الجمعة 4 تشرين الأول 2024

إيران وأذربيجان.. قصة التوتر الذي وصل إلى تدريبات عسكرية تهدد بانفجار شامل

النهار الاخباريه  وكالات

اشتعلت أجواء التوتر بين إيران وأذربيجان خلال الأسابيع الأخيرة، ووصلت الأمور إلى حافة الهاوية، فما أسباب ما يحدث؟ وما علاقة ناغورني قره باغ وتركيا وباكستان وإسرائيل وأرمينيا بالقصة؟

موقع Middle East Eye البريطاني تناول أسباب التوتر ووصوله إلى تلك الدرجة الخطيرة من التصعيد، في تقرير بعنوان "إيران وأذربيجان: ما هي أسباب التوتُّرات الأخيرة"، رصد الأجواء على حدود البلدين، التي تبلغ 700 كيلومتر.
وكانت طهران قد أجرت تدريباتٍ عسكرية واسعة النطاق على طول حدودها مع جارتها أذربيجان منذ بداية أكتوبر/تشرين الأول الجاري، بعد أسابيع قليلة من قيام أذربيجان وحليفتيها تركيا وباكستان بتدريباتٍ عسكرية مشتركة في العاصمة الأذرية باكو.
وهناك عددٌ كبيرٌ من السكان الأذريين، الذين يُعتَبَرون أقليةً في إيران، في شمال إيران على الحدود الجنوبية مع أذربيجان، ما يعني أن التصعيد قد تكون له عواقب وخيمة. ورصد الموقع البريطاني أسباب التوتُّرات الأخيرة.

استعادت أذربيجان السيطرة على ناغورني قره باغ

يعود جزءٌ كبيرٌ من المشكلات بين إيران وأذربيجان إلى حرب العام الماضي في ناغورني قره باغ بين أذربيجان وأرمينيا.
وناغورني قره باغ منطقة جبلية كانت تحت سيطرة القوات الأرمينية لما يقرب من ثلاثة عقود قبل حرب 2020، كانت المنطقة قد انفصلت عن أذربيجان في التسعينيات، لكن لم تعترف بها أيُّ دولةٍ في العالم.
ولطالما سعى الأرمن الانفصاليون المدعومون من قِبَلِ حكومة يريفان، العاصمة الأرمينية، للانفصال عن أذربيجان وأن يصبحوا جزءاً من أرمينيا، رغم أنهم لم ينجحوا في ذلك.
وفي أعقاب الحرب التي استمرَّت 44 يوماً في العام الماضي، وانتهت بعد وقف إطلاق النار بوساطةٍ روسية، قالت أذربيجان إنها استعادت الكثير من الأراضي في ناغورني قره باغ وما حولها، تلك الأراضي التي كانت قد فقدتها في حرب عام 1991-1994، التي أودت بحياة ما يُقدَّر بـ30 ألف شخص.

ظلَّت إيران، المتاخمة لكلا البلدين، صامتةً إلى حدٍّ كبيرٍ خلال الصراع، لكنها أقرَّت، قرب نهاية الحرب، بأن المنطقة المُتنازَع عليها كانت أراضيَ أذربيجانية، رغم كون إيران حليفاً تقليدياً لأرمينيا، وجرت التدريبات الإيرانية الأخيرة في ظلِّ مزاعم إيرانية بأن الجيش الإسرائيلي منتشرٌ على الأراضي الأذربيجانية.
وكانت أذربيجان قد نشرت طائراتٍ مسيَّرة إسرائيلية من طراز "كاميكازي" في إقليم قره باغ أثناء الحرب، بينما قدَّمَت تركيا الأسلحة والمساعدة الفنية إلى باكو، ما ساهَمَ في النصر العسكري الذي أحرزته أذربيجان على أرمينيا، بحسب ميدل إيست آي.
وفي حين أن التوتُّرات الحالية بين أذربيجان وإيران اقتصرت حتى الآن على الحرب الكلامية والتدريبات العسكرية على طول حدودهما، هناك مخاوف من احتمالية أن تتصاعد الأمور إلى صراعٍ شامل.

