الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

اتفاقية الدفاع الأردنية الأمريكية.. تأطير لشراكة استراتيجية أم انتداب مقنع؟

اتفاقية الدفاع الأردنية الأمريكية.. تأطير لشراكة استراتيجية أم انتداب مقنع؟
"تعزيز للأمن والدفاع.. تقويض بالسيادة.. استعمار مقنع.. احتياط أمريكي".. هكذا تباينت توصيفات المراقبين للاتفاقية الدفاعية بين الأردن والولايات المتحدة، التي بدأ سريانها ، الثلاثاء الماضي، وهو ما عكس حالة احتقان سياسي بين الحكومة والمعارضة في المملكة.
فالاتفاقية، التي تم توقيعها في 31 يناير/كانون الثاني الماضي، وأقرتها الحكومة في 17 فبراير/شباط الماضي، تتضمن 19 مادة وملحقاً تنص على الوضع القانوني للقوات الأمريكية والموظفين المدنيين التابعين لوزارة الدفاع الأمريكية في الأردن، وتوفر المملكة بموجبها 15 موقعا للقوات الأمريكية، التي يمكنها التحكم في الدخول إلى تلك المواقع والتنقل منها وإليها دون دون دفع الرسوم والضرائب المقررة بموجب القانون الأردني.
 ويجوز للقوات الأمريكية، بموجب الاتفاقية التي نشرها موقع "عمون" الإخباري الأردني، حيازة وحمل الأسلحة في الأراضي الأردنية أثناء تأديتها مهامها الرسمية، على أن يتخذ الأردن الإجراءات المعقولة، حسب ما يكون ضرورياً، لضمان حماية وسلامة وأمن أفرادها والمتعاقدين معها وأمن ممتلكاتها.
كما توجب الاتفاقية على الأردن -في حال طلبت السلطات الأمريكية- إصدار لوحات سيارات مؤقتة مجانا للمركبات التابعة للولايات المتحدة ولأفرادها والمتعاقدين معها، بشكل لا يمكن تمييزها عن تلك اللوحات المؤقتة الصادرة لأفراد الشعب الأردني.
ولا يحق للقضاء أو الادعاء العام الأردني التحقيق أو التعامل مع أي حالة وفاة تقع في المناطق المخصصة للقوات الأمريكية، بموجب الاتفاقية، التي أجازت أيضا استخدام طيف الراديو والاتصالات السلكية واللاسلكية بدون رقابة أردنية.
وحددت الاتفاقية مدتها الزمنية بــ15 عاماً، وتستمر سارية، بعد المدة المبدئية، ما لم يتم إنهاؤها من أحد الطرفين، وتضمنت ملحقا بالمناطق المتفق عليها لنشر القوات الأمريكية وهي: قاعدة الشهيد موفق السلطي، ومجمع مركز التدريب المشترك، وقاعدة تدريب القوات المسلحة الأردنية في الحميمة، وقاعدة الملك عبدالله الجوية، والقاعدة البحرية الملكية في العقبة، وقاعدة تدريب القوات المسلحة الأردنية في القويرة، ومركز الملك عبدالله لتدريب القوات الخاصة، وقاعدة الأمير حسن الجوية، وقاعدة الأمير فيصل الجوية، ومخيم التتن، وقاعدة الملك عبدالله الثاني الجوية، إضافة إلى والمواقع العسكرية الحدودية حسبما يتم الاتفاق عليها مسبقاً.
وفيما ارتأى مؤيدون للاتفاقية أنها أطرت التواجد الأمريكي على الأراضي الأردنية، وهو تواجد قديم، ركز آخرون على تعمد الحكومة الأردنية تمرير الاتفاقية الدفاعية الموقعة بين عمان وواشنطن دون عرضها على البرلمان، ما زاد من الجدل الدائر بشأنها، خاصة في ظل الإشكالات المتعلقة بمساسها بالسيادة الوطنية.
واعتبر معارضون، بينهم النائب عن كتلة الإصلاح الأردنية النائب "صالح العرموطي"، أن عدم عرض الاتفاقية على البرلمان يعني عدم دستوريتها إجرائيا، فضلا عن تضمنها بنودا مخالفة للدستور، لاسيما عدم محاكمة الجنود الأمريكيين أمام المحاكم الأردنية، وحرية تنقلهم ودخولهم المملكة دون تأشيرة، إلى جانب فرض مسؤولية حمايتهم على السلطات الأردنية.
