النهارالاخباريه – احمد عثمان
يرافق موسم قطف الزيتون عادات وتقاليد لا يعرفها إلا من يصحو باكراً ويتوجه مع رفاقه لقطف الحبات الخضراء. عادات لا تتوقف على الأكل والشرب، بل تتعدى ذلك إلى الرقص والغناء وقضاء أوقات ممتعة مع الأهل والأصحاب.
وفي بعض البلدان ثمة صلوات تُقام حين يتأخر هطول المطر في شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، إذ يقول الخبراء إن سقوط المطر على حبات الزيتون قبل قطفها يزيد من جودة الزيت بعد عصرها.
موسم جني الزيتون في تونس... عرس سنوي يستبشر به الجميع
على إيقاع سقوط حبات الزيتون الخضراء على البساط المفروش على الأرض، تتعالى أصوات النساء بأهازيج الفرح، نساء يعتلين السلالم لجني الزيتون حبةً حبةً بعناية فائقة، فهن يعلمن جيداً أنه عندما تُقطف الزيتونة باليد يكون زيتها أكثر جودةً.
تقول زينة، إحدى المزارعات في منطقة دقة في شمال غربي تونس، إن "موسم جني الزيتون عبارة عن عرس سنوي، فهو موسم الخير والبركة"، مضيفة، "ننتظره بشوق كبير، فهو موسم عمل نحصل خلاله على بعض المال".
غانى لفرح
استيقظت زينه منذ ساعات الفجر الأولى، وأخذت معها ما أحضرته ليلاً، بخاصة خبز الطاجن، وهو خبز خاص يؤكل مع زيت الزيتون النضوح، أي جديد العصر، وأيضاً يتم تحضير بعض المأكولات الساخنة التي تبعث الدفء في الجسم على غرار الكسكسي والمحمصة، إضافة إلى طبخ العصيدة في الحقل فوق حطب خشب الزيتون، كل هذه المأكولات تطبخها النساء لتأمين يوم طويل وشاق يمتد من الساعة الخامسة صباحاً إلى حدود الرابعة مساء.
لبست زينة لباساً شتوياً، وامتطت العربة مع نساء قريتها، واتجه بهن السائق نحو إحدى مزارع الزيتون الكبرى في قرية دقة التي تشتهر بأجود أنواع زيت الزيتون في العالم.
عند وصولهن وضعن حاجاتهم من أكل وشرب وأوعية طبخ في مكان قريب، وانطلقن في العمل بكل نشاط وحيوية، بعد ساعتين من العمل المتواصل أخذن راحة، افترشن غطاء وأخرجت كل واحدة منهن ما جلبته من خبز وزيت الزيتون والعسل والشاي والقهوة، وتعالت الضحكات وتبادل أطراف الحديث، ثم أخذن قسطاً من الراحة، ثم رجعن إلى شجرات الزيتون لجني حباتها وغربلتها وإزالة الأوراق منها حتى لا يكتسي طعم الزيت حموضة زائدة وهن يغنين أهازيج تقليدية تبعث الفرح والبهجة.
ما الرجال فيقومون بمهام أخرى، كالجني بجر الأصابع المحمية بقرون الأغنام على طول الفروع أو بواسطة أمشاط خاصة للفروع في أعلى الشجرة التي لا يستطعن النساء الوصول إليها، وأيضاً جمع أكياس الزيتون وأخذها إلى المعصرة.
حتى الأطفال، يشاركون هذا العرس، فدورهم يكون في جمع الزيتون الذي يسقط أرضاً خارج البساط الذي يفرش.
"الشجرة المباركة"
تعد شجرة الزيتون الشجرة الأكثر حظاً في تونس، فهي موجودة شمال البلاد وجنوبها في الهضاب وسفوح الجبال وفي السهول، حيث تتميز مدينة جرجيس في الجنوب الشرقي أيضاً بوفرة إنتاج الزيتون، ويشترك أهل الجنوب والشمال التونسي في طقوس الفرح، ابتهاجاً بانطلاق موسم جني الزيتون.
