النهار الاخبارية - وكالات
رغم مرور أكثر من 11 يوماً على وقوع زلزال تركيا وسوريا، لا تزال فرق البحث والإنقاذ تعثر على ناجين تحت الأنقاض، من شقيقين خرجا حيَّين بعد 200 ساعة إلى زوجين تم إنقاذهما بعد أكثر من ذلك، ورجل أنقذته ثلاجة وخزانة.
وعلى الرغم من هول الكارثة الطبيعية التي أودت بحياة أكثر من 41 ألف شخص في تركيا وسوريا، وحقيقة أن بروتوكول الإنقاذ الخاص بالزلازل يستبعد وجود ناجين تحت الأنقاض بعد 5 إلى 7 أيام، فإن المعجزات الصغيرة تتوالى في المناطق المنكوبة.
فبعد أن ظل الشقيقان عبد الباقي ينينار وشقيقه محمد أنيس ينينار مدفونيْن 200 ساعة تقريباً تحت أنقاض بنايتهما المنهارة في مدينة كهرمان مرعش التركية التي دمرها الزلزال، تم إخراجهما حيَّين من تحت الركام، بحسب تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.
زلزال تركيا وسوريا.. معجزات في وقت "كارثة القرن"
تمكَّن عمال الإنقاذ من إخراج عبد الباقي (21 عاماً) وشقيقه محمد أنيس (17 عاماً) من تحت أنقاض الخرسانة يوم الثلاثاء 14 فبراير/شباط، أي بعد 8 أيام من وقوع زلزال تركيا وسوريا، الذي بلغت قوته 7.8 درجة على مقياس ريختر ودمَّر بلدات كاملة.
وخلال هذه الساعات الطويلة، ظل الأخوان على قيد الحياة بتناول مكمِّلات البروتين المخصصة لبناء الأجسام، وشرب البول، والتقاط جرعات من الهواء. وكانت تلك واحدة من عدد من عمليات إنقاذ معقدة وبعيدة الاحتمال في مدينة كهرمان مرعش، جرت على مدار أكثر من 11 يوماً.
وقبل ساعات من انتشالهما من تحت الأنقاض، توصل عمال الإنقاذ إلى وجود أحياء وبدأت عملية حفر دقيقة للوصول إلى مكانهما بالتحديد دون أن تتسبب عملية إزالة الأنقاض في سد منافذ الهواء أو انهيار كتل خرسانية ضخمة عليهما. وبعد أن تمت عملية إنقاذهما بنجاح، بشر عمال الإنقاذ الأخوين ينينار بأنهم انتشلوا والدتهما أيضاً قبل يومين، وأنها تتلقى العلاج من إصابة بساقها في مستشفى بمدينة قيصري.
وفي كهرمان مرعش أيضاً، حفرت فرق الإنقاذ نفقاً بطول 5 أمتار عبر أطنان من ركام الجدران والأرضيات والأنابيب المتساقطة للوصول إلى امرأة تحت الأنقاض، وقد بُثَّت عملية الإنقاذ على الهواء مباشرة.
وفي جنوبي المدينة، شارك طاقم متطوع من عمال المناجم في عملية إنقاذ أخرى، فأثنى عليهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قائلاً إن العمل الذي بذلوه في حفر"الأنفاق لإخراج أبنائنا (من تحت الأنقاض) كان عملاً غير عادي"، وأعمالهم هذه "لن تمحى من ذاكرتنا أبداً".
معجزات الإنقاذ هذه جاءت كلحظاتٍ مختلسة من الانتصار في غمار فترة من أشد الفترات كآبة في تاريخ تركيا، بعد الزلزال الذي قال أردوغان إنه جدير بأن يوصف بـ"كارثة القرن".
وفي هذا السياق، حرصت وزارة الدفاع التركية والمحطات التلفزيونية الوطنية على نشر ما توفر لها من لقطات لعمليات الإنقاذ والاحتفاء بأخبار الإنقاذ السارة. ففي مدينة أديامان، تمكن عمال الإنقاذ من رفع الأنقاض عن شاب يُدعى محمد جعفر شتين (18 عاماً)، ونقله إلى المستشفى. وقالت وكالة أنباء الأناضول الحكومية إن الفرق تمكنت مساء الثلاثاء 14 فبراير/شباط من إنقاذ رجل آخر يُدعى رمضان يوجل ويبلغ من العمر 45 عاماً.
وفي المدينة نفسها، بثت وكالة أنباء الأناضول لقطات مباشرة لعملية إنقاذ عائشة جول باير (35 عاماً)، وقد تابع المشاهدون في ترقبٍ فرق الإنقاذ وهي تحفر نفقاً بطول 5 أمتار للوصول إليها عبر الأنقاض.
