النهار الاخبارية - وكالات
تنقل الكوابل البحرية ما يقدر بـ99% من حركة الاتصالات والبيانات الدولية، ويوجد أكثر من نصف مليون ميل من هذه الكوابل التي تنتشر في قاع بحار ومحيطات العالم، وتستطيع نقل البيانات بسرعة فائقة تبلغ 640 (غيغابايت) في الثانية، وهو ما يساوي إجراء نحو 7 ملايين ونصف المليون مكالمة هاتفية في وقت واحد.
وتستخدم هذه الكوابل الألياف الضوئية، وهي مكونة من خيوط زجاجية أو بلاستيكية لنقل البيانات، ويتكون كل كابل من حزمة من هذه الخيوط القادرة على حمل الرسائل بصورة أشعة ضوئية.
وتتمتع كوابل الألياف الضوئية بعرض نطاق ترددي أعلى بكثير من الكوابل المعدنية مما يمكّنها من حمل مزيد من البيانات وتوفير معدل نقل أسرع بكثير، كما أنها أقل عرضة للضوضاء وتداخل الأصوات، وهي أيضا أرق وأخف وزنا مقارنة بالكوابل المعدنية، وتستخدم عمودا أساسيا للإنترنت والاتصالات بعيدة المدى، كما ذكرت منصة "داتا سنتر داينمكس" (datacenter dynamics) في تقرير لها مؤخرا.
شبكات المنطقة الواسعة
وتعد شبكات المنطقة الواسعة أو ما يعرف باسم الـ"وان" (WAN) العمود الفقري العالمي لإنترنت اليوم، فهي تربط مليارات أجهزة الكمبيوتر عبر القارات والمحيطات في مختلف أنحاء العالم لتشكل أساس الخدمات الحديثة عبر الإنترنت.
وكما هو معروف، فإن جائحة كورونا أدت إلى ضغط كبير على تقديم خدمات الشبكة لمليارات البشر حول العالم، وهو ما جعلها تكافح من أجل توفير نطاق ترددي عالٍ قادر على تحمل أعباء العمل الناشئة المتعلقة بالتعلم الآلي ومكالمات الفيديو والرعاية الصحية وغيرها من الخدمات التي فرضتها الجائحة.
ولتوصيل شبكات الـ"وان" عبر مئات الأميال، يتم توصيل كابلات الألياف الضوئية التي تنقل البيانات باستخدام الضوء في جميع أنحاء أحيائنا، وعلى الرغم من أنها سريعة للغاية، فإنها ليست موثوقة دائما؛ فالعواصف الرعدية، والطقس السيئ والحوادث وحتى الأسماك يمكن أن تسبب ضررا بالغا بها في كثير من الأحيان، وهو ما يؤدي إلى فقد الاتصال بالإنترنت في أنحاء مختلفة من العالم، كما ذكر موقع "تيك رادار" (techradar) مؤخرا.
استخدام الخوارزميات
لتفادي هذه المشاكل، توصل علماء من مختبر علوم الكمبيوتر والذكاء الاصطناعي في "معهد ماساشوستس للتكنولوجيا" (MIT) مؤخرا إلى طريقة للحفاظ على الشبكة عند تعطل الألياف الضوئية وتقليل تكلفة إعادة التشغيل بصورة كبيرة.
ويعيد نظامهم، المسمى "أرو" (ARROW)، تكوين الضوء البصري من الألياف التالفة إلى الألياف السليمة، باستخدام خوارزمية خاصة عبر الإنترنت للتخطيط الاستباقي لاستبدال الألياف المحتمل تعرضها للتلف أو الأذى بناء على متطلبات حركة مرور الإنترنت في الوقت الفعلي، وذلك كما ذكرت منصة الجامعة في تقرير نشرته مؤخرا عن هذا الابتكار المثير.
وذكر التقرير أنه تم بناء وتصميم "أرو" عبر دمج طريقتين مختلفتين: الأولى هي "هندسة المرور في أثناء التعطل"، وهي تقنية توجه حركة المرور إلى حيث توجد موارد النطاق الترددي في أثناء عمليات قطع الألياف أو تعرضها للأذى، والثانية هي "إعادة تكوين الطول الموجي"، التي تستعيد موارد النطاق الترددي المتعطلة عن طريق إعادة التكوين الضوئي.
