النهار الاخبارية - وكالات
الهواتف المقاومة للماء.. ما حقيقتها؟
قبل نحو 17 عامًا، ظهر أول هاتف مقاوم للماء في العالم، ورغم مرور كل هذه السنوات، وتعدُّد أشكل الهواتف وإمكانياتها المتقدمة للغاية، لازلنا نفتقد حتى الآن لوجود هاتف مقاوم للماء بشكل كامل وفي مختلف الظروف.. ترى ما السبب؟
لماذا ندفع مبالغًا ليست بسيطة في هواتف من المفترض أنها مقاومة للماء، ومع أول اختبار حقيقي عند سقوطها في حوض السباحة أو في أثناء التقاط صورة على شاطئ البحر على سبيل المثال، نكتشف أن الأمر مجرد خدعة، وأننا فقدنا هاتفنا إلى الأبد؟
خدعة الترويج لإمكانية مقاومة الهواتف للماء على غير الحقيقة، وضعت شركات الهواتف العملاقة في حرج مع زبائنها، وكبّدتها ملايين الدولارات. ففي أواخر الشهر الماضي، تم تغريم شركة سامسونج 14 مليون دولار من قبل المحكمة الفيدرالية الأسترالية، بسبب مزاعم كاذبة في إعلانات عن مقاومة هاتفها "جلاكسي" للماء، بعدما اعترفت الشركة بتضليل المستهلكين حول ملاءمة العديد من هواتف "جلاكسي" للغمر في حمام السباحة أو مياه البحر.
واعترفت سامسونج بأن غمر هواتف "جلاكسي" في حوض السباحة أو مياه البحر يمكن أن يؤدي إلى تآكل منافذ الشحن وإيقاف تشغيلها خاصة إذا تم شحنها وهي لا تزال مبللة.
هذا الأمر ليس حكرًا على سامسونج وحدها، ففي عام 2020، تم تغريم شركة أبل 12 مليون دولار من قبل هيئة مكافحة الاحتكار الإيطالية، بسبب مزاعم مضللة حول مقاومة أجهزة آيفون للماء، بعدما قامت الشركة بتسويق العديد من أجهزة آيفون على أنها مقاومة للماء، لكنها فشلت في توضيح أن مقاومة الماء تُطبّق فقط في ظل ظروف معينة.
وتشير الأدلة إلى أن بعض طرازات آيفون لم تُثبت مقاومتها للماء لمدة 30 دقيقة على عمق يصل إلى 4 أمتار، كما أعلنت شركة أبل، وأن هذه الادعاءات صمدت فقط في الاختبارات المعملية باستخدام المياه النقية على عكس ظروف العالم الحقيقي.
ببساطة شديدة ووفقا لمكونات الهواتف الداخلية، فإن الماء هو عدوها اللدود الذي يفسد أجزائها وقد يحولها لقطعة من الخردة. فبمجرد دخول الماء إلى الأجزاء الداخلية للهاتف يتعرض لمشاكل متنوعة، بداية من الصور الضبابية الناجمة عن احتباس الرطوبة في عدسة الكاميرا، مرورًا بتشوش الصوت أو عدم وجود الصوت نهائيًا، ووجود قطرات سائلة تحت الشاشة، بالإضافة إلى عدم القدرة على شحن الهاتف، وتعرض الأجزاء الداخلية للصدأ، وانتهاء بتوقف الجهاز عن العمل تمامًا.
بداية القصة
تاريخ بداية ظهور الهواتف المقاومة للماء كان تحديدًا في 2005، مع الهاتف الذي حمل اسم (Casio G'zOne). وفي عام 2010، ظهر أول هاتف ذكي مقاوم للماء يعمل بنظام "أندرويد" هو (Motorola Defy)، لتتوالى بعدها الإصدارات المختلفة، نذكر منها إعلان شركة سوني عن أول هاتف قالت إنه قادر على تحمل الغمر بالماء حتى عمق متر واحد لمدة 30 دقيقة وهو هاتف (Xperia Z). شركة سامسونج أرادت هي الأخرى جذب مستخدميها لهذا النوع من الهواتف لتعلن عن إطلاق هاتفها المقاوم للماء وهو (Galaxy S5) في 2013. بعدها دخلت أبل على الخط في 2016، لتعلن عن أول هاتف مقاوم للماء يعمل بنظام التشغيل "آي أو إس" وهو هاتف "iPhone 7".
وبمرور السنوات، استفادت الشركات المصنعة للهواتف من التقدم الهائل في مجال صناعة الهواتف الذكية، ونجحت في زيادة طبيعة مقاومة الهواتف الذكية للماء إلى حد ما، لكنها حتى الآن لا تزال بعيدة كل البُعد عن مقاومة الهاتف للماء بشكل كامل وفي مختلف الظروف.