تدريباتٌ عسكرية بمشاركة تركيا وباكستان

في 12 سبتمبر/أيلول، استضافت أذربيجان مناوراتٍ عسكرية مشتركة مع تركيا وباكستان، في خطوةٍ استفزَّت إيران على ما يبدو. فوفقاً لوزارة الخارجية الإيرانية، انتهكت التدريبات الثلاثية، التي أُطلِقَ عليها اسم "الإخوة الثلاثة 2021″، أحكام معاهدة الوضع القانوني لبحر قزوين، التي تنصُّ على عدم تواجد القوات المسلَّحة لأذربيجان وإيران وكازاخستان وروسيا الاتحادية، علاوة على منع تركمانستان من التواجد في بحر قزوين، لكن الاتفاق لم يدخل حيِّز التنفيذ لأن إيران لم تصدِّق عليه بعد.

كان الهدف المُعلَن من التدريبات هو تعزيز العلاقات الثنائية القائمة وتوطيد التعاون في مكافحة الإرهاب. وفي حفل افتتاح التدريبات، أقرَّ اللواء حكمت ميرزاييف، قائد القوات الخاصة الأذربيجانية، بدعم تركيا وباكستان لأذربيجان في حربها التي استمرَّت 44 يوماً ضد أرمينيا. 

وبعد أيامٍ قليلة من بدء التدريبات، ظهرت تقارير تفيد بأن أذربيجان كانت تفرض قيوداً على الشاحنات الإيرانية التي تستخدم طريقاً كان يربط سابقاً بين أرمينيا وإيران، واستولت عليه أذربيجان بعد حرب 2020.
سبق أن استخدمت إيران الطريق للوصول إلى روسيا وغرب آسيا دون قيود. وشملت القيود الجديدة نقاط تفتيش وفرض ضريبة على الطرق على السائقين الإيرانيين، واحتجاز سائقين، وهو ما يتعارض على ما يبدو مع أحكام اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسَّطَت فيه روسيا، والذي يضمن التدفُّق الحر لحركة المرور في المنطقة.

قطع طريق الشاحنات الإيرانية

أثار الرئيس الأذربيجاني، إلهام علييف، هذه القضية في مقابلةٍ حديثة مع وكالة أنباء الأناضول التركية، قائلاً إن الشاحنات الإيرانية كانت تدخل قره باغ "بصورةٍ غير قانونية" منذ ما قبل حرب 2020. وأضاف أن حوالي 60 شاحنة إيرانية دخلت منطقة اليم الأذري دون تصاريح في الفترة من 11 أغسطس/آب و11 سبتمبر/أيلول، وأن الضوابط الجديدة جاءت رداً على هذا الانتهاك.
"ثم بدأنا السيطرة على الطريق المار عبر الأراضي الأذربيجانية، وتوقَّفَت الشاحنات التي أرسلتها إيران إلى كاراباخ"، مضيفاً أنه يتعيَّن عليهم دفع ضرائب عند دخولهم الأراضي الأذربيجانية.
في تلك الأثناء، زعمت وسائل إعلام إيرانية أن أرمينيا تعتزم التنازل عن مقاطعة سيونيك الاستراتيجية لأذربيجان. وتقع سيونيك في أقصى جنوب أرمينيا، بين جمهورية نخجوان الأذرية التي تتمتَّع بالحكم الذاتي في الغرب، وأذربيجان في الشرق، وإيران من الجنوب، وتشكِّل المنطقة الحدود الأرمينية مع إيران.
وفي حين أن اتفاقية الهدنة لعام 2020 ضمنت لأذربيجان ممراً يربط نخجوان ببقية أذربيجان عبر سيونيك، فإن باكو "غير راضية عن هذه الخطة"، كما يقول الباحث الإيراني فاردين افتخاري.
يقول الباحث الإيراني افتخاري، إن باكو "تحافظ على هدفٍ طموح يتمثَّل في الاستيلاء على كلِّ مقاطعة سيونيك، ما قد يضع إيران في موقفٍ جيوسياسي غير مواتٍ لها".
ويضيف: "ستفقد طهران ارتباطها بأرمينيا والوصول المريح إلى المنطقة، بينما ستضطر للتعامل مع قوةٍ إقليمية مدعومة بشدة من العدو اللدود لإيران، إسرائيل".
من ناحيةٍ أخرى، سعت تركيا، التي لا تشترك في حدودٍ مع أذربيجان، منذ فترةٍ طويلة إلى إنشاء رابطٍ مباشر مع أذربيجان، من خلال منع وصول إيران إلى أرمينيا، كما تقول الباحثة الإيرانية الأمريكية والدبلوماسية السابقة شيرين هانتر.
تقول هانتر لموقع Middle East Eye: "لطالما أرادت تركيا أن يكون لها طريقٌ بريٌّ إلى أذربيجان، ومن هناك إلى شمال إيران وآسيا الوسطى". وتضيف: "إذا قرَّرَت تركيا الدفع بطموحها طويل الأمد المتمثِّل في إنشاء رابطٍ مباشر مع جمهورية أذربيجان، من خلال إلغاء وصول إيران إلى أرمينيا، فسوف يزداد خطر التصعيد".

