الأحد 8 حزيران 2025

"عيد بلا أضاحي"... التونسيون يهربون من الغلاء إلى البحر والترفيه


أسواق خالية، شواطئ مكتظة، وعائلات تبحث عن الفرح بعيدًا عن نار الأسعار

بهيجه البعطوط تونس النهار الاخباريه 

بينما كان يُفترض أن يصدح صوت التكبيرات في الأحياء التونسية مزدانًا بصدى فرح الأضاحي، خيّم صمت ثقيل على العديد من البيوت هذا العيد. الأضاحي غابت، والأسواق بدت فارغة، بينما اختار الكثير من التونسيين أن يهربوا من واقع اقتصادي مرير إلى فسحات الترفيه والبحر، علّهم يجدون في التنزه بديلاً عن بهجة الذبح واللمة التقليدية.

أسعار جنونية... و"العلوش" خارج الحساب

ارتفعت أسعار الأضاحي هذا العام بشكل وصفه مواطنون بـ"الجنوني"، إذ لامس سعر الخروف المتوسط ما بين 900 و1500 دينار تونسي، في وقت يتقاضى فيه الكثير من الموظفين والعمال أجورًا لا تتجاوز هذا الرقم. ومع تدهور القدرة الشرائية وتراجع قيمة الدينار، أصبحت الأضحية عبئًا لا يُحتمل على مئات الآلاف من العائلات.

يقول خالد (45 عامًا)، وهو موظف في القطاع العام من ولاية بن عروس:

> "في كل عيد كنا نضحي ولو بأقل الإمكانيات، لكن هذا العام لم نستطع حتى التفكير في الأمر. قررنا أن نخرج مع الأولاد إلى الشاطئ ونشتري بعض اللحم لنشويه، والسلام."

من الذبح إلى البحر... الترفيه كمهرب جماعي

بعيدًا عن حظائر المواشي، شهدت المدن الساحلية هذا العيد حركة نشطة، لا سيما في سوسة، المنستير، نابل، والمهدية. اكتظت الشواطئ بالعائلات التي قدمت من مختلف الولايات، حاملة معها كراسي بلاستيكية، ومعدات شواء، وابتسامات تبحث عن فسحة في زحمة الهموم.

مطاعم الوجبات السريعة والمقاهي بدورها لم تهدأ طوال أيام العيد، وبدت وكأنها تحتضن "عيدًا من نوع آخر"، حيث يمضي الناس ساعات طويلة بعيدًا عن ضغوط المصاريف وتكاليف الشعائر.

تحوّل في الطقوس والعادات

لا يُعد ما حدث هذا العيد مجرد سلوك ظرفي، بل يعكس تحوّلًا تدريجيًا في نظرة الناس إلى المناسبات الدينية والاجتماعية. فبعدما كانت الأضحية رمزًا لا يُفرّط فيه، باتت الأولوية للنجاة من الأعباء المالية، وتوفير ما تبقى من ميزانية الشهر.

الاختصاصية الاجتماعية أمينة بوزيان علقت على هذا التحول بقولها:
> "نحن نعيش انزياحًا اجتماعيًا في منظومة القيم والرموز، حيث تتراجع المظاهر التقليدية أمام الواقع المعيشي. لا يعني ذلك أن الناس فقدوا إيمانهم، بل أنهم يعيدون تعريف الفرح بما يتناسب مع طاقتهم."

في العمق: العيد لم يكن للجميع

رغم المشاهد الاحتفالية على الشواطئ وفي الفضاءات العامة، فإن العيد لم يكن سعيدًا في كل مكان. في بعض الأحياء الشعبية ومناطق الداخل المهمّشة، مرّت المناسبة بشكل باهت. لا أضاحي، ولا شواء، ولا حتى نزهات.

تقول خديجة، أرملة وأم لثلاثة أطفال من حي التضامن:
 "أولادي لم يذوقوا لحم العيد، ولا حتى نزهة صغيرة. كل ما فعلناه هو الجلوس في البيت أمام التلفاز، نحاول أن نبتسم لبعضنا رغم كل شيء."

فرح مؤجل... وأمل لا ينقطع

ورغم كل ذلك، لم تغب مظاهر التضامن تمامًا. بادر بعض الأهالي والجمعيات بتوزيع اللحوم على العائلات المعوزة، بينما حاولت بعض البلديات تنظيم أنشطة ترفيهية للأطفال. فحتى في غياب "العلوش"، لا يزال التونسيون يصنعون للعيد مذاقه الخاص، من فتات الأمل، ومن ضحكة طفل، أو نزهة جماعية تحت شمس الصيف.