ماجدالينا شيلانو – روما
خلال أحلك سنوات الاستعمار الفرنسي، لم يمتلك سوى قلة من المثقفين الشجاعة لتحدي السلطة وروايتها المهيمنة علنًا. من بينهم، كان جان بول سارتر، بلا شك، الشخصية الأكثر تماسكًا وراديكالية وصلابة. سارتر، الفيلسوف والكاتب والمناضل الوجودي، لم يقتصر على النقد النظري للاستعمار، بل جعل من قلمه سلاحًا ضد الظلم، رمزًا للالتزام المناهض للاستعمار.
سبق التزامه بالجزائر اندلاع الحرب. ففي عام 1948، شارك في مؤتمر حزب الاستقلال المغربي، وفي 1952، أجرى مقابلة مع صحيفة فرحات عباس، الزعيم الوطني الجزائري. ومع بداية الحرب، في نوفمبر 1954، أصبح التزامه أكثر راديكالية. ففي 1955، نشرت الأزمنة الحديثة، المجلة التي كان يديرها، مقالًا بعنوان واضح: "الجزائر ليست فرنسا"، وهو ما شكّل قطيعة مع الخطاب الاستعماري القائل بـ"فرنسا غير القابلة للتجزئة".
في يناير 1956، حضر سارتر مؤتمرًا للسلام في الجزائر وألقى خطابًا أصبح من أشهر نصوصه: "الاستعمار نظام"، حيث فكك فيه البنية الاقتصادية والسياسية والثقافية لهذا النظام، معرفًا الاستعمار كمنظومة عضوية قائمة على العنف والعنصرية. بالنسبة له، لم يكن الاستعمار انحرافًا، بل نظامًا ممنهجًا يفرض "دون الإنسانية" على شعوب بأكملها. وقد دفع ثمن هذا الموقف: فقد فجّرت منظمة "الجيش السري"، وهي جماعة شبه عسكرية يمينية متطرفة، قنبلتين أمام شقته في شارع بونابرت. رغم ذلك، لم يتراجع، بل واصل مواقفه بصلابة. ففي عام 1961، كتب مقدمة كتاب معذبو الأرض لفرانز فانون، الطبيب النفسي والمناضل في سبيل القضية الجزائرية، حيث اعتبر العنف المناهض للاستعمار ضرورة تاريخية.
في هذه المقدمة، لا يُعدّ العنف مجرد أداة للمستعمر، بل يمكن أن يصبح قوة محررة. يكتب سارتر: "العنف، كرمح أخيل، قادر على شفاء الجروح التي أحدثها." أطروحة مثيرة للجدل، لكنها تعكس فهمه لفكرة الالتزام: فالتاريخ لا يُصنع بالصمت، بل بفعل الشعوب المضطهدة، حتى وإن كان دراميًا. الصراع بين المستعمِر والمستعمَر، كما يراه، يُنتج جدلية تاريخية جديدة. لم تعد البروليتاريا وحدها الذات الثورية، بل أصبح للمستعمَرين أنفسهم دور محوري في تغيير العالم. هذا التحول الأخلاقي، كما وصفه المؤرخ محمد حربي، هو جوهر التزام سارتر: أن يعطي صوتًا لمن أُسكتوا.
سارتر شكك في "التواطؤ الصامت" للمجتمع الفرنسي. في مقالاته، أدان العنصرية البنيوية، ونفاق الإعلام، ورقابة الدولة. واستعاد مفهوم "المسؤولية الجماعية" الذي طُبق سابقًا على ألمانيا النازية، قائلاً: "قلنا آنذاك إنهم يعرفون كل شيء. والآن؟ نحن أيضًا نعرف كل شيء. هل سنجرؤ على إدانتهم؟ هل سنجرؤ على تبرئة أنفسنا؟" الاستعمار، كما وصفه، مرض عضال: "غرغرينا أخلاقية تدمر الحضارة الأوروبية." كلمات مشبعة بالاستعارات الجسدية، كما لو أن أوروبا تحتاج إلى التخلص من هذا السم لتنجو من انحطاطها.
سارتر لم يكتف بالتنظير. شارك بنشاط في الحركة المناهضة للحرب. وقّع بيان الـ121، وشارك في المظاهرات، وحضر محاكمات مناضلي جبهة التحرير الوطني و"حاملي الحقائب" الفرنسيين، مثل فرانسيس جانسون. وردًا على نداء "أطلقوا النار على سارتر!"، أصبح أكثر حضورًا في الفضاء العام، ولم يتراجع. في مقدمته لفانون، خاطب الفرنسيين بمرارة: "ثماني سنوات من الصمت مهينة. أنتم تعلمون جيدًا أننا استغللنا شعبًا، وجوعناه، وذبحناه لإجباره على الركوع. لقد ظل واقفًا. ولكن بأي ثمن!"
كلمات سارتر لا تُستعاد بسهولة، لأن مناهضته الراديكالية للاستعمار، وربطه العميق بين الثقافة والسلطة، وبين المسؤولية الفكرية والسياسية، ما تزال تقلق حتى اليوم. في زمن الحروب "الإنسانية" وتصدير الديمقراطيات بالقنابل وخطاب حقوق الإنسان المغشوش، تبدو أفكاره كصفعة قوية على وجه الخطاب الغربي. المثقف، في تصوره، كاهن يواجه لحظة الحقيقة: إما أن يكون مع المظلومين، أو مع الظالمين. لا حياد ممكن. ولهذا لا يزال صوته ضروريًا في زمن الحروب الجديدة والأكاذيب القديمة.
المصادر الرئيسية:
• جان بول سارتر، المواقف الخامسة (غاليمار، 1964)
• فرانز فانون، معذبو الأرض (إينودي، 2000)
• آن ماتيو، "جان بول سارتر وحرب الجزائر"، لوموند ديبلوماتيك، 2004
• إيمي سيزار، خطاب حول الاستعمار (الحضور الأفريقي، 1955)
• هنري أليغ، السؤال (Éditions de Minuit، 1958)