مزاعم الوجود العسكري الإسرائيلي في أذربيجان

كانت إسرائيل، العدو الإقليمي لإيران، أحد الداعمين الرئيسيين لأذربيجان في نزاع ناغورني قره باف. وهي ثاني أكبر مورِّد للأسلحة لباكو بعد روسيا، بل إنه، وفقاً لمعهد ستوكهولم لأبحاث السلام، كانت إسرائيل أكبر مورِّد للأسلحة لأذربيجان على مدار السنوات القليلة الماضية، حيث بلغت مبيعات الأسلحة 825 مليون دولار بين عامي 2006 و2019.
وفي 6 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، أعلن كبير الدبلوماسيين الإيرانيين عن "مخاوف جدية" بشأن الوجود الإسرائيلي المزعوم في القوقاز.
وقال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان للصحفيين في موسكو: "بالتأكيد لن نتسامح مع التغيير الجيوسياسي وتغيير الخريطة في القوقاز". وأضاف: "لدينا مخاوف جدية من وجود الإرهابيين والصهاينة في هذه المنطقة".
إلا أن باكو نفت مزاعم الوجود العسكري الإسرائيلي بالقرب من الحدود الإيرانية، ووصفت المزاعم بأنها "لا أساس لها من الصحة". وبعد التدريبات الثلاثية، بدأت إيران مناوراتها العسكرية بالقرب من معبريّ بل دشت وجلفا الحدوديَّين مع أذربيجان. وشملت التدريبات وحداتٍ مُدرَّعة ومدفعية وطائرات مسيَّرة وطائرات مروحية.
وأعرب الرئيس الأذربيجاني، علييف، عن اندهاشه من التدريبات الإيرانية، قائلاً لوكالة الأناضول: "هذا حدثٌ مُفاجئ للغاية، يمكن لأيِّ دولةٍ إجراء مناوراتٍ عسكرية على أراضيها، هذا حقها السيادي، ولكن لماذا الآن؟ ولماذا على حدودنا؟".

وتساءل قائلاً: "لماذا لم تُجر التدريبات عندما كان الأرمن في مناطق جبرائيل وفضولي وزنجيلان؟ لماذا يجري ذلك بعد أن حرَّرنا هذه الأراضي بعد 30 عاماً من الاحتلال؟".
وفي 5 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، قال علييف إن باكو "لن تترك" مزاعم إيران "التي لا أساس لها من الصحة" بوجودٍ عسكري إسرائيلي على الأراضي الأذرية "بلا رد".
وفي غضون ذلك، دافع وزير الخارجية الإيراني، أمير عبد اللهيان، عن حقِّ بلاده في إجراء مناورات عسكرية داخل أراضيها. وبحسب وسائل إعلام إيرانية رسمية، قال وزير الخارجية للسفير الأذري الجديد: "إيران لا تتسامح مع نشاط النظام الصهيوني ضد أمنها القومي، وستتَّخِذ ما يلزم من إجراءات".
قد تكون طهران أيضاً حذرةً من تأثير انتصار أذربيجان والتحالفات الإقليمية على السكَّان الأذريين في شمال البلاد. يسكن المنطقة عددٌ كبيرٌ من السكَّان الأذريين، ويُقدَّر أنهم أكبر أقلية في البلاد. وأقام الأذريون في شمال إيران احتفالاتٍ عارمة بعد انتصار أذربيجان في حرب ناغورني قره باغ، وطالبوا بإغلاق الحدود الإيرانية الأرمينية في أعقاب الحرب.
تقول هانتر: "من المؤكَّد أن إيران قلقةٌ بشأن طموحات باكو نحو أراضيها، والدعاية القومية التركية التي تنطلق من باكو ومن تركيا". وأضافت: "لكن لا يوجد حالياً تهديدٌ حقيقي بالانفصال في أذربيجان الإيرانية".
وتضيف: "قد يتغيَّر المشهد إذا تصاعَدَت الأزمة وانخرطت قوى خارجية. وما طرحه رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت بأن إيران لا بد أن تُقتَل بـ"ألف طعنةٍ" قد يعني في نهاية المطاف تقطيع أوصال إيران".