تقول الخالة مريم، صاحبة حقل صغير، "تجتمع كل العائلة من رجال ونساء وأطفال لجني الزيتون حتى يأخد كل طرف نصيبه منه". وتضيف المرأة الخمسينية، "ننتظر هذا الموسم ونحضر له جيداً قبل أيام لنكون في أفضل حال"، مواصلةً، "يوم الجني نذهب في الصباح الباكر ونقضي كامل اليوم هناك إلى أن نجمع عديداً من الأكياس التي يحملها الرجال إلى معصرة تقليدية قريبة من هنا... يوم الجني هو بمثابة العرس، فنحن نغني ونرقص ونأكل بعض الأكلات التي نحضرها في المكان لتكون ساخنة ولذيذة".
وعلى الرغم من الظروف الصعبة التي تمر بالمزارعات، وعلى الرغم من الدنانير القليلة التي يقبضنها مقابل عمل شاق، فإنه لا يمر موسم جني الزيتون دون أجواء مبهجة ومفرحة.
هذه هي عادات أرياف تونس في مواسم الجني التي تنطلق عادةً في شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، وتمتد لأيام، بعدها يباع زيت الزيتون الذي ينتظره التونسيون في الأسواق، أو من المنتج مباشرة. فزيت الزيتون مكون أساسي في المطبخ التونسي، وتعد شجرة الزيتون "الشجرة المباركة" التي يحرص التونسيون على غرسها في منازلهم أو أمامها وفي شوارع بعض المدن.
وبحسب مراجع تاريخية مختلفة فإن الفينيقيين هم من أدخلوا زراعة الزيتون إلى دول شمال أفريقيا، وبخاصة تونس، وفي عهد القرطاجيين بدأت زراعة الزيتون تتوسع. ويبلغ عمر أكبر شجرة زيتون في منطقة الهوارية بمحافظة نابل 2500 سنة.
وتقدر ثروة تونس من أشجار الزيتون بأكثر من 100 مليون شجرة من مجموع 700 مليون شجرة في العالم جلها في منطقة حوض المتوسط، وهذه الحصيلة جعلت تونس في صدارة الدول المصدرة لزيت الزيتون.
طقوس خاصة لقطف الزيتون في فلسطين
"في الزيتون تجتمع كل العائلة بالمكان ذاته، ليُخرج كل فرد منها أفضل ما عنده من مواهب الغناء والكوميديا والفوازير، وتسلق الأشجار وسرعة القطف"، يقول الشاب همام من قلقيلية عن موسم الزيتون السنوي، إذ يخرج وعائلته، كل صباح إلى أرضهم لمدة أسبوع لقطف الزيتون، ويتشاركون طقوساً مختلفة يعتبرها همام من أفضل أيام العام، فالعائلة تكون في مزاج جيد، ما يخلق أجواءً من الصراحة والتفاهم بين الأبناء ووالدهم. ويضيف همام أن الموسم بالنسبة للأطفال فرصة لجمع الأموال، فمهمتهم تتمحور حول جمع الزيتون من الأرض، وكل دلو له تسعيرة محددة، وعند الانتهاء يبدع كل طفل في اختراع الألعاب التي يتشاركها مع رفاقه.
طقوس خاصة للطعام في الموسم
ويعد إعداد الطعام في أثناء الموسم من أهم العادات، وبخاصة طبقي "المقلوبة" وورق العنب، إذ يتم طبخهما على النار في موقد يصنع من حجارة، ويشعل بأغصان الزيتون الجافة، والنار نفسها تستخدم لإعداد القهوة والشاي، وأحياناً الكنافة النابلسية، بالإضافة إلى حلوى الشتاء والحلقوم والبسكويت وغيرها من المسليات.
وفي الزيتون، يعمل الجميع من الصباح حتى المساء، فعادة تنقسم العائلة إلى جزأين، الأول يقطف الثمار باستخدام السلم أو الصعود على الشجر، أو حتى بالاستعانة بالآلات الحديثة، والقسم الثاني يقوم بإعداد الطعام والقهوة وغيرها، والعناية بالأطفال، وعادةً ما تكلف النساء هذه المهمة.
أما بالنسبة إلى آية، فالموسم في أسرتها يبدأ بحبات من الزيتون يجمعها والدها قبل بدء عملية القطف، ويضيف إليها الليمون والزيت ليتم أخذها كجزء من وجبة الفطور أثناء القطف، في حين يتوج انتهاء الموسم بطبق "المسخن" المغمور بزيت الزيتون المعصور حديثاً، ولاحقاً يتم إعداد زيتون يسمى "الكامر" الذي يدفن لمدة 21 يوماً تقريباً في الجفت الناتج من عصر الزيتون.
