السبت 23 تشرين الثاني 2024

وساطة ثم إجلاء والآن تشغيل المطار.. كيف توسع دور قطر في أفغانستان؟

برز دور قطر في الأزمة الأفغانية بشكل لافت، حيث لم يقتصر دورها على الوساطة السياسية، بل أصبحت محوراً لعمليات الإجلاء من أفغانستان، وأسهمت في مساعدات الوكالات الأممية ووسائل الإعلام الدولية، حتى أن نِصف من تم إجلاؤهم من أفغانستان كان عبر الدوحة.
وساهمت قطر بدور كبير في الجهود الأمريكية لإجلاء عشرات الآلاف من الأشخاص من أفغانستان. والآن يُطلب من الدولة الخليجية المساهمة في تشكيل المرحلة المقبلة لأفغانستان بفضل علاقاتها مع واشنطن وطالبان، الطرفين المسؤولين في كابُول. 
إذ أصبحت قطر من بين الدول التي لها وزنها عالمياً بعد دعوتها للمشاركة في مؤتمر افتراضي يستضيفه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن لمناقشة تشكيل المرحلة المقبلة، بعد إتمام الولايات المتحدة انسحابها من أفغانستان في أعقاب سيطرة طالبان على البلاد، حسب وصف تقرير لصحيفة The Independent البريطانية.
وسيضم المؤتمر أيضاً كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة وتركيا والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو).
تشغيل مطار كابول
دور قطر في الأزمة الأفغانية يظهر واضحاً في تعليق الغرب وطالبان على السواء، آمال كبيرة على قدرتها هي وتركيا على تشغيل المطار الذي أصابه تخريب أثناء رحيل الأمريكيين، بينما يتوقع ألا تمتلك طالبان الإمكانيات المادية والفنية لتشغيله، في وقت مازال هناك أعداد من الرعايا الغربيين أو الأفغان الذي يحق لهم السفر للدول الغربية عالقين في أفغانستان، وتعهدت طالبان بالسماح لهم بالخروج.
وأفادت تقارير بأن طالبان طلبت من قطر تقديم مساعدة فنية للمدنيين في مطار كابول الدولي، بعد الانسحاب العسكري الأمريكي، وهي مسألة أهمية بالغة بالنسبة للولايات المتحدة والغرب، في ظل وجود رعايا غربيين في كابول أو مواطنين أفغان يفترض إجلاؤهم.
وكشفت المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين بساكي، الثلاثاء 21 أغسطس/آب 2021، عن مشاورات مع كل من تركيا وقطر لإبقاء مطار "حامد كرزاي" الدولي بالعاصمة الأفغانية، كابول، مفتوحاً، وذلك في الوقت الذي تؤكد فيه الدوحة أن المحادثات حول تشغيل المطار "ما زالت مستمرة".
وأفادت شبكة (CNN) بأن فريقاً قطرياً من المختصين التقنيين إلى العاصمة الأفغانية كابول، الأربعاء 1 سبتمبر/أيلول 2021، لمناقشة إعادة افتتاح المطار، وفق ما ذكره مصدر مطلع.
وقال المصدر إن الفريق التقني سافر إلى كابول على متن طائرة قطرية بناء على طلب من حركة طالبان.
وأكد المصدر على عدم التوصل لاتفاق بعد بين الجانبين، وقال: "هناك محادثات جارية على المستويين الأمني والعملياتي"، حسب قوله.
وأضاف المصدر قائلاً: "الهدف هو استئناف الرحلات من وإلى كابول من أجل تقديم المساعدة الإنسانية وحرية الحركة بأمن وسلام"، حسب قوله.
دور قطر في الأزمة الأفغانية.. كيف تحول من الوساطة إلى الإنقاذ؟
رغم أن قطر لها دور بارز في الأزمة الأفغانية عبر استضافتها المحادثات بين الأمريكيين وطالبان، وكذلك المفاوضات بين الحكومة السابقة والحركة، لكن تسارع الأحداث أدى إلى توسع الدور القطري، في ظل الفوضى التي خلفها الانسحاب الأمريكي.
إذ كان يفترض أن يقتصر دورها، وهي التي تشترك في حدود برية مع السعودية وحقل غاز شاسع تحت المياه في الخليج مع إيران، على أن تكون نقطة عبور لبضعة آلاف من الأشخاص الذين ينقلون جواً من أفغانستان لعدة أشهر.
ولكن بعد استيلاء طالبان السريع والمفاجئ على كابل، في 15 أغسطس/آب، اتجهت الولايات المتحدة بأنظارها إلى قطر لتساعدها في إجلاء عشرات الآلاف من الأشخاص عبر جسر جوي شابته الفوضى.
وفي النهاية، نُقل ما يقرب من 40% من جميع من تم إجلاؤهم عبر قطر، ووجهت واشنطن للقيادة القطرية إشادة ومديحاً لافتين. واعتمدت وسائل الإعلام الدولية على قطر أيضاً في عمليات إجلاء موظفيها. وتقول الدوحة إن ما يزيد قليلاً عن 43 ألف شخص ممن أجلوا من أفغانستان عبروا أراضيها.
