الجمعة 29 تشرين الثاني 2024

هل تؤدي الانتخابات المقبلة في العراق إلى تغييرات في موازين القوى؟

هل تؤدي الانتخابات المقبلة في العراق إلى تغييرات في موازين القوى؟
لم يتبق سوى يومين على انتهاء فترة تسجيل المرشحين لدى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، في وقت تتزايد فيه المخاوف والسيناريوهات بشأن مخرجات الانتخابات المبكرة في البلاد، ومدى إنتاجها شكلاً جديداً للسلطة في البلاد.

وعلى الرغم من أن الانتخابات المبكرة تمثل أحد أبرز مطالب المحتجين العراقيين، إلا أن أسباباً عدة تقف خلف عدم خوض قوى رئيسة منبثقة من الانتفاضة السباق الانتخابي، وإضافة إلى نهاية فترة تسجيل المرشحين، يبرز تحد آخر في ما يتعلق بفترة إعلان التحالفات، التي تنتهي هي الأخرى في الأول من مايو (أيار) المقبل، ما يجعل القوى السياسية أمام وقت ضيق لصياغة تفاهماتها.

تمديد فترة تسجيل المرشحين

ضيق الوقت وعدم توفر المستلزمات الرئيسة لضمان نزاهة الانتخابات المبكرة وفق رؤية الناشطين، يمثلان العائق الأكبر في طريق انتخابات تحظى بثقة العراقيين، فضلاً عن الوضع العام الذي يرونه مسيطراً عليه من قبل القوى المسلحة.

في السياق، يقول القيادي في تيار "الحكمة الوطني" بليغ أبو كلل إن "القوى السياسية كانت متخوفة ومتباطئة في حسم تحالفاتها، وتعودت الحسم في اللحظات الأخيرة، لاعتبارات انتخابية"، مبيناً أن "تمديد وقت التحالفات لن يغير شيئاً في سياق تعاطي القوى السياسية القديمة، وستلجأ أيضاً إلى اللحظات الأخيرة"، وأوضح لـ"اندبندنت عربية"، أن "الخيارات بالنسبة إلى التحالفات باتت واضحة للقوى التي تود اتخاذ خطوات جريئة".

وأشار أبو كلل إلى أن المتضرر الأكبر من موعد تسجيل المرشحين هي القوى الجديدة المنبثقة من الاحتجاجات، لافتاً إلى أن "بعض هذه القوى  تمكنت من تسجيل أحزابها، إلا أن عدم توفر الأمن مثّل عائقاً كبيراً أمام عديد منها في قضية التسجيل، وهو أمر مقلق بالنسبة إلينا"، وتابع، "مطلب الانتخابات المبكرة هو مطلب احتجاجي، وبناء على ذلك يجب أن تراعي التوقيتات تمكين (قوى تشرين)، على التسجيل من خلال تمديد الفترة من قبل المفوضية"، مبيناً أن القوى التقليدية والقديمة "لن تتضرر من هذا التأجيل".

تحالف "قوى الدولة"

بالتزامن مع المخاوف من صعود القوى المسلحة وسيطرتها على مشهد الانتخابات مرة أخرى، يدور حديث في الأوساط السياسية عن محاولات تشكيل تحالفات في مقابل هذا السلاح، تتخذ عناوين عدة من بينها "التحالف العابر للمكونات"، أو "تحالف قوى الدولة"، إذ يجري حراك محموم في الأوساط السياسية لتشكيل هذا النوع من التحالفات في محاولة لتفكيك سيطرة قوى السلاح على الدولة العراقية.

ويمثل السلاح المنفلت الإشكالية الرئيسة التي تعاني منها البلاد في المرحلة الحالية، ويتخوف طيف واسع من العراقيين من احتمال تمكن القوى السياسية ذات الأجنحة المسلحة من الفوز في الانتخابات المقبلة، ويتحدث القيادي في تيار "الحكمة"، عن قطع "أشواط طويلة" مع قوى سنية وكردية في سياق تشكيل "تحالف عابر للمكونات"، مبيناً أنه "المشروع الوحيد القادر على كسر معادلة الحكم السائدة في البلاد منذ 18 عاماً".
تصويت البرلمان العراقي على حل نفسه يثير تساؤلات حول دلالة التوقيت
ويبدو أن التوجه إلى تحالف بين "قوى الاعتدال" يتطلب "إرادة حقيقية من القوى الشيعية المعتدلة بما فيها قوى تشرين"، بحسب أبو كلل، الذي أكد أن "المحاولات لا تزال مستمرة في هذا السياق"، مشيراً إلى أن تيار "الحكمة" منفتح على قوى الانتفاضة العراقية، إلا أنها "لا تزال مترددة من الدخول في التحالف، على الرغم من المشتركات الكبيرة في القضايا الاستراتيجية"، معبراً عن مخاوفه من "عزوف العراقيين عن المشاركة، ما يعني زيادة حظوظ القوى الكبيرة وإعادة معادلة انتخابات عام 2018".

