الإثنين 16 حزيران 2025

الشرق الأوسط بين نيران المواجهة الإيرانية–الإسرائيلية وسيناريوهات التدويل



بقلم: محمود غياض - النهار الاخباريه مقالات

في لحظةٍ مشبعةٍ بالتوترات والانفجارات السياسية والعسكرية، يتحول الشرق الأوسط تدريجيًا إلى ساحة اشتباك مفتوح، ليس فقط بين إسرائيل وإيران، بل بين محاور متقابلة تُعيد رسم خارطة النفوذ العالمية. لم تعد الحرب الجارية مجرد فصل جديد من الصراع المزمن في المنطقة، بل قد تكون الشرارة التي تفكك ما تبقى من النظام الإقليمي القديم وتفتح الباب أمام إعادة تشكيل المشهد العالمي.
كسر قواعد الاشتباك:

 إيران تتجاوز الخطوط الحمراء

لأول مرة منذ عقود، نشهد مواجهة مباشرة وصريحة بين طهران وتل أبيب، مع إعلان إيران مسؤوليتها عن قصف تل أبيب بالصواريخ والطائرات المسيّرة، ردًا على هجوم إسرائيلي على بنى تحتية عسكرية حساسة. لم تعد المعارك تُخاض بالوكلاء أو عبر وسطاء إقليميين، بل دخلت الأطراف في مرحلة "المواجهة المكشوفة" التي قد تقلب كل الحسابات.
هذا التطور ليس مجرد تصعيد عسكري عابر، بل إعلانٌ عن نهاية "قواعد الاشتباك" القديمة التي طالما نظّمت سلوك الأطراف، سواء بشكل ضمني أو تفاهمات غير مكتوبة. إسرائيل، التي لطالما اعتبرت عمقها الاستراتيجي محصنًا نسبيًا، باتت الآن تحت مرمى ضربات قادرة على إرباك منظومتها الدفاعية وفرض معادلات ردع جديدة.

الغرب يدخل المشهد... لكن على أطرافه

تحركت الولايات المتحدة وبريطانيا سريعًا، عبر نشر حاملات طائرات وتعزيزات جوية في الخليج وشرق المتوسط، لكن حتى اللحظة، يظل هذا الوجود تحت عنوان "حماية الشركاء وتأمين الممرات". ومع ذلك، من الصعب تصديق أن هذه القوات ستبقى على الحياد إذا استمر التصعيد، خصوصًا في حال تهديد المصالح الحيوية أو اندلاع اشتباك مباشر في سوريا أو داخل الأراضي الإيرانية.

السؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل نحن أمام احتواء دقيق للأزمة، أم تمهيد لتدويل تدريجي للصراع؟

مضائق تحت النار: هرمز وباب المندب في عين العاصفة

المشهد لا يكتمل دون النظر إلى التحركات في الممرات البحرية. إيران تُهدد بإغلاق مضيق هرمز، فيما يتحرك الحوثيون في اليمن نحو استهداف السفن في باب المندب. أي تهديد فعلي لهذين المضيقين قد يشكّل ضربة مباشرة للاقتصاد العالمي وسلاسل الطاقة.

الرد الدولي، بطبيعة الحال، سيكون بحريًا في البداية، لكنه قد يتطور إلى عمليات استباقية ضد منصات إطلاق أو منشآت بحرية تابعة لإيران أو حلفائها. نحن هنا أمام سيناريو "حرب المضائق"، وهو تطور يُنذر بحروب مركبة ذات طابع اقتصادي–عسكري في آن.

باكستان: الشريك المفاجئ في المحور الشرقي

وسط هذه التعقيدات، برز انحياز باكستان المتدرج نحو طهران كعنصر مفاجئ لكنه بالغ الدلالة. فإسلام آباد، بما لها من علاقات استراتيجية مع الصين وموقع محوري في مشروع "الحزام والطريق"، تبدو اليوم أقرب إلى الانخراط في محور "بكين–طهران–إسلام آباد"، لا سيما في ظل استيائها المتزايد من النفوذ الأمريكي–الهندي في المنطقة.

لا يُتوقع أن تخوض باكستان حربًا مباشرة، لكن دعمها قد يكون لوجستيًا أو استخباراتيًا، وربما يتجلى عبر تسهيلات في ميناء جوادر، الورقة الجيوسياسية الأخطر في هذا التوقيت.

جوادر: سلاح الصين غير المعلن
ميناء جوادر الباكستاني، المدعوم من الصين، بات يشكل ثقلًا استراتيجيًا حاسمًا، خاصة إذا ما أُغلق مضيق هرمز. الميناء لا يوفّر بديلًا للطاقة فقط، بل يشكّل نقطة ارتكاز بحري قد تُستخدم – ولو دون إعلان رسمي – كمنصة دعم عملياتي في حال اندلاع حرب إقليمية واسعة.

الولايات المتحدة تدرك ذلك جيدًا، وربما لهذا السبب بات جوادر تحت عين الاستخبارات الغربية كساحة محتملة لتقاطع الصراع الآسيوي–الخليجي.

الصين وتايوان: فرصة سانحة وسط الفوضى

بعيدًا في الشرق، تتابع الصين المشهد من موقع المراقب–الطامح. ومع انشغال واشنطن ولندن في التصعيد مع إيران، يبدو أن بكين تقرأ اللحظة كفرصة لتسوية ملف تايوان. زيادة المناورات الصينية حول الجزيرة، ومحاولات الحصار البحري المتكررة، تؤشر إلى احتمال تفجير جبهة ثانية، ما سيضع الغرب أمام معضلة "الاشتباك على جبهتين" تفصل بينهما قارات.

العراق وسوريا: خطوط تماس متقدمة

يتجدد القصف على القواعد الأمريكية في العراق، ويتوسع الاشتباك الجوي الإسرائيلي في سوريا، في ظل تقاطع معقد بين إيران، وروسيا، وتركيا، والغرب.

 العراق يبدو وكأنه عاد ليؤدي دور "ساحة اختبار" لردع واشنطن، فيما تتحول الجبهة السورية إلى ساحة اشتباك دولية مفتوحة.

من البوكمال إلى دير الزور، ومن أربيل إلى عين الأسد، تتعدد الجبهات لكن المؤشرات تتجه كلها نحو سيناريو واحد: تفكيك الحرب إلى حلقات متعددة ضمن "صراع إقليمي ممتد" قد يسبق أي تسوية كبرى.

في الختام: بنية الحرب تغيرت... والنظام يتفكك

ما يجري اليوم ليس مجرد تصعيد طارئ، بل انزلاق منظم نحو صراع مُعَولم، تتداخل فيه الحسابات الإقليمية بالمصالح الدولية، وتُعاد فيه هندسة مراكز القوة والنفوذ.

دخول باكستان إلى جانب إيران، واستعداد الصين لاستغلال انشغال الغرب، كلها إشارات على تبلور محور جديد في مقابل محور واشنطن–تل أبيب–لندن.

الشرق الأوسط لا يعيش لحظة حرب فقط... بل لحظة ولادة نظام عالمي جديد، قد يكون أكثر اضطرابًا، وأقل قابلية للاحتواء بالدبلوماسية وحدها.