الجمعة 11 تشرين الأول 2024

الاستفتاء يحير التونسيين بين دستور جديد أم تنقيح لنسخة 2014


النهار الاخباريه وكالات
تفصل أشهر قليلة الناخبين التونسيين عن التوجه إلى صناديق الاقتراع في ثاني استفتاء يجري في تاريخ البلاد، دون أن تتجلّى ملامح مضمون هذا الاستفتاء، فهل سيطرح دستوراً جديداً لتونس سيصبح الرابع في تاريخ البلاد، أم على تنقيحات على دستور 2014.
لا يفوّت الرئيس التونسي، قيس سعيّد، أي مناسبة إلا وينتقد فيها دستور 2014، ويعتبره "لم يعد صالحاً ولا مشروعية له"، داعياً إلى "العودة إلى الشعب بطريقة جديدة ومختلفة".
ولم يعمّر دستور 2014 سوى سبع سنوات، إذ ساد صراع صلاحيات محموم بين مؤسسات الحكم، كما لم تنتج الحياة السياسية استقراراً حكومياً، وطغت على المشهد صراعات سياسية داخل البرلمان وفي بقية المؤسسات، وهو ما دفع إلى لحظة 25 يوليو (تموز) 2021، وما تبعها من جدل حول مصير الدستور وبقية المؤسسات المرتبطة به.
اليوم وقبل ثلاثة أشهر من موعد الاستفتاء لا يعلم التونسيون ما إذا كان سيتم استفتاؤهم بشأن إصلاحات على دستور 2014، أم على دستور جديد سيطرحه الرئيس؟ وما هي تبعات طرح دستور جديد على تونس داخلياً وخارجياً؟

دستور جديد يقطع مع المنظومة السابقة
رجّح أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية في الجامعة التونسية، خالد الدّبابي، أن يتم "عرض دستور جديد على التونسيين، عبر الاستفتاء المقرّر في 25 يوليو"، لافتاً إلى أنه تم تعليق العمل بدستور عام 2014، منذ صدور الأمر 117 المؤرَّخ في 22 سبتمبر (أيلول) 2021، "على الرغم من تصريح الرئيس بأنه تم الاحتفاظ ببعض الأبواب من هذا الدستور مثل التوطئة والباب الأول والباب الثاني". وأضاف أن "الدستور الجديد سيقطع مع دستور 2014، من حيث النظام السياسي والمنظومة المرتبطة به، والعلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، ما يعني المرور مباشرةً إلى مرحلة سياسية جديدة".
وتوقع الدبابي أنه "سيتم تشكيل مشهد سياسي جديد في تونس بناءً على تغيير الدستور وبقية القوانين التي سيتم إقرارها. إلا أنه وعلى الرغم من إقراره بفشل منظومة ما قبل 25 يوليو 2021، في ملفات عدة، حذر من "غياب النقاش المجتمعي، والانفراد برسم ملامح المرحلة السياسية المقبلة في تونس، دون إشراك المنظمات الوطنية والأحزاب والمجتمع المدني".

الرؤية غير واضحة
وبينما أكد الدبابي أن سعيد ماضٍ في طرح دستور جديد على التونسيين، قالت أستاذة القانون الدستوري في الجامعة التونسية، سلسبيل القليبي، إن "الرؤية غير واضحة، ولا يمكن الجزم بأن قيس سعيد، سيطرح دستوراً جديداً على التونسيين".
وأكدت القليبي أنه "على الرغم من كل الشوائب، تمّت صياغة دستور 2014، من قبل مجلس منتخَب، وجرى نقاش داخل المجلس الوطني التأسيسي وقتها وفي المجتمع المدني وفي الإعلام والشارع، واضطُر المجلس إلى التراجع عن نقاط عدة قدّمها في المسودات الأولى، بسبب ضغط المجتمع المدني والشارع".
ثلاثة دساتير في تاريخ تونس
يُذكر أن تونس عرفت في تاريخها ثلاثة دساتير لتنظيم الحياة السياسية، وكان أولها دستور "عهد الأمان" لعام 1861، ثم دستور 1959، وصولاً إلى دستور 2014، وشهدت كل مرحلة دستورية تنقيحات عدة تماشياً مع متطلبات الحياة السياسية، فقلّص دستور 1861، من سلطة محمّد الصادق باي، مقابل إقرار الفصل بين السلطات الثلاث، وإنشاء محاكم عدة، بينما شهد دستور 1959، الذي وضعه المجلس القومي التأسيسي 16 تنقيحاً بين عامَي 1959 و2008، قبل أن يتم تعليق العمل به في يناير (كانون الثاني) 2011، اثر الاحتجاجات التي أطاحت بنظام الرئيس السابق، زين العابدين بن علي.
وانتظرت تونس ثلاث سنوات (2011-2014) شهدت خلالها مخاضاً سياسياً عسيراً، على الساحة السياسية عامةً وداخل المجلس الوطني التأسيسي خاصةً، ليصدر دستور يناير 2014.
وبعد سبع سنوات من العمل بهذا الدستور، 
تجلّت صعوبات عدة في تسيير عجلة الدولة من خلال صراع الصلاحيات بين الرئاسات الثلاث (رئاسة البرلمان ورئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية) ما نتج عنه لحظة 25 يوليو (تموز) 2021، التي استندت إلى الفصل 80 من الدستور، الذي ينصّ على "الخطر الداهم". وتم التعليق الجزئي للعمل بالدستور وتجميد البرلمان ثم حلّه، بانتظار إدخال تنقيحات جديدة على دستور 2014، أو طرح دستور جديد على الاستفتاء.

وقد يفجّر الرئيس سعيد، قنبلة موقوتة في ساحة سياسية منقسِمة في حال طَرَح دستورا جديداً، ستكون له تداعيات داخلية وخارجية، نظراً إلى تنامي الضغط الدولي الداعي إلى العودة إلى المسار الديمقراطي التشاركي، وحدة الانقسامات الداخلية تزامناً مع الأزمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي تعيشها تونس.