ولتحقيق هذا المزيج القوي بين الطريقتين، ابتكر فريق العمل خوارزمية جديدة يمكنها أساسا إنشاء تذاكر خاصة تشبه "تذاكر اليانصيب" لحل مشكلة "إعادة تشكيل الطول الموجي" على الألياف الضوئية لتعمل جنبا إلى جنب "طريقة الاستعادة البصرية" التي تنقل الضوء من الألياف المقطوعة إلى الألياف السليمة "البديلة" لاستعادة الاتصال بالشبكة، ويأخذ هذا النظام في الاعتبار أيضا حركة المرور في الوقت الفعلي لتحسين إنتاجية الشبكة القصوى.
وباستخدام عمليات المحاكاة واسعة النطاق، يمكن أن يحمل "أرو" حركة مرور أكثر بكثير من دون الحاجة إلى نشر ألياف جديدة، مع الحفاظ على موثوقية الشبكة.
لا مكان للفشل
يقول زيهزن زونغ الباحث الرئيسي ومدير الفريق "يمكننا استخدام هذا النظام (أرو) لتوفير الخدمة، وتعزيز مرونة البنية التحتية للإنترنت في حال انقطاع الألياف.. إنه يجدد الطريقة التي نفكر بها في العلاقة بين حالات التعطل وإدارة الشبكة".
ويضيف أن حالات التعطل وانقطاع الإنترنت كانت سابقا أحداثا حتمية، حيث كان التعطل يعني الفشل، ولم تكن هناك طريقة للتغلب عليه ولكن باستخدام هذا النظام أصبحنا نستطيع التغلب على كثير من حالات انقطاع الألياف، واستعادة الاتصال وتحجيم الفشل، وهذا يغير الطريقة التي نفكر بها في إدارة الشبكة، مما يفتح فرصا لإعادة التفكير في أنظمة هندسة المرور وأنظمة تقييم المخاطر والتطبيقات الناشئة أيضا.
الشبكة لم تعد كيانا ثابتا
في الأنظمة التقليدية، كان مهندسو الشبكات يقررون مسبقا مقدار السعة التي يجب توفيرها في الطبقة المادية للشبكة، قد يبدو من المستحيل تغيير هيكل الشبكة من دون تغيير الكابلات فعليا، ولكن نظرا لأنه يمكن إعادة توجيه الموجات الضوئية باستخدام مرايا صغيرة، فإنها قادرة على إجراء تغييرات سريعة لا تحتاج إعادة الأسلاك. هذا عالم لم تعد فيه الشبكة كيانا ثابتا، بل هي بنية ديناميكية من الترابطات التي قد تتغير اعتمادًا على عبء العمل.
وكي نتصور قدرات النظام الجديد والتغيير الثوري الذي أحدثه، لنتخيل نظام مترو أنفاق افتراضي، حيث قد تتعطل بعض القطارات من حين لآخر، وتريد وحدة التحكم في مترو الأنفاق التخطيط لكيفية توزيع الركاب على طرق بديلة مع مراعاة القطارات العاملة الأخرى واستمرارية حركة المرور، فباستخدام "أرو" عند تعطل قطار ما، تعلن وحدة التحكم للركاب عن أفضل الطرق البديلة لتقليل وقت سفرهم وتجنب الازدحام.
ثورة في طريقة تفكيرنا في الشبكة
وفي هذا السياق، تقول الأستاذة في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا، مانيا غوبادي، التي أشرفت على العمل "هدفنا على المدى الطويل هو جعل شبكات الكمبيوتر واسعة النطاق أكثر كفاءة، وتطوير شبكات ذكية تتكيف مع البيانات والتطبيقات.. كما أن وجود هيكل بصري قابل لإعادة التكوين يُحدث ثورة في طريقة تفكيرنا في الشبكة، حيث يتطلب إجراء هذا البحث كسر القواعد التقليدية التي تم إنشاؤها قبل سنوات عديدة وما زالت تتحكم بالشبكة حتى الآن".
ولنقل النظام من مرحلة الدراسة والبحث إلى التطبيق الفعلي في العالم الحقيقي، يتعاون فريق العمل مع شركة فيسبوك حاليا، آملين في العمل مع مزودي خدمة آخرين على نطاق واسع في المستقبل القريب.
بدوره، يقول ينغ زانغ مدير هندسة البرمجيات في شركة فيسبوك "نحن متحمسون لأنه سيكون هناك العديد من التحديات العملية في المستقبل لجلب أرو من أفكار معمل الأبحاث إلى العالم الحقيقي، كي يخدم مليارات الأشخاص حول العالم، ويقلل انقطاعات الشبكة عن الخدمة، ونأمل أن يجعل أرو الإنترنت أكثر مرونة واستمرارية في المستقبل القريب".