارعين ومربّي المواشي في أقاليم وداي وسيلا في الشرق. ويواجه الجيش متمردين ومنقّبين عن الذهب في جبل تيبستي في الشمال وعلى الحدود مع ليبيا.
وعام 2020، انكمش إجمالي الناتج الداخلي بنسبة 0.6 في المئة بعد نمو بلغ 3 في المئة في 2019 بحسب البنك الأفريقي للتنمية، متأثراً بتوقف إنتاج النفط وإغلاق الحدود في مواجهة فيروس كورونا.
ويؤمّن النفط الذي تنتجه تشاد منذ عام 2003 ما يقارب 40 في المئة من إجمالي الناتج الداخلي وأكثر من 60 في المئة من عائدات الدولة. وبين عامَي 2014 و2016، تسبب تراجع سعر النفط بأزمة ديون. والحصة التي تملكها المجموعة السويسرية غلينكور تمت إعادة هيكلتها في 2018.
وتشاد مصنفة في المرتبة 187 من بين 189 دولة في مؤشر التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وفي 2018، كان نحو 42 في المئة من السكان يعيشون تحت عتبة الفقر وفق البنك الدولي.
وتسجّل تشاد أحد أعلى معدلات وفيات الأمهات في وسط أفريقيا، كما يموت فيها طفل من كل خمسة قبل عامه الخامس بحسب البنك الدولي.
وتبلغ مساحة البلد الواقع في قلب منطقة الساحل نحو 1.2 مليون كلم مربع ويقع على الحدود مع الكاميرون ونيجيريا والنيجر وليبيا والسودان وأفريقيا الوسطى، ويصل عدد سكانه إلى نحو 16 مليون نسمة (البنك الدولي 2019)، بينهم 53 في المئة من المسلمين و35 في المئة من المسيحيين والبقية أرواحيون. وتستقبل البلاد أكثر من 450 ألف لاجئ.