وفي كهرمان مرعش أيضاً، تمكن عمال الإنقاذ من إخراج محرم بولات (32 عاماً) وزوجته هدية بولات من تحت الأنقاض بعد 203 ساعات من وقوع الزلزال. وقالت إذاعة TRT الحكومية إن طاقماً متطوعاً من عمال المناجم عثر في مقاطعة زونغولداك بمدينة أنطاكيا على أمينة أكجول (26 عاماً)، واستطاع نقلها إلى بر الأمان.
إنقاذ نساء وطفلين من تحت أنقاض الزلزال بعد 9 أيام
وتستمر حالات الإنقاذ الأقرب إلى المعجزات، إذ تم انتشال ثلاث نساء وطفلين أحياء وسط الأنقاض، بعد تسعة أيام من كارثة الزلزال الذي ضرب تركيا ومناطق في سوريا.
فقد انتشل رجال الإنقاذ مليكة إمام أوغلو، البالغة من العمر 42 عاماً، وجميلة كيكيج، البالغة من العمر 74 عاماً، من تحت الأنقاض في بلدة كهرمان مرعش التركية. وجاء إنقاذهما في الوقت الذي كانت فيه فرق البحث والإنقاذ قد بدأت توجه انتباهها إلى تنظيف المدن التي دمرها الزلزال، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC. وذكرت وسائل الإعلام التركية أنه عندما عُثر على مليكة إمام أخبروها أنها كانت "رائعة".
وفي أنطاكيا، وهي مدينة تركية أخرى تضررت بشدة من الزلزال، أفادت وسائل الإعلام المحلية بأن أماً وطفليها انتشلوا أحياء من تحت الأنقاض. يأتي ذلك في وقت أصبح من الصعب العثور على ناجين من الزلزال الذي وقع في 6 فبراير/شباط، وتجاوز العدد الإجمالي للقتلى حتى الآن 41 ألف قتيل.
ومن سوريا حيث كان حسن ونجوى حبيبين يعيشان إلى تركيا حيث كانا يعيشان حياةً بعيدة عن خطر الحرب، وبينما كانا نائمين ليلة 6 فبراير/شباط انهار كل شيء، حين بدت الأرض كأنها تزأر والجدران والسقف انهارت فوقهما. تتذكر نجوى (27 عاماً)، الاستيقاظ لتجد جثة حسن (37 عاماً)، ملفوفة حولها. وحتى في الموت، أنقذها هي وطفلهما الأصغر، ماجد، الذي كان لا يزال نائماً بين ذراعيها.
ويوم الجمعة 10 فبراير/شباط، استلقت نجوى، الملتفة تحت بطانية من الصوف، وظهر عليها الارتباك، وعيناها داكنتان من التعب. وقالت بصوت خافت: "لقد مرت خمسة أيام.. من الصعب تصديق ذلك".
أما حسين بربر، التركي البالغ من العمر 62 عاماً والمصاب بداء السكري، فقد روى كيف بقي على قيد الحياة لأكثر من أسبوع تحت أنقاض منزله قبل أن يتم إنقاذه لتصبح قصته إحدى القصص العديدة الرائعة في تلك الكارثة.
فالأطباء يقولون إن البشر يمكنهم البقاء على قيد الحياة لأيام دون ماء؛ لكن هناك متغيرات عديدة تتعلق بحجم الإصابات التي لحقت بهم جراء انهيار مبنى ومدى سخونة أو برودة الجو بالخارج. ويقول رجال الإنقاذ إن بقاء أي شخص حياً بعد خمسة أيام يعد معجزة.
إنقاذ طفلة من تحت الأنقاض بعد مضي 178 ساعة على وقوع الزلزال جنوبي تركيا
ومع ذلك نجا بربر بعد 187 ساعة من الزلزال حيث شكلت ثلاجة (براد) وخزانة دعامتين لجدران شقته التي كانت بالطابق الأرضي، وبقي له كرسي بذراعين يجلس فيه وبساط يبقيه دافئاً. وكان لدى الرجل زجاجة ماء واحدة عندما نفد ماؤها شرب بوله.
وتحدث بربر لرويترز من سرير في مستشفى بمدينة مرسين، على بُعد نحو 250 كيلومتراً من المبنى السكني الذي كان يتكون من 15 طابقاً وانهار في مدينة أنطاكية بإقليم هاتاي جنوب تركيا، حيث تعرض نصف المباني إما للدمار أو لأضرار بالغة. وتم إدخاله المستشفى الثلاثاء 14 فبراير/شباط.
