السبت 21 أيلول 2024

لماذا انتصرت الدبلوماسية التونسية في معارك الأشقاء وفشلت ضد كورونا؟


لا يختلف المراقبون حول الحراك الكبير الذي تقوم به الدبلوماسية التونسية على الصعيد الأممي، حيث تقدمت تونس -العضو غير الدائم في مجلس الأمن- خلال العامين الحالي والماضي بعدد كبير من المشاريع التي تدعم القضايا العربية، غير أن الحراك الدبلوماسي التونسي "لم يكن موفّقا” إلى حد كبير فيما يتعلق بجلب لقاحات كورونا، وهو ما دفع عددا من المسؤولين في وزارة الصحة للحديث عن انهيار المنظومة الصحية والتحذير من كارثة في البلاد.
وفور تسلمها لمقعدها غير الدائم في مجلس الأمن العام الماضي، تقدمت تونس، بجانب فلسطين وإندونيسيا، بمشروع قرار يدين "صفقة القرن”، قبل أن يتم تعديل المشروع ومن ثم سحبه بعد ضغوط كبيرة مارستها الولايات المتحدة.
وخلال العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، نشطت الدبلوماسية التونسية بشكل واضح حيث عقد مجلس الأمن عدة جلسات طارئة لبحث العدوان، كما وزعت تونس والصين والنرويج مشروع بيان يرحب باتفاق وقف إطلاق النار بين الفلسطينيين وإسرائيل، ويطالب بعدم إعاقة وصول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.
وقبل أيام، قدّمت تونس مشروع قرار يدعو إثيوبيا إلى التوقّف عن ملء خزان سد النهضة، المشروع الكهرومائي الضخم الذي تبنيه إثيوبيا على نهر النيل الأزرق، والذي يسبب نزاعاً بينها وبين دولتي المصبّ مصر والسودان.
ورغم أن الدبلوماسية التونسية نجحت بإقناع مجلس الأمن باعتماد المشروع الذي تقدمت به مع فرنسا حول إيقاف النزاعات المسلحة في زمن كورونا، ولكن يبدو أنها لم توفق بإقناع الأطراف الدولية بمساعدتها في جلب اللقاحات اللازمة لفيروس كورونا، فضلا عن الوتيرة البطيئة جدا التي تتم بها عملية التلقيح.
وتؤكد وزارة الصحة التونسية أن عدد اللقاحات التي وصلت البلاد حتى الآن يبلغ حوالي 2.1 مليون لقاح فقط، كما أن عدد التونسيين الذين استكملوا التلقيح (حصلوا على جرعتين) لا يتجاوز 623 ألفا (خمسة في المئة)، في بلد تعداده حوالي 12 مليون نسمة.
هذا الوضع الوبائي دفع نصاف بن علية الناطقة باسم وزارة الصحة التونسية للحديث عن قرب انهيار المنظومة الصحية في البلاد، في ظل بلوغ الإصابات عتبة العشرة آلاف يوميا، مع تسجيل عدد وفيات يبلغ حوالي 200 شخص، فيما أطلق الأطباء ومنظمات المجتمع المدني نداء استغاثة دولية من أجل التدخل العاجل وإنقاذ أرواح التونسيين، في ظل اتهام الحكومة بالتقصير الكبير في عملية التوعية واتخاذ الإجراءات الحازمة لإلزام المواطنين بارتداء الكمامات في الشوارع، فضلا عن النسق البطيء في عملية التلقيح.
هذا الوضع الوبائي الكارثي دفع أخيرا الرئيس التونسي لاتخاذ "إجراءات متأخرة” لتفعيل الدبلوماسية التونسية فيما يتعلق بجلب اللقاحات، فضلا عن طلب مساعدات عاجلة من الدول المجاورة، فضلا عن تكليف الجيش التونسي بالإشراف على بناء مستشفيات ميدانية في المناطق الموبوءة، فضلا عن انخراطه في تسريع عملية التلقيح في كافة مناطق البلاد.
الخطوة الرئاسية آتت أُكلها سريعا، حيث أرسلت كل من قطر ومصر مساعدات طبية تتضمن مستشفيات ميدانية وأدوية وآلات مراقبة تنفس وأجهزة أكسجين، كما أبدت كل من تركيا وليبيا والسعودية استعدادها لإرسال تجهيزات طبية عاجلة ولقاحات إلى تونس.
ورغم النجاح "النسبي” للخطوة المتأخرة التي قام بها الرئيس التونسي لمواجهة تفشي فيروس كورونا في بلاده، إلا أن تقاعس السلطات في جلب اللقاحات من الخارج قياسا بما فعلته الدول العربية الأخرى، يطرح جملة من الأسئلة حول الهدف من تفعيل الدبلوماسية التونسية لصالح القضايا العربية، بما فيها القضية الفلسطينية وقضية سد النهضة، مقابل "تجاهلها” للقضايا المحلية، وهو ما عبر عنه أحد المراقبين بالقول: لماذا نخوض معارك الآخرين ونتجاهل معاركنا الوطنية؟