معايير وضوابط
لكن كيف يُقاس مستوى الحماية التي تتمتع بها الهواتف الذكية ضد الماء؟ هذه العملية المعقدة تتم وفق تصنيف حددته اللجنة الكهروتقنية الدولية (IEC)، من خلال ما يعرف برمز "الحماية من دخول الماء والغبار"، والذي يُطلق عليه عادة تصنيف (IP)، الذي يشير لفعالية الهاتف ضد تسرُّب المواد الصلبة والسوائل.
ودائمًا ما يتبع هذا التصنيف رقمين، يزمر أولهما إلى الحماية ضد المواد الصلبة مثل الغبار، فيما يشير الثاني إلى مقاومة السوائل، وتحديداً الماء.
وتندرج غالبية الهواتف من هذا النوع تحت تصنيفين، أولهما تصنيف (IP68) الذي يتمتع بحماية من الأجسام الصلبة تبلغ 6 (حماية كاملة من الغبار والأوساخ والرمل)، وحماية من السوائل تبلغ 8 (حماية من الغمر في الماء حتى عمق 1.5 متر ولمدة 30 دقيقة فقط.
ثانيا، إذا كان تصنيف الهاتف (IP57)، فهذا يعني أن لديه مستوى حماية من الأجسام الصلبة يبلغ 5، وبذلك قد تتمكن جزيئات الغبار الصغيرة من دخول الهاتف، ولكن لن تؤثر كفاءة تشغيله، كما أن لديه مستوى حماية من السوائل يبلغ 7، وهذا يعني أن الهاتف يقاوم قطرات المطر ورذاذ الماء الخفيف، لكنه لن يتحمل الغمر الكامل في الماء.
الإشكالية التي يقع فيها المستهلكين، وربما تجعلهم يفقدون هواتفهم عن طريق الفهم الخاطئ، هي أن بعض الشركات تدّعي أن هواتفها "مقاومة للماء"، لكن في الواقع فإن مستويات الحماية التي وضعتها تلك الشركات كانت وفق اختبارات مقاومة الماء عبر غمر الهواتف بهدوء في المياه العذبة، وهو ما يختلف كثيرًا عما يحدث إذا دفعك صديقك إلى حمام السباحة وبيدك هاتفك مثلا، أو إذا جاء المد بشكل غير متوقع على الشاطئ وغمر هاتفك بمياه البحر المالحة، لتفاجأ أن هاتفك غمرته المياه من الداخل ولا يعمل.
لهذا، يجب الانتباه إلى أن تمتُّع الهواتف الذكية بخاصية مقاومة الماء لا يعني أنه يمكننا اصطحابها أثناء السباحة في البحر مثلاً، كما أن وظيفة الحماية المثالية وفق المعايير الموضحة أعلاه، تتوافر في الأجهزة الجديدة فقط، نظرًا لتقادم عناصر الإحكام مع مرور الوقت، فضلا عن إمكانية ظهور تشققات في جسم الهاتف الذكي، ناهيك عن أن مستويات مقاومة الماء والغبار في الهاتف تتراجع مع تآكل عوامل الحماية بمرور الوقت.
هناك معلومة أخرى يجب أن يضعها المستهلك في الحسبان، وهي أن تلك الهواتف يمكنها تحمل الماء لفترة من الوقت وإلى عمق معين، لكن لا ينبغي غمرها عمدًا أو تجاوز الحد الأقصى المذكور، كما أن الشركات المصنعة لتلك الهواتف لا تُغطي في الواقع الأضرار التي تنجم عن المياه في ضمانها.
كما يجب الانتباه أيضًا إلى أن وظيفة الحماية تنطبق فقط على المياه العذبة العادية وليس مياه البحر المالحة، بمعنى أن هذه "المقاومة" ربما تستطيع حماية الهاتف فقط عند هطول الأمطار مثلا أو سقوطه سهوا في المياه للحظات وإخراجه بسرعة وتجفيفه، ولا يجوز استعمال مثل هذه الأجهزة للتصوير تحت الماء دون توافر تجهيزات الحماية المناسبة.
ما عوامل الحماية؟
رغم التقدم الهائل الذي حدث في صناعة الهواتف الذكية، إلا أنها لا تزال عبارة عن حزمة حساسة للغاية من الأسلاك والدوائر التي يمكن أن تتلف بسرعة مع أول قطرة ماء تصل إليها، وما تغير فقط هو قدرة صانعي الهواتف على حمايتها من الماء بشكل جزئي، عبر طرق قديمة للغاية، تعتمد على مجموعة من المواد اللاصقة والجوانات المطاطية المصممة لمنع الماء من الدخول إلى الجهاز، بالإضافة إلى طبقة من السيليكون حول الأزرار، حتى أن البعض شبّه هذا الأمر نوعًا ما بالطريقة التي يمنع بها السباك الأنابيب الموجودة أسفل الحوض من تسريب المياه، لهذا لا يوجد طريقة مثالية تمنع الماء من النفاذ، خاصة إذا تمكنت بعض قطرات المياه من الضغط من خلال الحشوات المطاطية أو المادة اللاصقة، فمن الممكن أن تتلف هاتفك.