تقدم لقاحات للاجئين الأفغان لديها
وأعلنت قطر أنها ستقدم لقاحات مضادة لفيروس كورونا للقادمين في رحلات إجلاء من أفغانستان الذين سيقيمون إقامة مؤقتة على أراضيها.
وقالت  الخارجيه القطريه فى بيان لها   إن الدوحة "سهلت عملية إجلاء ونقل أكثر من 40 ألف شخص من العاصمة الأفغانية كابول بأمان إلى الأراضي القطرية، بالتنسيق مع الدول المعنية والأطراف المتواجدة في أفغانستان".
وأضافت: "حل معظمهم كضيوف في دولة قطر لبضعة أيام، قبل أن يكملوا طريقهم إلى وجهاتهم النهائية. وستتواصل جهود الإجلاء في الأيام المقبلة بالتنسيق مع الشركاء الدوليين".
وأضافت أن من لن يواصل رحلته إلى دول أخرى من هؤلاء على الفور سيخضع لاختبار تفاعل البلمرة المتسلسل (بي.سي.آر)، وسيحصل على لقاح كوفيد-19 إذا طلب، مضيفة أن الدوحة تستضيف بصورة مؤقتة "عدداً كبيراً من الأشخاص الذين تم إجلاؤهم ومعظمهم من الطلبة والصحفيين وعدد من العائلات".
وقال وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، في مؤتمر صحفي في الدوحة الأربعاء "نحث طالبان على مسألة حرية التنقل، وأن يكون هناك ممر آمن لخروج ودخول الناس إذا رغبوا في ذلك".
وتابع "نتمنّى أن نرى أنّ هذه الالتزامات يتم الإيفاء بها في المستقبل القريب، عندما يعود المطار إلى التشغيل مرة أخرى، وأن تكون بطريقة سلسة، وألا يكون هناك أي تحديات لأي أحد يريد الخروج من أفغانستان أو القدوم إليها".
كما ذكر أنّ الدوحة تقيم حواراً مع طالبان "بشكل مستمر"، لحثهم على "أن يكون هناك ترشيد لسياساتهم وخطاباتهم تجاه المرأة، وأن يتم التعامل معها وفق الحقوق المناطة لها".
وفي الوقت ذاته، أعلنت وزيرة الخارجية الهولندية سيغريد كاغ في المؤتمر الصحفي مع نظيرها القطري، الأربعاء، أنّ بلادها قرّرت نقل سفارتها من كابول إلى العاصمة القطرية في أعقاب الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، بعد خطوة مماثلة من الولايات المتحدة وبريطانيا.
كيف استطاعت أن تقوم بهذا الدور؟
ودور قطر في الأزمة الأفغانية وتحديداً في عمليات الإجلاء يعكس مكانتها باعتبارها الدولة التي تضم أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط، وقرارها الذي اتخذته منذ سنوات باستضافة القيادة السياسية لطالبان في المنفى، يمنحها بعض النفوذ مع هذه الجماعة 
واستضافت قطر محادثات السلام بين الولايات المتحدة وطالبان أيضاً. 
وقد أقرت مساعدة وزير الخارجية القطري لولوة الخاطر بالمكاسب السياسية التي حققتها قطر في الأسابيع الماضية، لكنها نفت نفياً قاطعاً أن تكون جهود قطر استراتيجية بحتة.
وقالت لوكالة Associated Press: "إذا افترض أي شخص أن هذا الأمر يتعلق بالمكاسب السياسية فقط، فصدقوني توجد الكثير من الطرق التي يمكننا بها الدعاية لأنفسنا، وهي أسهل كثيراً من المخاطرة بمواطنينا هناك على الأرض، وأسهل بكثير من الليالي التي قضيناها بلا نوم حرفياً خلال الأسبوعين الماضيين، وأقل تعقيداً بكثير من إنفاق وقتنا على رعاية كل طفل وكل سيدة حامل". 
عمليات إنقاذ شديدة الحساسية، والوكالات الأممية أيضاً تطلب المساعدة من الدوحة
ونفذت قطر عدداً من جهود الإنقاذ الأشد حساسية في أفغانستان ببضع مئات من الجنود وطائراتها العسكرية، إذ أجلت قطر طالبات مدرسة داخلية للبنات، وفريق روبوتات يضم فتيات فقط، وصحفيين يعملون في منافذ إعلامية دولية، وآخرين. وقد رافق سفير قطر قوافل الحافلات عبر نقاط تفتيش لطالبان في كابول وعدة نقاط تفتيش عسكرية غربية في المطار، الذي تجمعت به حشود ضخمة في محاولة يائسة للفرار.
كما تطلب وكالات دولية تابعة للأمم المتحدة من قطر تقديم المساعدة والدعم في إيصال المساعدات إلى أفغانستان.