مصدر الرزق الوحيد
"الزيتون في الماضي كان يعد أكبر مصدر رزق للمزارعين، فمنه يُصنع الزيت والصابون وزيت الصابون، عدا عن الاكتفاء الذاتي لكل أسرة"، تروي السبعينية فاطمة سعد عن مشاركتها في موسم الزيتون منذ طفولتها وحتى اليوم، فهي كانت تتوجه مع عائلتها في منتصف شهر أكتوبر (تشرين الأول) لجمع حبات الزيتون من الأرض "الجول"، وهذا زيته غير صالح للأكل، بل يستخدم لصناعة الصابون إما يدوياً في المنازل، وإما في "الصبّانات" التي كانت تنتشر بكثرة آنذاك في المدن الفلسطينية، وبخاصة نابلس.
وتتابع فاطمة أن المجلس القروي قديماً كان يوظف أشخاصاً يسمون "مخضرين"، مهمتهم تتركز في التجول بين أراضي القرية وحماية الزيتون من السرقة والتأكد من أن الجميع يقطف الزيتون في الفترة ذاتها التي حددها المجلس، والتي عادةً تكون في نهاية أكتوبر وبداية نوفمبر، ومن يخالف هذا الأمر كان يدفع غرامة تقدر بثلاثة دنانير، وهذه كانت تعد مبلغاً كبيراً بالنسبة للمزارعين في ذلك الوقت.
كل العائلة تعمل في موسم الزيتون
بعد الانتهاء من جمع "الجول"، تبدأ السيدات بقطف الحبات الخضراء الكبيرة من أجل عمل الزيتون المنزلي، والاسم "الرصيع"، أما بقية الحب فيتم قطفه لإرساله للمعصرة للحصول على الزيت والجفت، ومن أشهر العادات عند الوجود في المعصرة هي إحضار رغيف خبز الطابون الساخن وغمسه بالزيت حال خروجه من الآلات، لتذوق طعمه اللاذع المحبب لدى كثيرين.
وتشير سعد إلى أن مهمة قطف الأغصان المرتفعة توكل للرجال الذين ينزلون حباتها إما بالصعود على الشجرة أو السلم، باستخدام أيديهم أو العصي، فسابقاً لم تكن هناك آلات تساعد على قطف الزيتون، أما الأشجار الصغيرة فكان يمنع على أحد استخدام العصي لقطفها، فقط بالأيدي.
وقبل سنوات، كان يسود مبدأ "العونة" بكثرة لدى المزارعين، فمن ينتهي من قطف أرضه، يتجه مباشرة لمساعدة جاره أو قريبه بشكل تطوعي من دون مقابل، إذ لم يكن مستحباً أو مقبولاً مجتمعياً أن تنهي إحدى العائلات قطفها في حين أن أسراً أخرى ما زالت تعمل، ولكن هذا تغير كثيراً هذه الأيام، فالمساعدة في بعض الأحيان تكون مشروطة بمبلغ مالي، ولو بسيط، عدا عن تفكك العائلات وقلة مساعدتها لبعضها كما السابق، بحسب فاطمة.
قطف الزيتون في لبنان بين العادات والتقاليد
في ظل هموم الحياة الكثيرة والأزمات المتتالية، يشكل موسم قطف الزيتون مساحة تبعد المواطن اللبناني عن أجواء التوتر السائدة والقلق، فيتمسك بها اليوم أكثر فأكثر ويجد متنفساً له فيها.
فسواء كان الهدف من قطف الزيتون تموينه أم عصره وبيع زيته، لهذا الموسم برفقة خيرات الأرض، نكهة خاصة لعائلات لبنانية تجتمع في موسم الخريف متمسكة بكافة الطقوس المرافقة للقطاف.
قد تكون التحديات كثيرة وقد لا يكون الموسم وافراً في كل عام، لكن الكبار والصغار يتلهفون كما من مئات السنوات لقدوم الموسم برفقة "الشجرة المباركة" كما يصفونها.
يجتمعون طوال أيام في أجواء من الإلفة والتقارب التي تعيد إليهم أجمل الذكريات من أيام الخير التي غلبت عليها البساطة والسعادة أيضاً. صحيح أن موسم قطف الزيتون فقد كثيراً من الطقوس التي كانت ترافقه قديماً، لكن كثيرين ينتظرونه بفارغ الصبر لما فيه من خير وبركة.
