النهارالاخباريه وكالات
أعلنت الولايات المتحدة واليابان عن أكبر تحديث لتحالفهما الأمني منذ توقيع البلدين معاهدة الدفاع المشترك في عام 1960. وفي قمة أمريكية يابانية عقدت في طوكيو خلال زيارة قام بها الرئيس الأمريكي جو بايدن في 10 أبريل/نيسان 2024 أعلن بايدن عن خطط لإعادة هيكلة القيادة العسكرية الأمريكية في اليابان وقوامها 54 ألف جندي٬ حيث ناقش مع رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا تعزيز الشراكة الدفاعية وتطويرها بين البلدين بشكل غير مسبوق منذ الستينيات، والهدف هو جعل قواتهما المسلحة أكثر مرونة في حال حدوث أزمة كغزو بكين لتايوان٬ وردع الصين عموماً في المحيط الهادئ.
وكان بايدن قد أعلن خلال القمة أن الولايات المتحدة واليابان وأستراليا ستقيم شبكة دفاع جوي مشتركة، قائلاً: "يتّخذ بلدانا معاً خطوات مهمة لتعزيز التعاون الدفاعي والأمني" في مواجهة الصين، وأضاف: "هذا أهم تطوّر في تحالفاتنا منذ نهاية الحرب الباردة. يسعدني أيضاً أن أعلن أنه للمرة الأولى ستنشئ اليابان والولايات المتحدة وأستراليا شبكة صواريخ جوية وبنية دفاعية"، مؤكداً أن تعزيز التحالف العسكري مع اليابان هو لأسباب "دفاعية".
وقال كيشيدا إن القمة تناولت العلاقات المتوترة بين تايوان والصين، وتعهد بدعم نظام دولي قائم على سيادة القانون. وأضاف: "المحاولات أحادية الجانب لتغيير الوضع الراهن بالقوة أو الإكراه غير مقبولة بالمرة، أينما كانت". وأضاف أن الولايات المتحدة واليابان ستواصلان الرد على مثل هذه الأفعال بما في ذلك التحديات التي تمثلها الصين.
يقول تقرير لموقع أسباب المتخصص بالتحليلات الاستراتيجية٬ إن تحديث التحالف الأمني بين البلدين يهدف إلى تطوير بنية القوات الأمريكية في اليابان بحيث تمتلك المزيد من السلطة التشغيلية والتنسيق على الأرض مع القوات اليابانية، بدلاً من اضطرار الأخيرة إلى التنسيق مع القيادة الأمريكية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ في هاواي (INDOPACOM)، والتي تبعد 6200 كم عن طوكيو.
وفي هذا الإطار تبحث واشنطن وطوكيو ترقية منصب قيادة القوات الأمريكية في اليابان بحيث يتمتع بسلطات أوسع وطاقم عمل لدعم هذا الدور، مع القدرة على التوسع في الحجم والمسؤوليات عند الحاجة لدعم العمليات في حالات الطوارئ الكبرى.
وتسعى الولايات المتحدة واليابان إلى تطوير بنية القيادة والسيطرة للتحالف من أجل تعزيز إمكانية التشغيل البيني والتكامل بين قوات الدفاع الذاتي اليابانية (JSDF) والقوات الأمريكية في اليابان (USFJ) حتى يتمكن الجانبان من التعامل مع التهديدات الإقليمية بفعالية وكفاءة.
ويعاني الهيكل الحالي لقيادة التحالف من عدم ملاءمته للبيئة الأمنية المضطربة في المنطقة؛ حيث لم يتغير وضع القوات الأمريكية في اليابان منذ الستينيات، وبالرغم من أهمية تلك القوات للقدرات العسكرية الأمريكية في منطقة المحيطين الهندي والهادي، فقائد القوات الأمريكية في اليابان لا يتمتع إلا بسلطات تشغيلية مشتركة محدودة ويقتصر دوره فقط على إدارة اتفاقيات التحالف بين واشنطن وطوكيو.
أدى تفاقم التوترات الإقليمية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ إلى تحول غير مسبوق في نهج اليابان الدفاعي والعسكري؛ حيث أصبح تطوير القدرات العسكرية وزيادة الإنفاق الدفاعي يحتل الآن مكانة بارزة في استراتيجيات الأمن القومي الياباني.
وأصدرت الحكومة اليابانية نهاية عام 2022، ثلاث وثائق استراتيجية جديدة: استراتيجية الأمن القومي (NSS) واستراتيجية الدفاع الوطني (NDS) وبرنامج تعزيز الدفاع (DBP)، وأشارت الإستراتيجيات إلى أن اليابان تواجه "البيئة الأمنية الأكثر خطورة وتعقيداً" منذ الحرب العالمية الثانية. وحددت الوثائق نية طوكيو للعمل بشكل أساسي على تطوير القدرات الدفاعية وتعزيز الردع، كما تدعو إلى تأسيس آليات لتعميق التحالف الأمني مع الولايات المتحدة.