وقالت لولوة إن قطر، في المجمل، أمّنت ممراً إلى المطار لحوالي 3000 شخص ونقلت ما يصل إلى 1500 شخص جواً بعد تلقيها طلبات من منظمات دولية ومراجعة أسمائهم.
وقالت لولوة إن قطر تتمتع بمكانة فريدة بسبب قدرتها على التحدث إلى مختلف الأطراف على الأرض واستعدادها لمرافقة الناس في كابول التي تسيطر عليها طالبان.
وقالت: "ما لا يدركه كثير من الناس هو أن هذه الرحلة ليست مكالمة هاتفية مع طالبان. فهناك حواجز تفتيش من جانب أمريكا، ومن جانب بريطانيا، ومن جانب الناتو، ومن جانب تركيا… وعلينا التوفيق بين كل هذه المتغيرات والعوامل".
ومن المعروف أن عملية الإجلاء التي تقودها الولايات المتحدة شابها سوء التقدير والفوضى، وامتد ذلك إلى قاعدة العديد الجوية في قطر التي تشغلها القوات الأمريكية، حسب الصحيفة البريطانية.
إذ كانت حظائر الطائرات في قاعدة العديد شديدة الاكتظاظ، لدرجة أن الولايات المتحدة أوقفت الرحلات الجوية من كابول لعدة ساعات والإجلاء في ذروته، في 20 أغسطس/آب. ووافقت دول مجاورة، مثل البحرين والإمارات أيضاً، على استقبال عدة آلاف من الأشخاص الذين تم إجلاؤهم لتخفيف الضغط على القاعدة الأمريكية.
وفي قاعدة العديد، انتظرت العائلات الأفغانية التي أجلتها الولايات المتحدة لساعات في ظل ظروف ضاغطة نظراً لضخامة أعداد اللاجئين.
قطر تقيم مستشفى ميدانياً للاجئين
وأقامت قطر مستشفى ميدانياً للطوارئ وملاجئ جديدة ودورات مياه محمولة لحل هذه المشكلات. وبالإضافة إلى ما يوزعه الجيش الأمريكي كان الجيش القطري يوزع 50 ألف وجبة في اليوم، وشاركت الجمعيات الخيرية المحلية في توزيع المزيد كذلك. وقدمت الخطوط الجوية القطرية أيضاً 10 طائرات لنقل من تم إجلاؤهم من عاصمتها الدوحة إلى دول أخرى.
ولا يزال يوجد حوالي 20 ألف شخص ممن تم إجلاؤهم في قطر، ويُتوقع أن يغادروا في غضون أسابيع أو أشهر ليُعاد توطينهم في مكان آخر. وقد أنجبت سبع نساء أفغانيات أطفالهن بعد وصولهن إلى قطر.
ولن تستوعب قطر سوى عدد محدود ممن تم إجلاؤهم، ومن بين هؤلاء مجموعة من الطالبات اللاتي ستُقدَّم لهن منح دراسية لمواصلة تعليمهن في الدوحة. وتستضيف قطر أيضاً بعض الأشخاص في مرافق سكنية مفروشة شيدت لمنافسات كأس العالم لكرة القدم، التي ستقام في الدوحة العام المقبل.
ويُشار إلى أن قطر الغنية بالطاقة دولة صغيرة سكانياً، تضم ما يزيد قليلاً عن 300 ألف مواطن، حيث يفوق عدد العمال الأجانب المغتربين الحاصلين على تأشيرات مؤقتة عدد السكان المحليين.
ويقول البيت الأبيض إن الرئيس جو بايدن أعرب شخصياً عن تقديره للجهود القطرية لأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني عبر الهاتف، وأشار إلى أن الجسر الجوي الذي تقوده الولايات المتحدة لم يكن ليحدث لولا دعم قطر الذي سهّل نقل آلاف الأشخاص يومياً.
دور الخطوط الجوية القطرية
وهذا الدور القطري اللافت في الأزمة، ليس فقط نتيجة حركية دبلوماسيتها، وإقامتها لعلاقات مع كل الأطراف، ولكن أيضاً نتيجة تطوير هذه الدولة الغنية بالغاز قدرات لوجستية عالية في مجال النقل الجوي خاصة، وهي قدرات أصبحت تلعب دوراً مهماً في الأزمات.
فخلال ذروة جائحة أزمة كورونا دخلت شركات الطيران في بيات شتوي بسبب تفشي فيروس كورونا، ولكن دور الخطوط الجوية القطرية خلال الأزمة لفت انتباه الدول الغربية، لدرجة أنها وجّهت العديد من مواطنيها العالقين لاستخدام طائرات الخطوط القطرية للعودة لبلادهم، ووجهت العديد من الدول الغربية الثناء لها على هذا الجهد.
وأشار تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية فرانس برس   عن دور الخطوط الجوية القطرية خلال أزمة كورونا، إلى أن الشركة القطرية من شركات الطيران القليله التى ظلت تسير جزء من رحلاتها في ذروة أزمة كورونا، رغم إغلاق الكثير من مطارات العالم