السبت 7 حزيران 2025

المماطلة في إنشاء المحكمة الدستورية: سلطة قيس سعيد وتحديات المساءلة


بهيجه العطوط- النهار الاخباريه  تونس
رغم أن دستور 2022 قد وضع إطارًا قانونيًا مبسطًا يسمح بتشكيل المحكمة الدستورية في تونس، فإن الرئيس قيس سعيد، الذي استحوذ على جميع السلطات التنفيذية والتشريعية منذ إعلان التدابير الاستثنائية، لم يُقدِم إلى اليوم على تفعيل هذه المؤسسة الدستورية الحيوية. ويُعد هذا التراخي انعكاسًا لمنهج حكم فردي يتجنب إرساء الضوابط المؤسسية التي تضمن التوازن والمساءلة.

فبعد أن حُلّ البرلمان وتجمّعت السلطات في يد رئيس الجمهورية، تعطّلت آلية إرساء المحكمة الدستورية تحت ذرائع متعددة، أهمها الخلافات السياسية حول معايير اختيار أعضائها. ويُعتقد أن هذه الخلافات تخفي في جوهرها صراعًا حول مستقبل السلطة، خاصة أن المحكمة تملك صلاحيات رقابية حاسمة، من بينها إمكانية إعفاء رئيس الجمهورية في حالات الإخلال الجسيم بالدستور

في هذا السياق، تقدّم عدد من النواب من كتل مختلفة يوم 11 أفريل 2025 بمقترح قانون أساسي لتنظيم المحكمة الدستورية. وقد فجّر هذا المقترح جدلًا واسعًا، خصوصًا على منصات التواصل الاجتماعي، حيث عبّر أنصار الرئيس عن رفضهم لبعض فصوله، لا سيما تلك المتعلقة بإجراءات إعفاء رئيس الجمهورية، معتبرين إياها تهديدًا مباشرا لبقائه في السلطة.

هذا الرفض العلني، والامتناع المستمر عن إرساء المحكمة، يطرحان تساؤلات جدية حول مدى التزام السلطة الحالية بمبدأ الفصل بين السلطات وضمان دولة القانون. فغياب المحكمة الدستورية، في ظل سنّ الرئيس لمراسيم وقوانين مثيرة للجدل وموصوفة أحيانًا بأنها تهديد للحقوق والحريات، يجعل من إمكانية المساءلة أمرًا مستبعدًا، ويؤشر إلى خطر تحول السلطة إلى نظام حكم أحادي يُقصي الضوابط الدستورية باسم "الإرادة الشعبية".
إن إرساء المحكمة الدستورية لا يُعد مجرد التزام دستوري، بل هو خطوة ضرورية لإعادة التوازن للمشهد السياسي، وضمان ألا تكون السلطة مطلقة دون رقيب، خصوصًا في ظل ما تشهده البلاد من تراجع في مؤشرات الحريات والتعددية السياسية.