أقرت اليابان في استراتيجيتها التزامها بامتلاك "قدرات الهجوم المضاد" (counterstrike capabilities) كخطوة وقائية ضد أي هجوم محتمل من بكين أو بيونغ يانغ، الأمر الذي جعل الحصول على صواريخ بعيدة المدى أولوية قصوى بالنسبة لطوكيو.
ويرجع التغير الجذري في سياسة اليابان الدفاعية إلى التطور الكبير لقدرات الصين العسكرية والضغط البحري الذي تمارسه بكين حول جزر سينكاكو/ديايو (Senkaku/Diaoyu) المتنازع عليها مع اليابان، والتطور السريع للقدرات الصاروخية لكوريا الشمالية بما في ذلك إطلاق الصواريخ الباليستية التي اجتاز بعضها المجال الجوي الياباني، إلى جانب التوترات المتصاعدة بشأن تايوان والنزاعات الإقليمية في بحري الصين الشرقي والجنوبي.
قامت اليابان خلال العامين الماضيين بزيادة قدراتها الأمنية بشكل كبير، ورفعت إنفاقها الدفاعي بنسبة 50% مقارنة بمستويات عام 2022، تلبية لخطط مضاعفة الإنفاق الدفاعي السنوي إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2027، ما يعني أن إجمالي إنفاق اليابان الدفاعي سيصل إلى حوالي 315 مليار دولار خلال الفترة من 2023 إلى 2027.
ويأتي هذا الإنفاق الضخم بعدما اتسعت فجوة الإنفاق الدفاعي بين الصين واليابان خلال العقدين الماضيين بشكل هائل؛ فبعد أن كان إنفاق اليابان الدفاعي ضعف نظيره الصيني في عام 2000، أصبح إنفاق الصين العسكري أكبر 4.5 مرات من نظيره الياباني عام 2023.
علاوة على ذلك، تحولت اليابان إلى أكبر عميل لطائرات F-35 في العالم بعد أمريكا، مع خطط لشراء 146 طائرة. وسوف تبدأ اليابان نشر صواريخ توماهوك على السفن في عام 2025، وذلك بعد أن وافقت واشنطن على بيع عدد 400 من الصاروخ الذي يصل مداه إلى 1600 كم لليابان بقيمة 2.35 مليار دولار.
وتعد هذه المرة الأولى التي تمتلك فيها طوكيو قدرات هجومية بعيدة المدى حيث سيكون بمقدورها توجيه ضربات من مياهها الإقليمية لأهداف في جميع أنحاء كوريا الشمالية وأجزاء من شرق وشمال شرق الصين، الأمر الذي يعني أن بكين ستواجه لأول مرة تهديداً باحتمال إطلاق طوكيو صواريخ بعيدة المدى رداً على أي هجوم، وهو متغير مهم في توازن الردع في المنطقة.
وبالرغم من اعتماد اليابان الأمني الكبير على أمريكا وسعي الجانبين إلى بناء تحالف عسكري ثنائي أكثر فاعلية، فإن مجموعة من التحديات تقف في طريق تحقيق هذا الهدف، ومنها:
•تتخوف طوكيو من أن يؤدي وصول ترامب إلى البيت الأبيض في نوفمبر/تشرين الثاني القادم إلى تقليل اهتمام واشنطن بالتحالفات أو مزيد من التدقيق بشأن ما يساهم به الشركاء الأمنيون للولايات المتحدة. لذا سعت اليابان إلى توسيع علاقاتها الأمنية الثنائية والمتعددة الأطراف عبر اتفاقيات مع شركاء آخرين، بما في ذلك أستراليا وألمانيا، فضلاً عن انضمام اليابان إلى بريطانيا وإيطاليا في مشروع مشترك لتطوير الجيل القادم من الطائرات المقاتلة، وهي المرة الأولى التي تتعاون فيها طوكيو مع دول أخرى غير أمريكا لتلبية متطلبات دفاعية رئيسية.
•قد تتعارض خطط الإنفاق الدفاعي الطموحة مع الأوضاع المالية لليابان؛ نظراً للدين الوطني الضخم المستحق على البلاد والمعارضة واسعة النطاق للزيادات الضريبية، ما يثير تساؤلات حول استدامة ميزانيات الدفاع المتزايدة على المدى الطويل.
•لا يزال التعاون في مجال الصناعات الدفاعية محدوداً بين واشنطن وطوكيو، ويشكل غياب مثل هذا التعاون نقطة ضعف في التحالف، خاصة أن قاعدة الصناعات الدفاعية اليابانية تعاني من التآكل بشكل مطرد بسبب الاعتماد الكبير على مشتريات أنظمة الدفاع الأمريكية المتطورة خلال العقود الماضية.