النهار الاخبارية - وكالات
قد يلحظ الكثير من الناس أنه عادة ما تحدث الزلازل الكبيرة والهزّات الأرضية المدمرة عندما يكون هناك قمر مكتمل أو مع حلول القمر الجديد، ما دفع باعتقادات علمية أن قوة الجاذبية على المد والجزر تلعب دوراً محورياً في هذه المعادلة.
ووجد الباحثون أن المد والجزر الذي ينشأ من تفاعل الجاذبية بين الأرض والقمر يمكن أن يسبب تغيرات قد تؤدي إلى حدوث زلازل مدمّرة.
ومثال على ذلك زلزال المحيط الهندي الكبير الذي بلغت قوته ما بين 9.1 و9.3 على مقياس ريختر في عام 2004، وكذلك زلزال مولي الذي بلغت قوته 8.8 درجة وضرب تشيلي عام 2010، وزلزال توهوكو-أوكي في اليابان بقوة 9.0 ريختر عام 2011، وآخرها زلزال سوريا وتركيا المدمر مطلع فبراير/شباط عام 2023.
إذ تميل الزلازل القوية إلى أن تحدث تزامناً مع وقت المد والجزر، والذي يرتبط بدوره ارتباطاً وثيقاً بمراحل اكتمال القمر. ولكن هل هذا الارتباط حقيقي وله تفسير علمي فعلاً؟
علاقة القمر بالزلازل وتأثير الجاذبية على قشرة الأرض
غالباً ما يلعب القمر الدور الأساسي في حركتي المد والجزر على الأرض، والتي تكون أقوى عندما يكون القمر والشمس مصطفَّين في خط مستقيم، أثناء اكتمال القمر أو بحلول القمر الجديد.
وعلى الرغم من أن القمر صغير، لكنه قريب جداً من كوكبنا لدرجة أن جاذبيته تمتد وتضغط مسطحات المياه في الكرة الأرضية، كذلك فهو يسحب قشرة الأرض عندما يبتعد أيضاً، ولكن بدرجة طفيفة جداً، خاصةً بالمقارنة مع صعود وهبوط المحيط الذي يشبه تتابع التنفس.
ومع ذلك، تساءل العلماء لسنوات عما إذا كان القمر قد يلعب دوراً في الزلازل، التي هي في الأساس حركات قشرة الأرض فوق الطبقات الأعمق.
صحيح أنه سيكون من المنطقي أن جاذبية القمر يمكن أن تتسبب في حدوث خلل في القشرة الأرضية، خاصةً إذا كانت بالفعل على وشك الانهيار والانزلاق. لكن بالعودة إلى القرن التاسع عشر، لم يقدم أحد دليلاً قاطعاً على ذلك، على الرغم من إجراء عدة دراسات علمية بهذا الخصوص.
وبحسب مجلة The Atlantic الأمريكية، فإنه بدراسة البيانات من العقدين الماضيين، قاس أساتذة من جامعة طوكيو توقيت المد العالي وأعادوا رسم قوة سحب القمر في تلك الأوقات، مع التركيز على الأسبوعين السابقين للزلازل الكبيرة التي شهدها العالم في العقود الأخيرة.
كما قاموا بقياس سعة المد والجزر مقابل توقيت تلك الزلازل، ووجدوا أن بعضاً من أكبر الزلازل وأكثرها تدميراً في العصر الحديث حدثت عندما كانت قشرة الأرض تحت أعلى إجهاد للمد المرتبط بحركة اكتمال القمر فعلاً.
لاحظ العلماء أن زلزال جزيرة سومطرة في المحيط الهندي مثلاً، الذي حدث في 26 ديسمبر/كانون الأول 2004، والذي كان الأكثر فتكاً بسبب التسونامي المروع والمميت الذي ترتب عليه، حدث بالقرب من وقت اكتمال القمر وحدوث مد الربيع، وهو عندما يكون المد في أعلى مستوياته والجزر في أكثر مستوياته انخفاضاً.
وكذلك تكرر الأمر مع زلزال 27 فبراير/شباط عام 2010 في مولي، بتشيلي؛ إذ حدثت هذه الزلازل بالقرب من ذروة إجهاد المد، عندما تعاون القمر والشمس لممارسة أكبر تأثير جاذبية على كوكب الأرض.
كذلك حدث زلزال توهوكو-أوكي في اليابان في 11 مارس/آذار عام 2011، والذي تسبب في حدوث تسونامي مدمر.
لا تزال هناك حاجة لمزيد من البحث والإثبات
ومع ذلك، لم تتمكن الدراسات العلمية حول علاقة القمر بالزلازل وبحث البيانات المجمّعة من العثور على أية علاقة علمية مفهومة بين المد والجزر تحديداً والزلازل الصغيرة، على الرغم من وجود روابط كثيرة، بحسب مجلة Scientific American للأبحاث.
حاول نيكولاس فان دير إلست، عالم الزلازل في هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، دراسة الزلازل منخفضة التردد في صدع سان أندرياس سيئ السمعة، ووجد أنها من المرجح أن تحدث أثناء مرحلة الهلال القمري، عندما يزداد المد في الحجم بأسرع معدلاته.
ومع ذلك، تظل الآليات الكامنة وراء هذا الارتباط غير واضحة؛ حيث يتسبب سحب القمر في حدوث اضطرابات في المد والجزر تكون أقل من تلك التي تحدث في الزلزال. كما أن كل تغيير في المد لا يأتي مصحوباً بزلزال.
كل ما تحتاجه الزلازل هو تلك "الدفعة الصغيرة"
يظل جزء من المشكلة هو أن العلماء ما زالوا لا يعرفون بالضبط ما الذي يسبب الزلازل الكبيرة. لكن تقول إحدى النظريات إنها تبدأ ككسور أصغر تتراكم عبر عملية متتالية في طبقات الأرض.
فوفقاً لعلوم الهزات الأرضية، الهزات العميقة التي يمكن أن تؤدي إلى زلازل كبيرة يمكن أن تكون حساسة للغاية لتغيرات ضغط المد والجزر، وبالتالي قد تزداد احتمالية حدوث انهيار صخري صغير يؤدي إلى تمزق هائل في طبقات الأرض مع زيادة مستويات ضغط المد والجزر.
بعبارة أخرى، أثناء القمر الجديد أو اكتمال القمر، قد تكون الزيادة الطفيفة في ضغط المد والجزر كافية لتشجيع حدوث كسور صغيرة تحفّز حدوث الزلازل الكبيرة.
وبشكل عام، خلص العلماء إلى أنه ليست كل الزلازل الكبيرة ناتجة عن حركات القمر. ولكن قد يكون بعضها كذلك، لذا من الأفضل تخصيص اهتمام أكبر للطرق الدقيقة والقوية التي يمارس بها القمر تأثيره على الكوكب، خاصة في المناطق المعرضة للزلازل.