الجمعة 22 تشرين الثاني 2024

هل يعمق احتجاز نائب البطريرك الراعي الأزمة السياسية في لبنان؟


النهار الاخباريه بيروت

وسط ما يعانيه لبنان من أزمات طاحنة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، أبدى مراقبون تخوفهم من تطور أزمة الملاحقة الأمنية للمطران موسى الحاج راعي أبرشية حيفا والأراضي المقدسة، والنائب البطريركي على القدس بعد عودته من إسرائيل، لتأخذ بعدًا سياسيًا ومذهبيًا يعقد الأمور.

ويأتي التوقيف بسبب شبهة ارتكاب جرم "مخالفة قانون مقاطعة إسرائيل، ومساعدة عملاء لبنانيين مقيمين في الدولة العبرية"، ومخالفة هذا القانون يمكن أن تؤدي إلى الحكم بعقوبة الأشغال الشاقة من 3 إلى عشر سنوات، وفقا للشرق الأوسط.

صعدت البطريركية المارونية في لبنان من انتقاداتها لتوقيف موسى الراعي، وطالبت بإقالة مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي الذي يدير ملف التحقيق مع المطران الحاج.

ضجة سياسة

قال سركيس أبوزيد، المحلل السياسي اللبناني، إن التهمة الموجهة إلى المطران موسى الحاج راعي أبرشية حيفا والأراضي المقدسة، والنائب البطريركي على القدس والأراضي الفلسطينية والمملكة الهاشمية، في الطائفة المارونية، لا تتعلق بزيارته لإسرائيل، حيث يذهب إلى هناك باستمرار وبشكل منتظم ودوري، وكل من يذهب إلى هناك يمر على الأمن العام، وهذا يطبق على جنود الأمم المتحدة وأي شخصية هناك.

وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، التهم الموجهة للمطران هي نقل أموال ومساعدات وأدوية من إسرائيل، وسط شكوك أنه ينقل أموالا لجهات تعتبر مشبوهة وتتعامل مع إسرائيل، وهو ما استدعى التدخل للتحقق من هذه الأموال المنقولة، ومصدرها والأماكن التي تذهب إليها، والموضوع رهن التحقيق وبانتظار معرفة كافة الأبعاد، لا سيما في ظل تزامن هذه التحركات مع القبض على عدة شبكات إسرائيلية تعمل في لبنان وتمول من الخارج.

وأوضح أن الأزمة قضائية وأمنية، لكن هناك مضاعفات سياسية لها في ظل الوضع المضطرب والمرتبك في لبنان، والخلافات القائمة بين الكتل السياسية حول ماهية العميل والوطني، ووجهات النظر المتباينة التي تظهر في مثل هذه الموضوعات، حيث يحدث نوع من الالتفاف الطائفي والمذهبي والتعبئة السياسية على قاعدة الخلافات الموجودة على   الساحة.

ورأى أبوزيد أن هذه القضية ستتضاعف وتأخذ أبعادًا كبيرة باعتبارها جزءًا من التناقضات والخلافات الموجودة، والتي تدور حول تشكيل الحكومة وانتخاب رئيس الجمهورية، وقضية ترسيم الحدود وغيرها من الملفات التي ينقسم اللبنانيون حولها.

وتابع: "هذه المسألة ستزيد الأمور تعقيدًا وسيكون لها تأثيرات على الساحة السياسية، في وقت يسعى رئيس الجمهورية عبر بعض الوسطاء احتواء الأزمة، لمنع تفاعلها بشكل يزيد من الأزمات المتفاقمة على المستوى السياسي والاجتماعي والمالي والاقتصادي، والآن هذه القضية تتخذ بعدًا سياسيًا ومذهبيًا خطيرًا"، متوقعًا أن تكون هناك تعبئة وضجة في لبنان حول هذا الموضوع.

تهويل وتكبير

في السياق، استبعد المحلل السياسي اللبناني ميخائيل عوض، أن تخلق أزمة المطران موسى الحاج أزمة سياسية جديدة في لبنان، بل يمكن أن تضيف بعض النقاط إلى الأزمات القائمة والملتهبة في الوقت الحالي.

وبحسب حديثه لـ"سبوتنيك"، لبنان يعاني من أزمات حادة وملتهبة، سياسية واقتصادية واجتماعية، وتباينات بين الفرقاء والخلافات الجارية بأشدها على أرضية الوضع الاجتماعي والاقتصادي.

ويرى عوض أن قضية المطران وغضب البطريرك الماروني، مداها صغير، حيث تم التكبير والتهويل فيها، كجزء من عملية التعبئة المذهبية والطائفية في لبنان، من أجل شد العصب الطائفي باعتبار أن البلاد ذاهبة لانتخابات رئاسية، وقد ندخل في حالة فراغ دستوري.

ويعتقد المحلل السياسي اللبناني، أن هذه القضية ستشغل الشارع اللبناني ووسئل الإعلام لبعض الوقت، وبعدها تظهر قضية أخرى تصبح هم الشارع والإعلام الشاغل.

إلهاء متعمد

بدوره اعتبر أسامة وهبي، الناشط المدني اللبناني، أن هذه الأزمة ليست جديدة، بل قديمة وعميقة ومنذ سنوات طويلة، وما حدث مع المطران هو أحد تجليات هذه الأزمة، وكشف مدى التخبط في الداخل اللبناني، حيث أن السلطات اللبنانية كافة تعرف أن المطران يذهب إلى الأراضي المحتلة باعتباره راعي أبرشية القدس والأردن.

وبحسب حديثه لـ"سبوتنيك"، توقيف المطران موسى الحاج استفز البطريرك الراعي والكنيسة، واعتبروها إهانة وتحديًا وافتعال أزمة، من أجل إرسال رسالة للراعي بسبب مواقفه السياسية عن الحياد وعن الانتخابات الرئاسية، ووضعه مواصفات في الرئيس لا تتناسب مع المرشحين الذين رشحهم حزب الله وأحزاب الممانعة في لبنان.

ويرى وهبي أن افتعال هذه الأزمة وشد العصب الطائفي في لبنان أمر مقصود من أجل إلهاء الشعب في أمور هامشية، نظرًا لعجز المنظومة والقوى السياسية عن تأليف الحكومة، أو حل أصغر مشكلة في البلاد، فهذه المنظومة أظهرت عجزها عن حل أي أزمة ولو كانت بسيطة.

وتابع: "هذا العجز والتراجع والترهل في مؤسسات الدولة والواقع السياسي اللبناني بسبب المناكفات السياسية بين أطراف الحكم، حيث دخل لبنان الـ100 يوم الأخيرة من عهد عون، ولا يوجد هناك حتى الآن ما يبشر بتشكيل حكومة وانتخاب رئيس الجمهورية، ما يؤكد أننا ذاهبون لفراغ دستوري في السلطة"، مشيرًا إلى أن المشاكل الجانبية مقصودة ومفتعلة، وتبادل أدوار ما بين أطراف المنظومة الحاكمة.

ووصل المطران موسى الحاج إلى معبر الناقورة (الحدود اللبنانية الإسرائيلية البرية) عائداً إلى لبنان، إلا أن مركز الأمن العام أوقفه وأجرى تحقيقًا معه استمر 12 ساعة، وجاء التوقيف بناء على قرار من قاضي التحقيق العسكري فادي عقيقي.