في موسم الخير والبركة
يعود جورج اسطفان بالذاكرة إلى الأيام الغابرة في بلدته الجنوبية "برتي" عندما كان يتأخر موسم الزيتون بسبب تأخر الشتاء.
ولأن المطر ضروري لينضج الزيتون ويكبر حجم حباته، كان أطفال البلدة يجتمعون حاملين مما يشبه المشاعل بقضبان مبللة وهم يرنمون للمطر حتى ينهمر، فيما يصلي الأكبر سناً لتسريع انهماره، عل الزيتون ينضج سريعاً فيتمكنون من قطفه. موسم قطف الزيتون يختلف بين البلدات بحسب ارتفاعها، ففي البلدة الجنوبية يكون الموسم قد انتهى في حوالى منتصف شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، بينما قد تتأخر بلدات أخرى أكثر ارتفاعاً عن سطح البحر لما بعد هذا التاريخ.
ويقول اسطفان "في السابق كان الرجال في شهر سبتمبر (أيلول) يتولون هز فروع الشجر بقوة حتى تنهمر الحبات التي نضجت أرضاً، فتجمعها النساء على البساط، وتعرف الحبات التي تسقط أولاً بـ "الزيتون الأيلولي" كونها تنضج أولاً، وتُستخدم في صناعة الصابون البلدي لأنها تكون أقل جودة فلا تعصر لاستخراج الزيت. أما اليوم فأصبح الزيتون يقطف دفعةً واحدة غالباً لكسب الوقت، علماً أن القطف يعتبر عملاً متعباً، ويتطلب قوة عضلات وغالباً ما يتولى الرجل مهمة القطف، فيما تهتم النساء بجمع الزيتون".
لا يزال لموسم قطف الزيتون نكهة خاصة حتى اليوم، وصحيح أن عائلات عدة تستعين حالياً بعمال للقطف، لكن كثيرين في بلدات معينة يحرصون على قطف الزيتون باليد والقضبان لضرب فروع الشجرة، ويتمسكون بمعظم العادات والطقوس المرافقة، فهي مصدر بهجة للقلوب وتولد الألفة بين مختلف المشاركين فيها، وإن اعتمدت أحياناً وسائل متطورة كالآلات للقطاف بسرعة كبرى.
في قطف الزيتون بركة يشعر بها كل من يشارك بها من عائلات تجتمع في كل موسم كباراً وصغاراً، فشجرة الزيتون مباركة بحسب اسطفان، وتتحمل قسوة المناخ بحد أدنى من الاهتمام. حتى أن الزيتون لا يحتاج إلى الري بل المطر الخفيف في الخريف يساعده في النضوج بشكل أفضل حتى يعطي زيتاً ذات جودة عالية.
تتمسك "برتي" كما في بلدات أخرى بهذه التقاليد لأن الزيتون يشكل إنتاجاً أساساً لديها، يتحول قطف الزيتون إلى فولكلور ويترافق مع مهرجان مصغر تتخلله كافة الطقوس بكل ما فيها من بهجة، فالهدف هنا تعريف جيل الشباب على هذا الإنتاج وإعطائه حقه واستعادة هذه العادات الجميلة ببساطتها، بدءاً من قطف الزيتون والرقص والموسيقى الذي يرافقه أحياناً بمختلف مراحله وصولاً إلى صناعة الصابون البلدي وعصر الزيتون للحصول على الزيت، فالشباب يجهلون كثيراً من هذه الأمور، إلا أنهم عادوا للمشاركة بالقطف والتعرف إلى عادات أجدادهم.
تفاصيل بسيطة في أجمل المواسم
علبة السردين والخبز وبعض الخضراوات أو طبق من الحبوب مع إبريق الفخار، تلك كانت الزوادة البسيطة للعائلة التي تتوجه إلى البساتين لقطف الزيتون في النصف الثاني من شهر أكتوبر (تشرين الأول)، في بلدة "رشميا" في جبل لبنان.
يتذكر ميلاد الهاشم أن الأهالي كانوا يمضون نهاراً طويلاً في قطف الزيتون، لكن يستمتعون معاً خلاله ويغنون ويتشاركون الأحاديث، فتولد بينهم علاقات جميلة ولا يشعرون حتى بمرور الوقت، وعلى الرغم من التعب والساعات الطويلة في البساتين تتخلل هذا النهار استراحة قصيرة ظهراً لتناول "الزوادة"، قبل المتابعة باندفاع حتى مغيب الشمس، فالزيتون كان مورد رزق أساس للمقيمين في البلدة لأن المجتمع كان زراعياً، وكان الكل يترقب موسم قطف الزيتون للعيش من جهة، إنما أيضاً من أجل هذه الجمعة الجميلة التي تغلب عليها البركة، فيتعاون فيها أهالي البلدة في القطاف في ما يُعرف بـ "العونة"، وهم من الجيران في كثير من الأحيان.
