الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

الكرملين يستعد لإجراء انتخابات ستخضع لتحكم غير مسبوق


النهار  الاخباريه- وكالات 
ذا كنت تظن أنك تمر بأسبوع مرهق حافل بالمشاغل، فكر قليلاً بما تواجهه إيلا بامفيلوفا، رئيسة مفوضية الانتخابات في روسيا. كانت هذه الموظفة يوماً ما ناشطة في مجال حقوق الانسان، غير أنها باتت الآن مسؤولة عن مهمة حماية الكرملين من المفاجآت في الانتخابات العامة المقرر إجراؤها في سبتمبر المقبل. وفي الفترة التي تمهد للانتخابات التي سيتم فيها اختيار المرشحين لعضوية مجلس الدوما ومجلس النواب الفيدرالي، تكرم أسيادها برفع مستوى الرهان من خلال ممارسة القمع الشديد ضد من يختلفون معهم، وضد المعارضة، إضافة الى وسائل الإعلام، ويبدو أن هذه الجهود بدأت تؤتي أُكلها.
اتُهمت بامفيلوفا بتزوير الانتخابات بعدما حذفت يوم الأحد الماضي اسم الشيوعي البارز بافيل غرودينين من قائمة الاقتراع، فألقت كلمة غلبت عليها العاطفة. وصاحت قائلة "تنهال عليّ الأكاذيب من كل صوب، إلا أنني فخورة بأن أساعد في إيقاف تفكك البلاد".
ويعكس تحول بامفيلوفا إلى جندية مخلصة للنظام، وإن كان ذلك لا يخلو من بعض التناقضات، تقدماً في أسلوب مقاربة الكرملين للانتخابات بشكل عام.
 شابت كل الانتخابات التي أجريت في أعقاب الحقبة السوفياتية إلى حد ما، شكوك بالغش توفرت أدلة واضحة عليه، ولكن كانت هناك محاولة للمبالغة في إضفاء الصدق والشرعية على الانتخابات في الوقت الذي تم فيه تعيين بامفيلوفا في عام 2016، حين كان بوتين يركب موجة الشعبية الناجمة عن أحداث شبه جزيرة القرم. وتواصلت بامفيلوفا خلال الفترة التي سبقت انتخابات ذلك العام، مع منظمات غير حكومية للحديث عن أهمية التعددية السياسية.
مرت خمس سنوات على تلك الأيام، وصار الواقع السياسي السائد الآن مختلفاً، وفي ظل تراجع شعبية الكرملين يبدو قادته حالياً وكأنهم لم يعودوا يأبهون نهائياً بما يقوله النقاد، فالذي يهمهم هو النتيجة، بصرف النظر عما إذا كانت مصطنعة، غير طبيعية أم لم تكن.
وكان الكرملين سمح على الأرجح بتسميم ألكسي نافالني، زعيم المعارضة، في الأشهر السابقة للانتخابات ومن ثم سجنه وحظر حركته. وقد صنفت السلطة قطاعاً عريضاً من الصحافيين المستقلين كـ "عملاء أجانب"، كما اعتقلت أعداداً لاتحصى من الناشطين السياسيين والصحافيين، واعتمدت مجموعة من القوانين الجديدة المصممة خصيصاً لإعاقة مشاركة أي مرشحين من صعاب المراس.
ويقول غريغوري ميلكونيانتس، وهو الرئيس المشارك لمنظمة "غولوز" المستقلة لمراقبة الانتخابات، إن "هذه هي أكثر الانتخابات التي شهدتها روسيا لجهة الافتقار للحرية". وأضاف الناشط المخضرم أن "المسألة مسألة وقت" قبل أن يجري إجبار منظمته بقوة القانون على التوقف عن عملها. وتابع "الإشراف تام، ويشمل المعارضة والمجتمع المدني ووسائل الإعلام. ليس بوسعك حقاً أن تسمي ما يجري بـ "انتخابات".
وكانت انتخابات العام 2016 الأولى في روسيا لناحية إبراز نظام التمثيل النسبي المقسّم والتصويت المباشر، ولم ينجح أي مرشح مستقل بالوصول الى مجلس الدوما. وتجعل التغييرات التي تم تطبيقها منذئذ الانتخابات عرضة أكثر مما مضى لأهواء الكرملين.
فهي ستجري في المقام الأول على امتداد ثلاثة أيام، بين 17 و19 سبتمبر (أيلول). وتقول السلطات إن الغاية من تمديد فترة إجراء التصويت هي التخفيف من الازدحام في هذه الأيام التي يتفشى فيها فيروس "كوفيد-19". أما النقاد فيرون أن تمديد الفترة يوفر يومين وليلتين إضافيتين لملء صناديق الاقتراع بالأوراق المزورة، ومما يساعد المعنيين في القيام بهذه المهمة هو غياب كاميرات الدوائر التلفزيونية المغلقة، التي سمحت بضبط مزورين متلبسين بجرمهم مراراً في الماضي.
ويقول ميلكونيانتس إن التصويت على امتداد ثلاثة أيام، من شأنه أن يجعل المراقبة المناسبة لمحطات الاقتراع الـتي يبلغ عددها 95 ألف، والموزعة في أنحاء روسيا، عملية معقدة.