وبشأن المخاوف من احتمالية التحالف مع القوى المسلحة بعد الانتخابات المقبلة، قال أبو كلل، "تمكّن قوى الاعتدال من الحصول على مقاعد أكثر سيؤهلها إلى فرض منهجها وشروطها في ما يتعلق بإدارة الدولة أو المعادلة السياسية في البلاد"، مضيفاً، "قناعتنا راسخة بعدم الاشتراك في مبدأ التوافق أو أي معادلة تشبه ما جرى بعد انتخابات عام 2018"، وختم، "صعود قوى التشدد والسلاح في الانتخابات المقبلة سيكون له أثر خطير على وحدة العراق، الأمر الذي ربما يمثل نقطة انطلاق نحو بداية تفكيك البلاد وانهيارها".

أحزاب "تشرين" وحسم خيار عدم الاشتراك

وأتى حسم جبهات سياسية عدة، انبثقت عن الانتفاضة العراقية، قرارها بعدم الاشتراك، لأسباب عدة، أبرزها غياب الأمن الانتخابي وعدم تحقيق اشتراطات المحتجين في ما يتعلق بالانتخابات المبكرة، فضلاً عن ضيق وقت تسجيل المرشحين. وقال رئيس حزب "البيت الوطني" حسين الغرابي، أحد الأحزاب المشكلة من قبل ناشطي الانتفاضة، إن "رئيس الوزراء لم يحقق ما وعد به خلال السنة الماضية، ولا يمكننا المجازفة في تسجيل مرشحين وانتظار تحقيق متطلباتنا خلال الأشهر الستة المتبقية"، مبيناً أن "كل المؤشرات تدل على عدم الرغبة السياسية في تحقيق مطالب الانتفاضة".

وبشأن عدم رغبة "قوى تشرين" في الدخول ضمن تحالفات ما يطلق عليه "قوى الدولة"، رأى الغرابي، أن كل تلك الأطراف الموجودة في العملية السياسية "مسؤولة بشكل أو بآخر عن الإشكالات التي تمر بها البلاد، فضلاً عن أنها تتماهى مع قوى السلاح في وقت حسم تشكيل الحكومة، وإن تبنت شعارات مختلفة قبل الانتخابات". ولفت إلى أن "الانتخابات المقبلة صُممت للحفاظ على توازنات القوى السياسية سواء المسلحة أو غيرها، وهذا ربما يمثل التخوف الأكبر لدينا من الاشتراك في معادلة كهذه"، مبيناً أن "الحراك السياسي والاجتماعي لقوى الانتفاضة لن يتوقف، على الرغم من حسم خيار عدد كبير منها بعدم الاشتراك في الانتخابات".

مسارات قانونية وأمنية

مع اقتراب موعد حسم المرشحين للانتخابات المقبلة، تتزايد التساؤلات حول الإجراءات الرسمية في تفعيل القوانين التي تحظر الأنشطة السياسية على الأحزاب ذات الأجنحة المسلحة، وفي السياق، يشير مستشار رئيس الوزراء لشؤون الأمن الانتخابي مهند نعيم إلى مسارين قانونيين، سيتم العمل عليهما لحظر مشاركة الأحزاب التي تمارس أنشطة مسلحة، من خلال "معاقبة الأفراد بعقوبات تصل إلى السجن في حال ثبوت استخدامهم السلاح للتأثير على الانتخابات، أو من خلال سحب تسجيل الأحزاب التي يثبت امتلاكها أجنحة مسلحة وتحرم من الحياة السياسية".

ويوضح لـ"اندبندنت عربية" أن "بإمكان الأحزاب الفتية وغير المسلحة تحريك الشكاوى إلى مفوضية الانتخابات لسحب تسجيل الأحزاب قبل الانتخابات استناداً لقانون الأحزاب لعام 2015"، ويتحدث نعيم عن مسار آخر أكثر حدة في التعاطي مع الأحزاب والمرشحين الذين يثبت انتماؤهم لجماعات مسلحة، ويكشف عن "تحرك واسع يجري من قبل رئاسة الوزراء لتعديل قانون استبدال أعضاء البرلمان".