فلم يكن أحد منذ 30 سنة يستعين بأجير، بل كان الأطفال يساعدون أهلهم ويستمتعون بهذه اللحظات الجميلة، وثمة قول شائع يعود إليه هاشم "نيال يللي فدانو من بقرتو وأجيرو من مرتو"، وذلك للإشارة إلى من لا يحتاج إلى الاستعانة بعامل، بل يتدبر أموره بنفسه ومع عائلته.
في المقابل، كان قطافاً متخصصاً يتولى ضرب أحد فروع شجرة الزيتون حتى يسقط الزيتون بطريقة معينة، لا يتقنها أي كان، حتى لا تتأذى الشجرة للموسم المقبل، فالخبرة ضرورية لذلك.
ويوضح الهاشم "في رشميا الزيتون الذي لا يروى وهو "بعل" موجود في أطراف البلدة، وهو الأفضل مذاقاً ويعطي الزيت الأفضل، بخاصة إذا أمطرت قليلاً قبل القطاف. هذه السنة لم تنضج حبات الزيتون جيداً لأنها لم تمطر حتى الآن، والزيتون عطشان بسبب الحرارة، لكن لا بد من قطفه من دون تأخير حتى لا يفقد جودته، وتكون كمية الزيت التي تُستخرج مقبولة".
لكل نوع من الزيتون موسمه
يشير الهاشم في حديثه إلى أنه طوال سنوات ومن أيام الطفولة لم يدرك يوماً سبب زرع الزيتون الشتوي الأسود الذي ينضج متأخراً، بوجود البلدي الذي يعتبر أفضل مذاقاً والذي كان يتلذذ به الأطفال في موسم القطاف، لكن مع الخبرة تبين له أن حكمة أهالي البلدة جعلتهم يزرعون الزيتون البلدي والشتوي معاً في بساتينهم، فعندما لا ينضج البلدي بسبب المناخ يكون الشتوي ناضجاً ويمكن الاستفادة منه، وهذا ما كانوا يراهنون عليه في المواسم، لأن لكل نوع من الزيتون موسمه.
وعندما تنتهي العائلات من قطف الزيتون، فمنها من يفصل الورق من الزيتون باليد حتى اليوم حرصاً على جودة الزيت والزيتون، فيما ينقله آخرون مباشرة إلى المعصرة حيث تسمح الآلات الحديثة بفصل الأوراق عن الزيتون.
أما المعصرة فقد تكون حجرية قديمة في بعض البلدات وتعصر الزيتون بالطرق التقليدية، فيعتبر البعض أنها تسمح بتأمين زيت أكثر جودة، ومنها تلك الحديثة التي تسمح بعصر الزيتون بسرعة كبرى والحصول على الزيت بأقل من نصف الوقت مقارنة بتلك القديمة.
وفي زيارة إلى معصرة قديمة في بلدة المعوش عمرها أكثر من 100 سنة، يبدو كأن الزمن لم يمر من هنا، فقد حافظ صاحبها مارون صابر على كافة التفاصيل التي يتمسك بها كثيرون لاستعادة ذكريات جميلة، وأيضاً الحصول على أجود أنواع الزيت.
مراحل مختلفة
مراحل عدة يمر بها الزيتون قبل أن يستخرج الزيت منه بلونه الذي يميل إلى الاخضرار، وتركيبته الأكثر سماكة التي يؤكد صابر أنها دليل على جودته، أما الزيت القديم أو الأقل جودة من سنتين أو أكثر فقد يستخدمه البعض لصناعة الصابون البلدي.
وبين مرحلة فصل الأوراق عن الزيتون إلى مرحلة العصر على الحجر الذي يدور طويلاً لهرس الزيتون، وصولاً إلى مرحلة وضع الزيتون في القماش الذي كان يُصنع قديماً من جلد الماعز، يتم بعدها ضغط هذه الرزم معاً في آلة "المكبس" ليستخرج منها الزيت، أما بقايا الزيتون الجاف بعد عصره فتستخدم للتدفئة.