ويلاحظ وجود فرْق آخر بين اليوم والبارحة، وهو السهولة التي يتم بها إقصاء مرشحي المعارضة عن عمليات الاقتراع حيث يكفي الآن إصدار وزارة العدل أو المدعي العام مذكرة بخصوص مخالفات مزعومة كي تسارع سلطات الانتخابات إلى القيام بالإجراءات اللازمة بحق المعنيين.
ونظراً للخطوات التي اتُخذت بقصد حظر منظمة نافالني في إبريل (نيسان) الماضي، ليس من المستغرب أن يكون قراراً قد صدر بمنع شركائها من الترشح للانتخابات، لكن تم تنفيذ هذا القرار بشكل بشع إلى حد الاستهتار، وبدا أن السلطات في مدينة مورمانسك قد فرضت على رئيسة فرع حزب نافالني هناك الحجر الصحي في مستشفى يعالج المصابين بكوفيد 19، وذلك لمنعها من تقديم الأوراق اللازمة للترشح. وقد أعلنت تلك القيادية إضرابها عن الطعام.
من جهة أخرى ينطوي قرار عزل غرودينين الذي كان مرشحاً رئاسيا في انتخابات 2018، على مجازفة كما يعكس التململ المتنامي بشأن الإمكانات الانتخابية التي يتمتع بها الشيوعيون، ويبدو أن ورثة لينين وستالين يمثلون بشكل متعاظم فصيل المعارضة الوحيد الذي لا يسيطر عليه الكرملين بشكل صحيح. وكون الشيوعيين يحظون بدعم قوي من جانب ناشطين وطلاب يجعلهم من بعض النواحي أقرب إلى نافالني منه إلى نخبة الحزب الحاكم.
وكانت مشاركة غرودينين في الانتخابات مضمونة باعتباره الثالث في القوائم الحزبية. ودعا المرشح السابق، في مقابلات أجريت معه بعد حذف اسمه من قوائم الاقتراع يوم الأحد، الناخبين الروس إلى التصويت التكتيكي ضد حزب روسيا المتحدة الحاكم الذي يقوده فلاديمير بوتين، علماً أن نافالني كان هو أول من روّج لتلك الفكرة. وأضاف المرشح السابق الشيوعي أن زعيم المعارضة قد تم زج به في السجن بسبب وجهات نظره التي يعُتبر الكثير منها "صحيحاً".
لم تكن السنوات القليلة الماضية مليئة بالبهجة بالنسبة لحزب روسيا المتحدة، لا سيما أنه كان موضع انتقاد ويُقابل بغضب متزايد بسبب الفساد وتدني المستوى المعيشي. وتصعب معرفة مدى هبوط شعبيته بدقة، خصوصاً أن الشركات الرئيسة التي تنظم استطلاعات الرأي غير مستقلة أو محايدة تماماً، بل تخضع للسيطرة من جانب السلطة. ومع ذلك، يلاحظ أنه حتى شركة استطلاع الرأي الرسمية "فيتسيوم" صنّفت مستوى شعبية الحزب الحاكم بين 31-39 في المئة في أوساط الناخبين الذين قرروا من سيفوز بأصواتهم، وهي نتيجة مخيبة للآمال من حزب يحتكر وسائل الدعاية.
تدني شعبية الحزب الحاكم دفع قادته إلى حذف بعض الأعضاء بما فيهم ديمتري ميدفيدف، زعيمه النظري، من قوائم التمثيل النسبي الخاصة بهم. ووضعوا محل هؤلاء فريقاً متنافراً من الوزراء والأطباء الأكثر شهرة والمقربين من الكرملين.
 بيد أنه من غير الواضح كيف يمكن لإدراج الوزيرين سيرجي لافروف و سيرجي شويغو، وكلاهما معنيان بالسياسة الخارجية، أن يسهم في تطمين الناخبين. فقد أوضح "مركز ليفادا "، وهي شركة صغيرة مستقلة لاستطلاعات الرأي، أن اهتمام الناخبين يرتكز على الشأن المحلي، فهم معنيون قبل كل شيء بالأسعار الآخذة في الارتفاع والفقر والفساد.
ويوحي الغضب الذي لايزال ينتاب العديدين أن بعض المفاجآت لاتزال محتملة وذلك على الرغم من كل القيود. ويتوقع كونستانتين كالاتشيوف، الخبير السياسي وصاحب الباع الطويل في تقديم الاستشارات لكثير من الناشطين، أن تتسلل قوى سياسية جديدة إلى البرلمان ربما عبر لوائح مرشحي الحزب الحاكم في بعض أكثر المناطق إشكالية، مثل أقصى الشمال، والشمال الغربي، وياكوتيا، وبريمورسكي كراي في الشرق الأقصى.
ويقول هذا الخبير إن كلاً من موسكو وسانت بيترسبورغ، حيث تجري مراقبة الانتخابات بالشكل الأفضل مقارنة مع المناطق الأخرى، قد تسجل أيضاً نتائج غير متوقعة تخلط الأوراق.
وفي هذه الأثناء، يرى ميلكونيانتس أن حملة القمع المكثفة هي نتيجة مباشرة للقلق من مفاجآت مزعجة.
ويقول ميلكونيانتس، "إذا كان التصويت لمصلحة حزب روسيا المتحدة مستقراً، فهو لن يلجأ إلى قمع من هذا النوع". ويضيف، "إن كل ما يفعله يدلك على أنه يشارك في هذه الانتخابات من موقع ضعيف للغاية".