قال بربر إنه كان محاطاً بأقارب في غرف مختلفة بشقته، ويعتقد أنهم تمكنوا جميعاً من البقاء على قيد الحياة. وأضاف: "عندما وقع الزلزال، وقفت على الفور، حفيدي كان نائماً بجواري. نظرت حولي، وأضاء ابني النور وأخذ مصباحاً يدوياً وقال: أبي.. إنه زلزال!.
"وعندما ضرب الزلزال للمرة الثانية، انهار السقف، لكنه لم يمسني. جثمت على الفور وجلست. سقط الجدار على الثلاجة والخزانة. كنت عالقاً هناك. كان هناك بساط. أخذته ووضعته فوقي… رأيت ما يشبه الكرسي بذراعين، صعدت فوقه وأخذت البساط وجلست هناك".
وتابع قائلاً: "صرخت، صرخت وصرخت.. لم يسمعني أحد. صرخت كثيراً لدرجة أن حلقي آلمني. أعتقد أن ابننا أخرج الأطفال… كنا خمسة، أنا وابني كنا في غرفة النوم". وأوضح أنه وجد دواء السكري الخاص به وزجاجة ماء على الأرض، مضيفاً: "بعد ساعة، أخذت زجاجة الماء وشربتها. معذرة، تبولت فيها وتركتها تهدأ. شربتها عندما بردت.. أنقذت نفسي بذلك".
عندما لامست يده يد رجل الإنقاذ
قال أحد أعضاء فريق الإنقاذ الطبي التركي إن بوسع من هم تحت الأنقاض البقاء على قيد الحياة بشكل عام لمدة تصل إلى خمسة أيام. وأضاف: "أي شيء يتجاوز خمسة أيام يعد من المعجزات".
وأوضح دينيز جيزر، أخصائي الباطنة في مستشفى مدينة مرسين، أن إحدى أكبر مشاكل البقاء على قيد الحياة هي البرد. وقال لرويترز: "لكن بعض المرضى بقوا في مناطق مغلقة، بالتالي تمكنوا من العيش تحت المباني، في مساحات صغيرة ومغلقة. بعضهم كان بحوزته ماء".
أما عن شرب البول، فقال جيزر إنه لا يُنصح به. وتابع قائلاً: "بما أن البول مادة سامة، لا ننصح مرضانا بشربه؛ لأنه لا يلبي احتياجاتهم من المياه على أي حال، كما أنهم يتناولون مواد سامة".
وقال بربر، من سريره بالمستشفى، محاطاً بآلات التنبيه، إنه ظن أنه لن ينقذه أحد، وأضاف: "كنت هنا، كانوا هناك. تسلقت بجوار الخزانة، مددت يدي إلى السقف لكن لم يتسنَّ لي لمسه. لكن على الجانب الآخر من الغرفة كان السقف قد انهار على السرير. ابننا أحضر ثلاثة حفارين، كانوا يحفرون، كنت أصطدم بالسقف ورأيته مثقوباً، وسمعت صوتاً، وصرخت.. شخص ما مد يده فالتقت بيدي. أخرجوني من هناك. الفتحة التي خرجت منها كانت صغيرة للغاية. أخافني ذلك قليلاً. لا أتذكر أي شيء بعد أن أخرجوني. تم إنقاذي وخرجت وأردت الماء والطعام، لاسيما الماء.. لم آكل أي شيء فلم يكن هناك شيء لآكله".
إنقاذ امرأة من تحت أنقاض زلزال تركيا
وتابع بربر: "… معناها أنني عملت حسنات مع الله، عشت في مكة لسبع سنوات، كنت أؤدي الحج والعمرة والصلوات، للجميع وليس لأهلي فقط.. أعتقد أنه بسبب ذلك أنقذني الله".
وقال كاجلار أكسوي كولاك، الطبيب في مستشفى مدينة مرسين، إن الأطباء يقدمون "علاجاً داعماً" فقط لبربر. وأضاف: "ليس به كسور في العظام، حالته العامة جيدة إلى حد ما… مريضنا خرج في حالة جيدة للغاية".
وبدأ عمال الإنقاذ الأجانب الذين وصلوا إلى تركيا بعد فترة وجيزة من وقوع الزلزال في حزم أمتعتهم والعودة إلى ديارهم، بينما يحوّل السكان المحليون تركيزهم إلى تنظيف الركام. ويترتب على الناجين الآن البدء في إعادة بناء حياتهم، وشجعت الحكومة التركية الناس على العودة إلى ديارهم إن أمكن، بعد أن أعلنت السلطات أنهم بأمان، لكنَّ الكثيرين فقدوا منازلهم ويعيشون في مخيمات مؤقتة.