وينص التعديل، بحسب نعيم، على "سحب عضوية أي نائب في البرلمان المقبل يثبت قيامه بأنشطة مسلحة أو الانتماء لجماعات مسلحة، واستبداله بالمرشح الذي يليه في دائرته الانتخابية"، مبيناً أن هذه الفقرة "ستحفز الأحزاب المتضررة إلى ملاحقة هؤلاء"، ويكشف نعيم عن "تعاط إيجابي من قبل قادة الكتل البرلمانية مع هذا التعديل خلال جلسة جرت أخيراً معهم"، لافتاً إلى أن "مسودة التعديل رُفعت إلى البرلمان بانتظار إمرارها".

وإضافة إلى الإجراءات القانونية، يبدو أن تغييرات في نسق التعاطي الأمني مع الانتخابات يجري التحضير لها من قبل رئيس الوزراء، ويشير نعيم إلى أنه تم تشكيل "اللجنة العليا للأمن الانتخابي بقيادة العمليات المشتركة ونيابة جهاز مكافحة الإرهاب ومديرية استخبارات الداخلية ومديرية شؤون الشرطة واشتراك 22 جهازاً أمنياً، فضلاً عن مجلس المفوضية العليا للانتخابات ودائرة الأحزاب ومجلس القضاء الأعلى، لضمان نزاهة العملية الانتخابية"، ويتحدث نعيم عن صلاحيات تصل إلى حدود "إجراء زيارات للمقرات الحزبية وتكييف وصفها القانوني، وغلق غير المجازة منها، فضلاً عن وضع قاعدة بيانات لكل الأفراد المسجلين في الأحزاب لتمكين الأجهزة الأمنية من تحديد دوافع الجرائم التي ترتكب وما إذا كانت سياسية أم جنائية".

عزلة دولية واحتجاجات مرة أخرى 

ويستبعد مراقبون أن تكون الانتخابات المقبلة منطلقاً لتغيير المعادلة السياسية في البلاد، الأمر الذي ربما يدفع العراق في المرحلة المقبلة إلى حالة من العزلة الدولية، فضلاً عن احتمال انطلاق احتجاجات أوسع من احتجاجات أكتوبر (تشرين الأول) 2019.

ويقول الباحث في الشأن السياسي أحمد الشريفي، إن "كل العوامل المحيطة بمشهد الانتخابات المقبلة ابتداء بالقانون والمفوضية وصولاً إلى عدم تمكن الدولة من حصر السلاح أو تلبية مطالب الشارع العراقي، تشير إلى أن المعادلة السياسية الحالية ستبقى حاكمة"، وبشأن احتمال تأسيس تحالف لـ "قوى الدولة"، يبين الشريفي أنه "لن يمثل نقطة شروع إلى تغيير المعادلة، إذ إن الفشل في تحقيق التعهدات للشارع العراقي سيمثل مطباً كبيراً أمام صعود تلك القوى"، مضيفاً أن هذا الأمر يعني أن "تلك القوى لن تكون فاعلة بشكل كبير في تقويض معادلة السلاح وإنتاج شكل جديد للسلطة".

ولعل تشكيل جبهة انتخابية بعنوان قوى الاعتدال "لن يكون كافياً في استبعاد القوى المسلحة"، بحسب تعبير الشريفي الذي يؤكد أن "قوى الاعتدال لن تكون قادرة وحدها على فرض معادلتها على المسار السياسي المقبل، الأمر الذي يحفز إعادة إنتاج معادلة التوازن ذاتها بالتحالف مع القوى المسلحة وينفي صفة الاعتدال عنها".

ويبدو أن هواجس عدة تتعلق بالمسار السياسي للعراق ما بعد الانتخابات المقبلة، ويشير الشريفي إلى أن "العودة إلى المعادلة السياسية ذاتها ستؤدي إلى تفاقم القلق الإقليمي والدولي، الأمر الذي ربما يدفع البلاد إلى نوع من العزلة الدولية". ويختم، إن كل تلك العوامل تمثل دافعاً كبيراً للعراقيين لمقاطعة الانتخابات، الأمر الذي قد تنتج منه "احتجاجات أكبر مما حدث في أكتوبر 2019، لعدم توفير أي من متطلبات الشارع العراقي سواء على مستوى فرض القانون، أو على مستوى حماية التنافس الانتخابي العادل".

وتأتي الانتخابات المقبلة في العراق بعد انتفاضة واسعة شهدتها البلاد في أكتوبر 2019، أدت إلى سقوط نحو 600 قتيل، فضلاً عن أكثر من 28 ألف جريح، الأمر الذي يجعلها واحدة من أهم الاختبارات التي يخضع لها النظام السياسي في البلاد.