وطالب "العرموطي" النواب الأردنيين بتحمل مسؤولياتهم القانونية والأخلاقية لمواجهة هذه الاتفاقي، وربط بينها وبين سعي الولايات المتحدة لتمرير مشاريع صهيونية في المنطقة.
وفي الإطار ذاته، ربطت مصادر مطلعة بين الحالة المهتزة للعلاقات الأمريكية الإسرائيلية وبين رغبة واشنطن في أن يكون لها وجودا قويا في المنطقة، مستقلًا عن علاقاتها مع إسرائيل، وفقا لما أورده موقع "جيوبوليتيكال فيوتشرز"، المعني بشؤون الاستخبارات.
ومن هذا المنطلق، وصف الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي "مراد العضايلة" الاتفاقية بأنها "ترهن سيادة البلاد لأمريكا دون أي فائدة للأردن كما هو ظاهر من بنودها"، مضيفا: "هذه الاتفاقية لصالح الولايات المتحدة الأمريكية فقط، وهي أقرب للانتداب الأمريكي الذي يتيح للمستعمر أن يدخل للبلاد كيفما شاء ووقتما شاء، وأن يفعل ما شاء دون أن يكون هناك من يحاسبه" وفقا لما أوردته صحيفة السبيل الأردنية.
وكان الحزب قد أصدر بيانا وصف فيها ما تضمنته الاتفاقية بأنها "أبعد ما تكون عن اتفاقيات التعاون الدفاعي، وإنما تشكل اتفاقية إذعان تمنح القوات الأمريكية حق استباحة الأرض والمرافق الأردنية بما لا يتحقق لأفراد الجيش الأردني".
واعتبر المحلل السياسي "عريب الرنتاوي" عدم عرض الاتفاقية على البرلمان الأردني خطأ غير مقبول، مشيرا إلى أن معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل (وادي عربة) عرضت على البرلمان في 1994، وفقا لما أوردته وكالة "سبوتنيك" الروسية.
ورجح "الرنتاوي" أن تكون الحكومة الأردنية قلقة من تعطيل الاتفاقية في حال عرضها على البرلمان، ما قد يؤدي إلى إغضاب الولايات المتحدة التي تقدم مساعدات سنوية سخية للأردن، أو من وجود بنود سرية فيها لا يمكن إطلاع الرأي العام عليها.
وشكك "الرنتاوي" في جدوى الاتفاقية من حيث تعزيز المكانة الدفاعية للأردن إقليميا، مشيرا إلى أن الحرب على الإرهاب انتهت معاركها الكبرى والرئيسية في الإقليم وتحولت الآن إلى شكل أمني وليس عسكريا.
وفي المقابل، يشير المؤيدون للاتفاقية إلى أنها ستزيد من فرصة حصول المملكة على المزيد من الدم المالي والمنح التي وصلت في عهد الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" إلى أكثر من مليار دولار دون جديد يذكر، خاصة أن القوات الأمريكية موجودة في جميع دول المنطقة وليس الأردن فقط، وأن المملكة جزء من التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، الذي تقوده الولايات المتحدة.
الرواية الأمريكية الرسمية تسلط الضوء على شراكة التحالف أيضا، موضحة أن السعي من وراء الاتفاقية يأتي "لتعزيز برنامج مكافحة الإرهاب ودعم وتعزيز القدرات الدفاعية الأردنية"، وفقا لما أوردته قناة "الحرة".
وفي هذا الإطار، رد وزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني "أيمن الصفدي"، الأحد، على مداخلة لـ"العرموطي" في مجلس النواب بأن الاتفاقية الدفاعية بين الاْردن والولايات المتحدة جاءت "لتأطير التعاون الدفاعي القائم فعليا".
وشدد "الصفدي" على أن الحكومة لا تقبل أي مساس بالسيادة الأردنية، مشيرا إلى أن الاتفاقية "لا تخول القوات الامريكية القيام بأعمال قتالية وإنما عمليات تدريب، والتعاون العسكري الأمريكي الأردني ليس جديدا".
وأكد الوزير الأردني إلى أن الإعفاءات الضريبية التي تنص عليها الاتفاقية لا تمس خزينة الدولة، وتشمل البرامج الممولة من الولايات المتحدة، "كما أن توفير الحماية (للقوات الأمريكية) يأتي ضمن الالتزام بالقانون الدولي الذي ينظم التعامل مع جميع البعثات والجهات الأجنبية العاملة، وكذلك فيما يتعلق بالحصانات والامتيازات والتنقل" حسب قوله.