وتتحقق مقاومة الماء في الهواتف باستخدام غراء قوية لتدعيم المكونات الخارجية للهاتف معًا، بالإضافة إلى ذلك، تستخدم عادة جوانات مطاطية حول منافذ الهاتف كمنفذ الشحن، والمكونات القابلة للإزالة كالبطارية، بالإضافة إلى السيليكون الذي يتم وضعه حول الأزرار.
استحالة
قبل المغامرة بهاتفك، بإلقائه طواعية في الماء، لاختبار مدى صلابته في تحمل الماء، انتبه إلى أنه بشكل عملي يستحيل أن يكون لدينا هاتف مقاوم للماء في كل الظروف، كما يحدث في ساعات اليد مثلا التي تتحمل الماء لفترات كبيرة وعلى أعماق متفاوتة.
السبب في ذلك ببساطة، يعود إلى مكونات الهاتف التي يستحيل معها هذا الأمر، فهاتفك ليس به فجوة واحدة فقط تسمح بدخول الماء، لكن كل منفذ وزر وشبكة سماعة وفتحة ميكروفون، يمكن أن تكون الحلقة الأضعف التي تسمح بدخول الماء إلى جهازك، ناهيك عن الفجوة العملاقة بين حافة هاتفك وشاشته الزجاجية.
ويعتبر مصنعو الهواتف أن الشاشات الزجاجية الحديثة الهشة تشكل تحديا صعبا بشكل خاص لمقاومة الماء، حيث لا يمكن للمصنعين إرفاقها بشكل دائم بالإطار، لذلك يستخدمون تقنية بسيطة للغاية وهي كثير من المواد اللزجة التي تشبه الغراء المطاطي لإنشاء ختم محكم يمنع تسرب الماء إلى الداخل.
وإذا شاهدت الهاتف من الداخل ستجد الحلقات المطاطية حول مقبس سماعة الرأس في الهاتف ومنفذ الشحن، وهناك عادةً حشوات مطاطية صغيرة حول درج بطاقة (SIM). وبالنسبة للأزرار، قد يستخدم المصنعون تقنية مختلف عبارة عن تمهيد صغير من مطاط السيليكون الذي يفصل تمامًا الجزء المادي الذي تدفعه عن نقاط التلامس الكهربائية بالداخل، إنه يشبه إلى حد ما تغطية حذائك بكيس بلاستيكي قبل الخروج إلى الرصيف الذي بلله ماء المطر، وينطبق ذلك على الزر الصغير الذي تضغط عليه لإخراج درج بطاقة (SIM) أيضًا.
هناك عائق آخر، وهو السماعات والميكروفونات التي تحتاج إلى الهواء لإنتاج الاهتزازات التي تجعل الصوت يخرج ويدخل من وإلى الهاتف، ببساطة إذا كان الهاتف محكم الغلق تمامًا، فقد لا يكون الضغط داخل الهاتف مساويًا للخارج، ما يخلق فرصة لهذا الضغط لفك المواد اللاصقة في الهاتف والسماح بدخول الماء، وللتغلب على ذلك يقوم المصنعون بتغطية سماعات التليفون بشبكة دقيقة جدًا مقاومة للماء، وفي نفس الوقت تسمح للصوت بالخروج من الهاتف؛ إذ تحول الماء إلى قطرات متماسكة تميل بشكل طبيعي بعيدًا عن سطح سماعات التليفون، بفضل التوتر السطحي (ظاهرة فيزيائية تجعل الطبقة السطحيّة لأي سائل تتصرف كورقة مرنة، وهذا التأثير يسمح للحشرات بالسير على الماء) وبذلك تذهب القطرات بعيدًا عنها بدلا من النفاذ إلى الداخل.
كما أن هذه المواد اللاصقة والأغطية المطاطية يمكن أن تتعرض للتآكل مع مرور الوقت، أو بسبب مياه البحر المالحة، وبذلك لا تحمي الهاتف حتى من رذاذ الماء أو القطرات البسيطة، ولهذا فإن ضمان شركات الهواتف في الغالب لا يتحمل الأعطال الناجمة عن المياه، ويصنفها على أنها سوء استخدام.
إجمالاً، فإن هذه الميزة الموجودة في بعض الهواتف، لابد أن من التعامل معها في حدود المتاح، وجعلها للطوارئ فقط، فقد تنقذنا إذا سقطت هواتفنا في الماء عن طريق الخطأ، لكن يفضل عدم المجازفة والنزول بالهاتف إلى المسبح أو البحر واستخدامه للتصوير تحت الماء مثلا، فقد تكون النهاية كارثية ونقع في المحظور ونفقد هاتفنا إلى الأبد.