الأحد 22 أيلول 2024

كيف تعاطت وسائل الإعلام مع حدث القرارات الاستثنائية في تونس؟



النهار الاخباريه  تونس

فاجأت القرارات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس التونسي قيس سعيّد، يوم 25 يوليو (تموز) الماضي، الإعلام التونسي والعربي على حد سواء، ومثلت تلك القرارات مادة مهمة توسعت فيها وسائل الإعلام بالنقل والتفسير والتحليل.
وتباين مستوى التعاطي مع الحدث التونسي، بين مختلف المؤسسات الإعلامية، إذ جاء في سياق هشاشة سياسية واقتصادية واجتماعية وصحية بسبب تفشي فيروس كورونا وتأخر وصول اللقاحات، وفشل حكومي ذريع، على كل الأصعدة، لا سيما الاقتصادية والتنموية منها، واستقطاب سياسي حاد في البرلمان، ما أسبغ عليه أوصافاً متعدّدة تراوحت بين "الزلزال السياسي" و"المنعرج السياسي" و"المسار الجديد" و"تصحيح المسار"، وصولاً إلى توصيفه بـ"الانقلاب على الشرعية" في بعض وسائل الإعلام المعروفة بولائها لتيار الإسلام السياسي.
تغطية موضوعية متوازنة
ويُجمع خبراء الإعلام والاتصال على أن تغطية الحدث الذي هزّ تونس في يوم عيد الجمهورية، كانت متوازنة وموضوعية، إلا أن ذلك لا يحجب بعض الإخلالات الناجمة عن قصور مِهني وعدم حرفية بعض الصحافيين في الغوص في أبعاد الحدث وتفسيره وتحليله، من خلال تجميع مختلف وجهات النظر وتفسيرها، وتقديمها إلى القارئ أو المشاهد أو المستمع بشكل حيادي ومن دون توجيه.
وأربك الحدث هيئات التحرير في مختلف وسائل الإعلام، حسب تقدير أستاذ الإعلام والاتصال في معهد الصحافة وعلوم الأخبار في تونس، الصادق الحمّامي، الذي قال إن "الحدث كان فجائياً ولم يكن منتظراً وأربك هيئات التحرير، وتجلّى ذلك في الاختلاف في توصيفه بدايةً، وشمل هذا الاختلاف حتى أساتذة القانون الدستوري الذين اختلفوا في تفسير ما حصل انطلاقاً من الدستور، بين مَن يعتبر أن قيس سعيّد خرج عن الفصل 80 من الدستور، وتعسّف على النص الدستوري، وبين مَن يرى أن رئيس الجمهورية، هو المؤوِّل الوحيد للدستور، في غياب المحكمة الدستورية وتُعتبر قراءته الدستور هي القراءة الرسمية".
وأكد الحمّامي أن "أغلب وسائل الإعلام في تونس قدمت بشكل متواتر تدخلات رئيس الجمهورية، ومختلف وجهات النظر إزاء الحدث، بما فيها تلك المعارِضة القرارات الاستثنائية، على غرار قيادات من حركة النهضة، أو من الأحزاب المقربة منها، أو من أساتذة القانون الدستوري، أو رؤساء بعض المنظمات الذين أعربوا صراحةً عن رفضهم قرارات قيس سعيّد الاستثنائية".
غياب الصحافة التفسيرية
وأشار الحمّامي إلى أن "بعضاً من المقرّبين من رئيس الجمهورية عبّروا عن امتعاضهم من تقديم وجهات نظر مختلفة إزاء ما حصل في تونس، وندّد بعض المدونين بتقديم وسائل الإعلام قراءات معارضة لقرارات سعيّد الاستثنائية".
ولفت أستاذ الإعلام والاتصال إلى أن "الرأي العام في تونس منقسم، منذ ما قبل 25 يوليو 2021، إلا أن هذا الانقسام تراجع إثر موجة كبيرة مناصِرة لرئيس الجمهورية، وهو ما جعل بعض وسائل الإعلام المقرّبة من تيار الإسلام السياسي غير قادرة على تقديم وجهة نظر وحيدة أو تغييب رأي مناصري الرئيس".
وعاب الحمّامي على وسائل الإعلام في تونس أنها تكتفي فقط بنقل التصريحات، مشيراً إلى غياب الصحافة التفسيرية، وضرب مثلاً على ذلك قائلاً إن "رئيس الجمهورية يجتمع بالمسؤولين عن القطاع المالي، ويدعو إلى خفض نسبة الفائدة، وتكتفي الصحافة بنقل الخبر، من دون تفسيره من خلال التعريف بنسبة الفائدة الحالية وكيف يمكن تخفيضها؟ وما تداعيات ذلك اقتصادياً؟ ومن الجهة المختصة بقرار التخفيض؟".
ودعا أستاذ الإعلام مؤسّسة الرئاسة، إلى "إنشاء مكتب خاص بالعلاقة مع الصحافة، لتسهيل مهمة الصحافيين الذين يحتاجون إلى خلفيات وتفاصيل وطرح أسئلة غير تلك التي تقدمها الجهة الرسمية"، معتبراً أن الصحافي ليس "ساعي بريد" ينقل الأخبار فقط. ولفت إلى "وجود قناعة لدى بعض الأحزاب في أن يبقى دور الصحافي فقط في نقل الأخبار دون التحري عنها أو تفسيرها".
الإشاعات والأخبار الزائفة
من جهة أخرى، اعتبر الحمّامي أن "بيئة وسائل التواصل الاجتماعي على غرار فيسبوك، أصبحت مشحونة بالإشاعات وبالأخبار الزائفة وباتت بيئة سامّة، بالنسبة إلى الصحافي الذي يتأثر بما يُروج من أخبار زائفة، علاوةً على الضغط المسلط عليه، وفي ظل السباق مع الوقت، وقلة الموارد البشرية، وهذه كلها عناصر تقلّل من فرص التحرّي وبالتالي ترجّح إمكانية الوقوع في الخطأ".
وخلص في الختام إلى أن "الإعلام التونسي كان عموماً متوازناً وموضوعياً، ولم يسقط في الدعاية، التزاماً منه بالدور التنويري من أجل عرض كل وجهات النظر على الجمهور الذي هو سيد نفسه ويحكم على الأشياء وفق مرجعياته ومعارفه